بين الدين والازمة الاقتصادية.. الجيل الجديد يغير السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1692
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بقلم: ميخال يعاري
من الصعب دحض الادعاء القائل بأن السياسة الخارجية السعودية محددة وتُدار في اطار الصراع السعودي الايراني. منذ اندلاع الربيع العربي في العام 2011 توسع وتعمق الصراع بين السعودية وايران واستنزف مقدرات المملكة. وعلى الرغم من أهميته، إلا أن التهديد الايراني لن يحسم كما يبدو مصير الدولة، بل ما سيحسمه هو سلوك آل سعود في وجه التحديات الداخلية.
في هذه الاثناء يتعزز في اوساط القيادة السعودية الادراك بأن التحدي الاقتصادي والاجتماعي، مثل البطالة ونقص الشقق السكنية والتمييز ضد النساء والاقليات وعدم وجود الرضى الذاتي، تضر بشرعية النظام بشكل غير مسبوق، الامر الذي يهدد النسيج الاستثنائي والهش في المملكة. وفوق كل ذلك تحلق ازمة الهوية الآخذة في التعمق في المجتمع السعودي. الكثير من المواطنين، وخصوصا في اوساط الشباب، لا يمكنهم حل التناقض بين نمط الحياة الديني المتشدد الذي يتأسس على المذهب الوهابي للاسلام وبين الاطلال المتواصل على نعيم الغرب والحداثة. كلما ازداد التشدد الديني وتعمق كلما تحول الانترنت والمجال الفردي الخاص الى ملجأ لاولئك الذين ضاقوا ذرعا أو يجدون صعوبة في الالتزام بالموانع والقيود المتشددة.
في الافلام القصيرة التي نشرت في الشبكات الاجتماعية مؤخرا، يظهر شباب سعوديون وهم يشككون بالقيم السائدة ويضعونها أمام التحدي. أحد أبرز هذه الافلام هو اللقاء الوهمي الاستثنائي بين شاب سعودي عمره 17 سنة وبين فتاة امريكية. بلغة انجليزية وبانفعال كبير يعترف الشاب بحبه لها. رغم أن هذه كما يبدو هي المرة الاولى التي يتحدث فيها معها، في اعقاب الاحاديث بينهما تم اعتقاله بتهمة التصرف غير الاخلاقي، وتم اطلاق سراحه بعد اسبوعين. مصير مشابه كما يبدو ينتظر عدد من الشباب والفتيات السعوديين الذين رفصوا في حفلة خاصة وهم يشربون الكحول ويلبسون ملابس غير محتشمة وتحولوا الى نجوم رغم انفهم في الشبكة.
يمكن القول ان الشباب الذين يظهرون في هذه الافام وغيرها لا يحملون عن قصد وعن وعي لواء الثورة والتغيير الاجتماعي، بل يريدون الاستمتاع مثل باقي الشباب في ارجاء العالم. بعضهم يعيشون نمط حياة ديني ويتقبلون عبء الفرائض الاسلامية، والى جانب ذلك يأسرهم سحر الاجوار المتحررة.
قائد شاب ومتمرد
حتى السنوات الاخيرة كانت مظاهر كهذه تلاقي ردود قوية من قبل النظام والمؤسسة الدينية، ولكن في العام 2015 بدأ تغيير حقيقي من الصعب معرفة نهايته وتأثيراته الآن، استبدال القيادة الذي تم في اعقاب موت الملك عبد الله ادى الى تعيين محمد بن سلطان، ابن الملك الحالي سلمان، كولي عهد ثان، وهو الذي يدير المملكة فعليا الآن.
إبن سلمان عمره 31 سنة. وعمره الصغير وشخصيته المتمردة والكاريزما الخاصة ادت الى تفكير مختلف تجاه فاعلية الدين في حياة المملكة والصلاحيات الواسعة والمبالغ فيها للمؤسسة الدينية وشرطة الدين، تعبير لهذا التوجه هو موقف النظام من النساء. اذا كانت القيادة تعارض بشدة في الماضي دمج النساء في سوق العمل انطلاقا من موقف ديني اجتماعي يقول ان مكان المرأة هو البيت، الآن وبتوجه والهام من ابن سلمان تفتح الابواب امام النساء والتي كانت مغلقة في وجوههن حتى الآن، في مجال الطب والصحافة.
السياسة الجديدة تجاه النساء هي نتاج للواقع وليست نتاج تغير الوعي، بسبب المصاعب التي تمر بها العائلات السعودية في الاعتماد فقط على راتب الرجل، وعلى ضوء التقليصات في الدعم الحكومي، تزداد الحاجة الى دمج النساء في سوق العمل من اجل زيادة دخل العائلة. إلا ان الطريق الى هناك مليئة بالعقبات التي يبدو احيانا انه لا يمكن تجاوزها لان دمج النساء في سوق العمل يزيد من حدة المفارقات التي يواجهها الكثير من السعوديين.
تغيير يفرضه الواقع
حتى الاونة الاخيرة كان مقبولا لدى عائلات سعودية كثيرة وجود سائق خاص يأخذ المرأة الى مكان عملها. ولكن من اجل تقليص النفقات يتنازل الكثيرون عن هذه الخدمة، لذلك فان عبء التوصيل يقع على كاهل الرجل، هذا الواقع يؤدي الى ازدياد الضغط على الجهات المحافظة في المملكة من اجل ازالة المنع عن قيادة النساء للسيارات. الوزن الذي سيعطيه الجمهور السعودي للقيم الثقافية الدينية امام الحاجات الاقتصادية هو الذي سيحدد الى درجة كبيرة شكل المملكة السعودية في العقود القريبة.
السعودية هي دولة صعبة على الهضم حتى من قبل بعض مواطنيها. انها دولة مليئة بالتناقضات. ولكن المفارقة ان طابعها هذا هو الذي مكنها من البقاء امام تحديات ايديولوجية وعسكرية وسياسية. الا ان الوقت يدفعها الان الى اعادة تعريف هويتها. الدمج الصعب بين الدين والتقدم يضع النظام امام تحدي، ولكن بفضل الحكمة السياسية للملوك وقراءة الاصوات المختلفة في الميدان، فقد نجحوا في السير في المياه العاصفة.
صحيح انه يمكن القول انه في السنوات القريبة ستستمر السعودية في التصرف كنظام مطلق يدوس على حقوق الانسان ويستغل المصادر القومية من اجل توسيع الغنى السياسي لعائلة سعود. ولكن هذا لا يغطي على تيارات التغيير التي تعمل الآن في السعودية وتحت الرادار الغربي. حملة النساء السعوديات في الشبكات الاجتماعية ضد السيطرة الذكورية على حياتهن وقرار السلطات تقليص صلاحيات الشرطة الدينية والمؤسسة الدينية، كل ذلك هو جزء من الثورة السعودية الهادئة.
جزء من هذه التوجهات يتم من الاسفل من قبل الجمهور واحيانا بدون تفكير منظم، وبعضها يتم من قبل السلطات. السعودية ستستمر في كونها دولة مميزة وذات وجوه كبيرة تعمل حسب قناعاتها ولا تعتذر امام الغرب.
هآرتس 12/3/2017