علاقات الأردن بدول الخليج «تشتعل»
لا تزال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل مع موجة من التصريحات «المثيرة للجدل» التي أطلقها «إمام الحضرة الهاشمية» وبعض النوّاب الأردنيين الأسبوع الماضي ضد السعودية والخليج، والتي عكست حالة التوتر التي يشهدها المجتمع الأردني نتيجة التحديات الاقتصادية والأمنية الكبيرة
قدّم قاضي القضاة في الأردن، أحمد هليّل، يوم الأحد، استقالته من كافة مراكزه في الدولة، وذلك بعد يومين من إلقائه خطبة «صلاة الجمعة»، التي أثارت جدلاً واسعاً في الشارع الأردني.
فمن على منبر «مسجد الملك الحسين بن طلال» في العاصمة الأردنية، ناشد هليّل، الذي يشغل عدّة مناصب، بالإضافة إلى موقعه لدى العائلة المالكة كإمام لـ«الحضرة الهاشمية» منذ نهاية السبعينيات، قادة دول مجلس التعاون الخليجي لدعم بلاده مادياً في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، محذراً من أن «ضعف الأردن» سيكون له عواقب وخيمة على دول المنطقة. وتساءل هليّل خلال خطبته، موجهاً كلامه إلى ملوك دول الخليج وحكامها: «أين عونكم؟ أين هي أياديكم البيضاء؟ أين هي أموالكم؟ أين هي ثرواتكم؟... ألا نعتبر في ما يجري في سوريا والعراق واليمن والآن في البحرين؟ والله أعلم ماذا يراد بنا وبهم».
وبرغم رمزية المنصب الذي يشغله هليّل، فقد استقطبت خطبته انتقادات في الأوساط السياسية والشعبية، اتهمته بـ«استغلال المنابر الدينية» وتحويلها إلى مواقع «للتكسب والاستجداء»، واعتبرها البعض «إنكاراً لمواقف تاريخية لدول خليجية قدمت مساعدات للمملكة في ظروف صعبة». وفيما تساءل الكثيرون عن الدوافع التي تقف وراء هذه الخطبة وعن إمكانية وجود «رسالة سياسية»، أشارت الصحف الأردنية إلى أن «مصادر حكومية» أكّدت أن الإمام الخاص بالعائلة الملكية (المعنيّ بإجراء عقود الزواج الخاصة بهم وتسيير شؤونهم الدينية) كان يعبّر عن «رأيه الشخصي».
من جهة أخرى، ظهر (فجأة) أمس، على موقع «يوتيوب»، مقطع فيديو للنائب الأردني ورئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، أحمد الصفدي، يوجه من خلاله الشتائم إلى دول الخليج، التي قال إنها «ستسقط» إذا سقط الأردن. «نأكل التراب ولا نستجدي أحداً»، بهذه العبارة رد الصفدي على خطاب الهليّل، الذي بات يشغل منصبه الآن عبد الكريم سليم السليمان خصاونة. وظهر الصفدي، خلال مقطع الفيديو، على هامش ندوة مغلقة بدعوة من إحدى الجمعيات الثقافية في عمان العاصمة، وهو يشتم الدول الخليجية قائلاً: «يلعن أبوهم». ورأى أن بلاده توفر الحماية للحدود السعودية ولا تحصل على شيء بالمقابل، متسائلاً: «ماذا استفدنا من اتفاقية السلام وعملية السلام؟... ماذا استفدنا من السعودية؟... لو صار عندنا شيء في هذا البلد لا سمح الله، دول الخليج ستسقط خلال أيام».
وتأتي تصريحات الصفدي بعد أسبوعين من كلمة ألقاها زميله النائب الأردني، طارق خوري، خلال جلسة مناقشة مشروعي قانوني الموازنة العامة للدولة لعام 2017 وموازنة الوحدات المستقلة، قال فيها إن القوات المسلحة الأردنية تقوم بـ«حماية (الحدود السعودية، والإسرائيلية) من أولها إلى آخرها» دون مقابل. واتهم خوري «حلفاء» الأردن بـ«تدمير سوريا وليبيا واليمن والعراق»، وبالمجيء بالرئيس المصري السابق، محمد مرسي، وهو «صنيعة أميركية» وإعطائه ١٩ مليار دولار، وبعدها المجيء بالرئيس عبد الفتاح السيسي وإعطائه ١٢ مليار دولار، متسائلاً: «أين مليارات الحلفاء للأردن؟».
وأقرّ مجلس النواب الأردني، الخميس الماضي، مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2017 وموازنات الوحدات الحكومية، التي وصفت بـ«التقشفية»، وسط انتقادات وتحذيرات من سياسة ضريبية على حساب جيوب المواطنين. وسبق أن أقرّ مجلس الوزراء الأردني، في 28 تشرين الثاني 2016، مشروع الموازنة العامة لسنة 2017، وقُدّر العجز المالي بعد احتساب المنح الخارجية، بنحو 827 مليون دينار (1.164 مليار دولار)، مقابل 1.097 مليار دينار (1.545 مليار دولار) للعام الماضي. وينتقل مشروع الموازنة بعد إقرارها من مجلس النواب، إلى مجلس الأعيان، ومن ثم إلى اللجنة المالية فيه، قبل أن ترسل الموازنة إلى الملك الأردني لإصدارها كقانون، فيما تأمل الحكومة الأردنية أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتجديد المنحة المقدمة للأردن ليتمكن البلد من مواجهة التحديات الاقتصادية وإنجاز المشاريع التنموية.
وكان المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربي قد قرر في دورته الـ 32 المنعقدة خلال شهر كانون الأول من عام 2011، تخصيص منحة بقيمة 5 مليارات دولار أميركي، وذلك لتمويل المشارع التنموية في الأردن، على مدى خمس سنوات، حيث يُقسَّم المبلغ بين كل من السعودية، الإمارات، الكويت، وقطر. لكن في تشرين الثاني الماضي، انتشرت تصريحات حكومية كشفت عن احتمال وجود توتر في العلاقات الأردنية ــ القطرية بسبب «عدم التزام» قطر دفع حصتها من المنحة الخليجية. وقال نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لشؤون الاستثمار، جواد العناني، في مقابلة حينها إن «3 دول أوفت بكامل الالتزامات تقريباً، ودولة لم تدفع فلساً واحداً حتى الآن... السعودية دفعت، الإمارات سددت، والكويت سددت، وسأترك الباقي عندك».
وتأتي كل هذه التطورات قبل انعقاد القمة الأردنية السعودية في نهاية آذار المقبل، حيث سيزور الملك سلمان بن عبد العزيز الأردن، قبل يومين من انطلاق القمة العربية التي تستضيفها المملكة.
(الأخبار)