القواعد الدينية الصارمة للسعودية تكلف اقتصادها عشرات المليارات سنويا

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2028
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

فوكس – التقرير
يقول كاتب المقال ريان ريج، إنه عندما كان يعيش في المملكة العربية السعودية كمحامٍ بين عامي 2010 و2012، قضى الكثير من الوقت في انتظار المطاعم الخارجية. ليس لأنه فعليًا يحب الطعام أو الشكل الخارجي للمطاعم، ولكن لأنه كان سيئا جدا في تقدير مواعيد الصلاة.
والصلاة هي الاسم العربي للعبادة التي يطلب من المسلمين أداءها 5 مرات في اليوم. وفي أثناء ساعات العمل المعتادة، تحدث الصلاة نحو 4 مرات، وفي معظم البلدان الصلاة تكون اختيارية. والمملكة العربية السعودية ليست معظم البلدان.
يشار إلى أنه في الدولة الغنية بالنفط، يطلب من جميع الشركات الإغلاق في أثناء الصلاة لإعطاء موظفيها ما يكفي من الوقت للذهاب إلى مسجد محلي وأداء الصلاة. وخلال الثمانينات، عندما كانت ترى الشرطة الشباب بالخارج في أثناء الصلاة، فحينها يريدون حرفيا سحبهم إلى المسجد.
وتعتبر في اقتصاد ذوي الياقات البيضاء، كل صلاة تستغرق عادة 15 دقيقة؛ لأن المباني المكتبية الفاخرة عادة ما تقيم غرف للصلاة حيث يمكن للموظفين الذهاب إليها.
ومع ذلك، في أغلب صناعة الخدمات (المطاعم ومحطات الوقود والمحلات التجارية، إلخ)، يمكن أن تغلق الشركات بين 30 دقيقة وساعة واحدة في المرة، لإعطاء العاملين لديهم ما يكفي من الوقت للإغلاق والمشي إلى المسجد ثم العودة للفتح مرة أخرى. أو كما كان يقول البعض في كثير من الأحيان، أن هذا لإعطاء موظفيهم ما يكفي من الوقت لتدخين القليل من السجائر، والشكوى من رؤسائهم.
يقول الكاتب، إن الصلاة تتم في أوقات مختلفة من اليوم، وبالتالي فالمشكلة الرئيسية خلال السنوات التي قضاها محامٍ في قطاع التكنولوجيا بالبلاد كان يعرف بالضبط عندما كانت الصلاة على وشك القيام. ويقول إنها مهمة صعبة، لأن الأعمال مختلفة تغلق وتفتح في أوقات مختلفة.
كانت الشركات التي كثيرًا ما استهدفت من قبل الشرطة الدينية، أو التي لديها موظفين ملتزمين بشكل خاص (بالتالي من المحتمل أن يقدمون شكاوى ضد مخالفات الصلاة)، قد تغلق في وقت مبكر أو تنتظر حتى تمر دورية الشرطة الدينية الأخيرة.
ويضيف الكاتب أنه نتيجة لذلك كان يقضي الكثير من الوقت في سيارته، منتظرًا انتهاء الصلاة. وهذا ما دعاه للتساؤل، كم يكلف الاقتصاد السعودي كل هذا؟.

تكلفة الصلاة
وبعبارة أخرى، على رأس الغداء، واستراحات التدخين واستخدام “فيس بوك” والعطلات وغيرها من أشكال أوقات الراحة، هناك نحو من 10 إلى 45% من معدل الوقت الذي لا يقضيه العمال يوميًا في العمل. إنهم يقضونه في الصلاة.
ويشير الكاتب إلى أنه إذا أراد أحد إجراء تقرير سريع وتقريبي لتكلفة الصلاة، فيمكنه أن يأخذ في الاعتبار إجمالي الناتج المحلي السعودي وهو (نحو 1.7 ترليون دولار في السنة) ويتضاعف بحلول متوسط الوقت التقريبي لساعات العمل الاعتيادية التي تقضى في الصلاة (30% مثلا)، والتي تقترب من نحو 510 مليارات دولار سنويًا.
ولكن مثل هذا التقرير سيكون على الجهة العليا. وفي الواقع، يرى البعض، أن الأثر الأساسي للصلاة يكون على الجانب المواجه للمستهلك في قطاع الخدمات، مثل المطاعم ومحطات الوقود وغيرها، والتي يجب أن تغلق لفترات أطول من الوقت والاعتماد بشكل أكثر على العمل البشري.
ورغم ذلك، حتى لو كان هناك إنشاء عملية حسابية أكثر معقولية للتقليل من تأثير توقيت الصلاة على الاقتصاد السعودي، فالتكلفة تظل مرتفعة للغاية. وحتى مع استبعاد كل صادرات النفط والبحث فقط في قطاع الخدمات، فالخسارة لا تزال أكثر من 120 مليار دولار سنويا.
ويرى البعض، أن هذا يعد كثيرًا من المال. إن صناعة ألعاب الفيديو العالمية برمتها تكلف نحو 99 مليار دولار سنويا. وصناعة السينما في الولايات المتحدة تكلف نحو 11 مليار دولار، كما أنه من الصعب توظيف المرأة في المملكة العربية السعودية، وهذا الأمر يعد من الأمور الفاصلة.
ويقول الكاتب، بعد أن قضى وقتا بصفته محاميا، عرض عليه وظيفة في واحدة من أكبر المجموعات الاستثمارية التقنية في الشرق الأوسط، والتي كانت في العاصمة السعودية، الرياض. وأرادوا منه أن يعمل في المجلس التنفيذي ويترأس الدائرة القانونية هناك في الرياض. وكان متحمسًا جدًا.
وكان العمل الموجه له هو البدء في توظيف آخرين في إدارته، على أن يكونوا شبابا واعيا ومدرك للتكلفة، وكان المحامي قرر أن أفضل خيار هو توكيل محامية سعودية.
ويضيف، لم يكن ذلك أمرًا بسيطًا بسبب بعض الأمل للشباب في تمكين المرأة بالمملكة، ولكن أيضا لأنه رأى ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد “الموارد المهملة”. وبشكل محدد، لم يكن هناك العديد من الشركات في المملكة العربية السعودية وظفت نساء في ذلك الوقت. ولكن كل من فعلوا ذلك أخبروه أن المتدربات السعوديات والمساعدين “يكلفون أقل من المساعدين الذكور ويعملون بجد وبشكل مضاعف”.
ويقول إن معظم معارفه من السعوديات، السبب الذي يجعلهم يعملون بجد أكثر بكثير من الرجال هو الاقتصاد البسيط، حيث كان هناك عدد أقل بكثير من فرص العمل للنساء، ولذلك عندما يحصلن في النهاية على عمل، فغالبا ما يشعرن بأن عليهن العمل بشكل مضاعف لإثبات أنفسهن.
وبالنسبة للكثير من النساء، كانت الحياة العملية هي طريقهن للخروج من أوضاع المنزل التي كانت في كثير من الأحيان بعيدا عن التفاهم. والعديد من النساء في المملكة تقولن إنهن يحاولن استخدام أي عذر لقضاء ساعات إضافية في العمل، حيث تشعرن بحرية إلى حد ما، لتجنب الذهاب إلى المنزل، حيث الأقارب الذين كانوا يسيطرون على حياتهن من الناحية القانونية. إن المرأة السعودية لا تستطيع السفر، حتى داخل البلاد، دون إذن محارمهن، والبعض منهن يعاني من حظر التجول الذي يفرضه عليهن المحارم.
ولسوء الحظ يعد توظيف المرأة السعودية أمرا صعب. أولا، بسبب قوانين الفصل الصارمة بين الجنسين، وإذا كان قد استأجر محامية، فكان يجب أن يكون مكتبها أسفل مكتبه بطابقين وعلى الجانب الآخر من باب الأمن المشفر رقميا. ولذلك إذا أراد إعطائها مجموعة من الوثائق لتشغيل واحدة من الوزارات الحكومية، فسيتعين عليه استعدائها وإخبارها الانتظار عند الباب والسير خلال رحلتين من الدرج، وتسليم الوثائق من تحت الباب. ويرى أن هذا الأمر غير كفء نهائيا ولا في الخيال.
ثانيا، بسبب القيود المفروضة على حرية المرأة في التحدث إلى الرجال الذين لا تربطهم علاقة قرابة بها، وكان غير واضح إلى حد ما إذا كان يمكن للمرآة أن تتوجه فعليا إلى الوزارات الحكومية لتولي الأعمال الورقية. وبالنسبة له كانت هذه هي المشكلة الأكبر، وكان هذا هو الشيء الذي يحتاج إلى مساعد للقيام به.
يذكر أن المملكة العربية السعودية، مثل العديد من البلدان في الشرق الأوسط، لديها قوة عمل حكومية متضخمة والتي توجد إلى حد كبير لضمان أن السكان لا يزالوان موالين ومتوافقين ويأتون أكلهم. وهذا يعد بالأساس نوعا عاليا من أنواع إعادة توزيع الثروة. ومع ذلك، بالنسبة لمعظم رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية، قوة العمل الحكومية الضخمة تعني أن كل عملية مثقلة بطابور لا نهاية له من الأعمال المنتظرة.

تكلفة الفجوة بين الجنسين
ومن الناحية الاقتصادية، يعد العمل البشري من الموارد. والناس بحاجة إلى أن يتم التعاقد معهم وتدريبهم وما إلى ذلك، ولكن بمجرد أن يتم إنجاز تلك الخطوات، فالمزيد من العمل، سيعطي المزيد من النمو الاقتصادي.
ووفقا للبنك الدولي، النسبة الحالية لمشاركة الإناث في سوق العمل في السعودية يصل إلى نحو 21%، وهو أقل بنحو 8% عن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بالولايات المتحدة في عام 1948.
وكما ذكر علماء مثل إيزابيل كولمان وآلاء عبدالقادر في كتاب صعود النساء و الفتيات، كان هناك تقرير لمنظمة العمل الدولية في العام 2012، جاء فيه تقديرات تشير إلى أن الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعملون على الحد من الفجوة بين الجنسين في معدلات مشاركة القوى العاملة بنسبة 20 نقطة مئوية بما يعادل (من 50.6 إلى 30.6) من عام 2012 وحتى عام 2017، وبالتالي فإجمالي الناتج المحلي بالمنطقة يمكن أن يصل إلى نحو 415 مليار دولار.
إن الاقتصاد السعودي يُشكل نحو 20% من إجمالي الناتج المحلي في تلك المنطقة. ما يعني أنه إذا تمكنت السعودية من تقليل الفجوة في توظيف النساء إلى معدلات مشابهة لتلك المتواجدة بالولايات المتحدة منذ أكثر من 50 عاما، فيمكنها بذلك زيادة إجمالي الناتج المحلي بمقدار يتراوح ما بين 80 مليار دولار و100 مليار دولار.
يذكر أن المستشارين الأجانب والدبلوماسيين ضغطوا لسنوات على الحكومة السعودية لإصلاح اقتصاد البلاد وزيادة فرص العمل للإناث. ونتج عن الجهود المبذولة مؤخرًا وضع خطة سعودية تسمى بـ”رؤية 2030″، والتي تهدف إلى رفع مستوى عمالة النساء إلى نسبة 30%.
وعلى الرغم من أنه في حين يمكن تحقيق 30% من عمالة الإناث بشكل نظري عن طريق زيادة عدد الوظائف في قطاع التجزئة للنساء (والذي هو محور التركيز الرئيسي لجهود الإصلاح السعودية)، فيرى البعض أنه غير مرجح بشكل كبير أن العمالة النسائية ستتقدم بعيدًا جدًا عن تلك المستويات، أو أن النساء سيكن قادرات على الحصول على عمل بأجر أعلى، ما دام النظام السعودي لا يزال يوسع من القيود الدينية على أساس نوع الجنس.
والقيود الدينية في البلاد تجعل من المستحيل تقريبا بالنسبة لأرباب العمل توظيف لنساء دون انخفاض كبير في الكفاءة. ولا يهم كم ستوفر السعودية من تدريب للنساء على العمل إذا كان أرباب العمل لا يزالون مطالبين بتعيين إجراءات خاصة لموظفيها من الإناث. وبالتالين فمن الإنصاف أن نفترض أن التكلفة الإجمالية للقيود المفروضة على المرأة السعودية ستظل 80 مليار دولار تقريبا سنويا بغض النظر عن “رؤيتها لعام 2030”.
القادة السعوديون يريدون إنشاء نوع مختلف من الاقتصاد. ها هو سبب عدم استطاعتهم ذلك.
وفقا لحسابات كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية، فالنفط والغاز يقدران بنحو 90 دولارا من عائدات التصدير بالمملكة العربية السعودية. وبعبارة أخرى، لم تقم البلاد بشكل فعلي بالكثير سوى إنتاج النفط، وفي الغالب عن طريق شركة النفط (أرامكوا) والتي كانت قد بدأت من قبل الأمريكان منذ 80 عاما ولا تزال تعمل بصعوبة من قبل مديرين أمريكيين.
وجدير بالذكر أن شركة أرامكوا السعودية تعد واحدة الشركات الوحيدة النجاحة في المملكة العربية السعودية، ومثل الشركات الأخرى الوحيدة بالبلاد المعترف بها دوليا، فشركة المملكة القابضة، ليست مضطرة للامتثال لكثير من القيود الدينية بالبلاد).
وجزء من سبب عدم تمكن المملكة العربية السعودية من تنويع اقتصادها بسبب “لعنة الموارد الطبيعية”، والتي تجعل الدولة تجد أن استخراج هذه الموارد، مثل النفط (والذي تنتج منه المملكة بأقل من 10 دولار للبرميل) ، أرخص وأكثر ربحية للاستثمار، من القيام بشيء “صعبا” مثل تعليم سكانها كيفية برمجة برامج أو بناء مشاريع ريادية.
ومع ذلك، فلعنة الموارد الطبيعي تعد جزءا واحدا فقط من سبب فشل المملكة العربية السعودية في تنويع اقتصادها. ويرى البعض أن القيود الدينية أيضا جعلت البلاد تعاني من حرمان كبير على المدى البعيد.
ولذلك هناك أراء تقول بأن هذا الأمر ببساطة جعل من الصعب كثيرا خلق صناعات جديدة في قطاع الخدمات عندما يكون هناك خسارة بمقدار 30% من الوقت على الموظفين لأداء الصلاة. ويكاد يكون المستحيل العثور على كمية لا بأس بها من العمال المهرة المؤهلين عندما يضطر نصف قوة العمل الخاصة بالدولة (أي النساء) للجلوس في المنزل لأنهن لا يستطعن التحدث إلى الرجال، أو القيادة أو الذهاب إلى الوزارات الحكومية.
ويقول الكاتب، بصراحة، عندما يجمع المرء بين تكلفة الصلاة وتكلفة القيود المفروضة على المرأة السعودية، فإجمالي التكلفة على الاقتصاد على الأرجح ستصل إلى أكثر من 200 مليار دولار سنويا، بحد أدنى. ويرى الكاتب أن هذه الأموال كان يمكن استغلالها لتنويع الاقتصاد السعودي وخلق فرص جديدة بعيدا عن النفط.
ويختتم الكاتب قائلا، لسوء الحظ، لا يزال غير واضح ما إذا كان أي من قادة السعودية لديهم الإرادة السياسية لتغيير القيود الدينية المفروضة قبل أن تضرب البلاد أزمة مالية حقيقية، والتي قد تحدث خلال السنوات القليلة القادمة، حيث تنخفض قيمة صادرات النفط والاستهلاك المحلي من النفط والطاقة في السعودية لا يزال في تزايد مستمر.