بعد نقده الاستفزازي للسعودية.. ما هو دور “جونسون” في الشرق الأوسط؟
الغارديان – التقرير
يرى العديد من الناس – سواء كانوا داخل أو خارج حكومة تيريزا ماي – عدم صلاحية بوريس جونسون لتولي منصب وزارة الخارجية البريطانية؛ بسبب نقده العلني الاستفزازي للمملكة العربية السعودية، حيث عُين في موقعه هذا بسبب توابع استفتاء بريكست، من استقالة ديفيد كاميرون، فكان دائمًا ما يبدو جونسون شخصًا تافهًا وغريبًا، فهو لم يضف أي خبرة أو أي كفاءة أو مميزات جديدة للمنصب ودوره، إنما أحضر كثيرًا من الصفات غير الملائمة لمركزه الحساس.
ولعل من أكثر أخطاء جونسون المريعة، هو منافقته لأهمية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بعدما أساء إلى رئيس دولتها وسخر منه، مُذمًا للمهاجرين الأتراك، ووصفه المتعجرف المستمر لمبادئ الحريات الأوروبية، وتعليقاته السخيفة عن صادرات الإيطالية من النبيذ، والآن يتجه إلى السخرية من السعودية، فها قد فعل جونسون الكثير ليثبت لبريطانيا وأوروبا كلها أنه الرجل غير المناسب لهذه الوظيفة، لذلك فقد تشعر “ماي” أنها في حاجة ماسة إلى التخلص منه.
من ناحية أخرى، سنجد أن ما يحدث في سوريا والعراق وإيران واليمن والخلافة المزعومة من”داعش”، يجعل البلاد الإسلامية ذات أهمية خاصة بالنسبة للمستقبل الأمني البريطاني وازدهارها، ربما كان جونسون محقًا في لفت انتباه العالم لمدى انقسام الشيعة والسنة في العالم الإسلامي، وافتقار زعماء العالم الإسلامي لقدرتهم على تخطي مثل هذه الصراعات، وهو ما سيؤثر بالسلب على مستقبل الشرق الأوسط.
بينما فضحت الحرب في سوريا فشل وأنانية أمريكا وروسيا والقوى الأوروبية ونظام الأمم المتحدة أيضًا؛ فقد شهدت معركة حلب الأسبوع الماضي، آخر مراحلها، وكما كان متوقعًا؛ شُرد آلاف المدنيين مع تقدم الجيش السوري المدعم من قبل المقاتلين الشيعة الإيرانيين من العراق ولبنان، بالإضافة إلى القوات الجوية الروسية، فكما كان متوقعًا، لم يرتاحوا من معاناتهم بينما استمرت موسكو وواشنطن في النزاع حول الملام على ما حدث في سوريا، بينما تخلى مبعوثو منظمة الأمم المتحدة عن أسلحة تفاوضهم من اليأس من إيجاد حل ملائم لفض النزاع.
لذا، فإننا سنجد أنه لا أحد يمتلك القوة الكافية والرؤية والمحرك الأخلاقي لتخليص سوريا من الديكتاتور الدامي بشار الأسد، فلا يبدو أن هناك أحد داخل أو خارج سوريا، لديه القدرة أو يهتم بتطبيق اتفاقية لإنهاء الحرب الجارية، مثلها مثل ما يحدث في اليمن؛ فقد فشل العالم العربي في إنهاء الصراع الدائر في اليمن أيضًا، ففي سوريا، شُرد الملايين وتم تحقيق القليل من الأفعال، والسبب من وراء دعم شيعة إيران للقوات الحوثية اليمنية، ما هي إلا جزء من التحدي الإيراني للسيطرة على أهم جزء في العالم الإسلامي السني وخاصةً السعودية.
وعلى الرغم من أنها ليست القصة الكاملة، إلا أن سوريا واليمن تعتبر الحرب بالوكالة التي ذكرها جونسون، فقد وضع أصابعه على المشكلة، ولكنه لم يتكبد عناء توفير الحلول، ولم يعترف بالمعايير البريطانية المزدوجة التي ساهمت في ظهور هذه المشكلات، فبسببه أمضت “ماي” الأسبوع الماضي، في الخليج لتصلح الشروخ التي تسبب بها جونسون مع العائلة الملكية والأفراد السعوديين غير المنتخبين في أي منصب رسمي، والمنتمين إلى دول التعاون الخليجي، لأن عقود الأسلحة الخاصة بهم واستثماراتهم تعد مربحة وحيوية بالنسبة لبريطانيا؛ فماي على يقين ومعرفة تامة أن بريطانيا في حاجة إلى استمرار التعاون المزدوج بينهما وإلى اتفاقيات التجارة الحرة في الخليج العربي؛ لأهميتها الكبرى خاصةً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد لفت تدخل جونسون المتأخر الأنظار إلى وجه بريطانيا المزدوج في تعاملها مع السعودية؛ ما بين سياساتها المتبعة وممارسات المشتركة بينهما سواء في التجارة أو الأعمال واعتراضها على الوهابية السعودية.
وصرح جونسون، في خطاب له في البحرين في الجمعة الماضية، عن قلقه الشديد حيال معاناة االناس في اليمن؛ فأكد على أن القوة وحدها لا يمكنها إنهاء معاناة الشعب اليمني والحرب الدائرة بها، فمن المستفز أن نصف تصريحاته بأنها غير صادقة، ولكن إن كان جونسون جديًا في اتهاماته وتطرقه لمثل هذه القضايا، فلابد وأن يزور السعودية ليؤكد مزاعمه التي أذاعها؛ بكون سياساتها تزعزع استقرار المنطقة ويتصرف هو وحكومته وفقًا لها، ولابد وأن يعمل جونسون على التأكيد على أن العلاقات السعودية الإيرانية و صراعاتهما تضر مصالح المنطقة المحيطة بهما ومصالح الأمنية البريطانية والغربية، فينتشر عدم الاستقرار معطيًا المساحة الكافية للجماعات المناهضة للدين والإرهابية للسيطرة واستغلال مثل هذه المواقف.
وإذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أن بريطانيا ستكون أكثر استقلالية لتسنح لها الفرصة لإعادة تمهيد علاقاتها الخارجية، وبناء علاقات صحية وعادلة وأخلاقية مع شركائها الدوليين؛ فسيكون الشرق الأوسط المكان الأمثل لبدء مثل هذه المصالحات، فالفرصة سانحة أمام جونسون لتصحيح مساره مع السعودية ليثبت أنه صالح لمنصب وزير الخارجية، فمن المحتمل أن ينظر إليه العالم بجدية أيضًا.