السعوديّة تُهَدِّد بالتصعيد عسكريًّا والحوثيون يردّون بالتوغّل جُغرافيًّا.. هل سيكون العام الجديد عام “الحسم” للحرب اليمنيّة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 4126
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عبد الباري عطوان

المُؤتمران الصحافيّان المُضادّان اللّذان عقدهما النّاطقان العسكريّان باسم القُوّتين المُتحاربتين في اليمن لأكثر من سبع سنوات مساء السبت، يَعكِسان تصعيدًا جديدًا في الحرب، ويَرسُمان خريطة جديدة للحرب ومُعادلات القُوّة والضّعف في العام الجديد، مثلما يعكسان قواعد جديدة للاشتِباك.

العميد تركي المالكي المُتحدّث باسم التحالف بقيادة السعوديّة (لم يبق فيه إلا الرياض تقريبًا)، كشف النّقاب عن معلوماتٍ عسكريّة “صادمة” أبرزها إطلاق تحالف حركة “أنصار الله” الحوثيّة أكثر من 430 صاروخًا باليستيًّا، و851 مُسيّرة مُلغّمة، ومئة زورق و247 لُغمًا بحريًّا مُنذ بداية عام 2015، وعرض فيديو قال إنّه يُوثّق ما وصفه بقيام عناصر من “حزب الله” بتدريب أعضاء في الحركة الحوثيّة على إطلاق الطائرات المُسيّرة، واتّهم السيّد حسن إيرلو السفير الإيراني في صنعاء بقيادة الحرب في اليمن، ومدينة مأرب بالذّات (مات قبل أيّام لإصابته بفيروس الكورونا)، وقال إنّ مطار صنعاء المدني تحوّل إلى قاعدةٍ عسكريّة لشنّ الهجمات الصاروخيّة على المملكة.

أمّا العميد يحيى سريع المُتحدّث العسكري باسم حركة “أنصار الله” فقد كشف عن شنّ قوّاته هُجومًا واسعًا على مُحافظة الجوف المُحاذية للحُدود السعوديّة الجنوبيّة، وإحكام السّيطرة عليها، وعلى منطقة اليتمة المُجاورة بمساحة تزيد عن 1.2 ألف كيلومتر مربّع، وهدّد بعمليّات عسكريّة نوعيّة في المرحلة المُقبلة داخِل الحُدود السعوديّة.

بعد مُتابعة دقيقة للمُؤتمرين الصّحافيين وقراءة لما بين سُطور ما ورد فيهما يُمكن الخُروج بخمس محطّات رئيسيّة:

الأولى: بدا الغضب والإحباط واضحين على المتحدّث السعودي وهو يسرد الأرقام حول أعداد الصّواريخ الباليستيّة والطّائرات المُسيّرة التي استهدفت أهدافًا حسّاسة في العُمق السعودي، والمُدن الرئيسيّة، ومُنشآت الصّناعة النفطيّة.

الثانية: مُحاولة الزّج بحزب الله وإيران في حرب اليمن لهذه الدّرجة من الوضوح، وللمرّة الأولى، ربّما تعكس وتُمَهِّد لدورٍ سعوديّ في أيّ حربٍ مُقبلة التي تُهَدِّد “إسرائيل” وأمريكا بشنّها لتدمير المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، فالتّوقيت هُنا، والمعلومات الواردة في المُؤتمر الصّحافي للمُتحدّث السعودي ربّما تهدف إلى تهيئة الرأي العام السعودي لدُخول السعوديّة هذه الحرب، وفتح أجوائها بالتّالي لأيّ طائرات إسرائيليّة مُغيرة على إيران، واحتِمالات حُدوث رد إيراني انتِقامي، وتأليب حُلفاء السعوديّة في لبنان لإشعال فتيل الحرب الأهليّة لتوريط “حزب الله” فيها، فحتى هذه اللّحظة لم يعد السفير السعودي إلى بيروت، وما زالت العلاقات اللبنانيّة السعوديّة مُتوتّرة.

الثالثة: تهديد العميد المالكي برفع الحصانة عن أيّ منطقة مدنيّة تُستَخدم كقاعدة انطِلاق للهجمات، أو تخزين للأسلحة، يعني أن الغارات الجويّة السعوديّة ستعود إلى سيرتها الأولى في بداية “عاصفة الحزم” من حيث قصف هذه المناطق، سواءً كانت الاتّهامات صحيحة أو غير صحيحة، بِما يُؤدّي إلى قتْل عشرات أو آلاف المدنيين، (أسفرت الحرب حتّى الآن عن مقتل 570 ألف مدني وثلاثة أضعاف هذا الرّقم من الجرحى).

الرابعة: مُحاولة سعوديّة “يائسة” لإبراء الذمّة من قصف طائراتها لمطار صنعاء “المدني” بذريعة تحوّله إلى قاعدةٍ لقصف السعوديّة بالصّواريخ والطّائرات المُسيّرة، فالمطار تتواجد فيه مُنظّمات الأمم المتحدة ومُمثّليها، ويقتصر استِخدامه على طائراتها ليْلًا ونهارًا، ولم تتحدّث هذه المُنظّمات مُطلقًا عن إطلاق صواريخ أو مُسيّرات منه، مُضافًا إلى ذلك أن إطلاق الصّواريخ لا يحتاج إلى مطارات، ويُمكن أن تتم هذه العمليّة من مناطق جبليّة مُحاذية للحُدود السعوديّة، والشّيء نفسه يُقال عن المُسيّرات.

الخامسة: إعلان العميد سريع عن إكمال السّيطرة على مُحافظة الجوف والمناطق المُجاورة لها قُرب الحُدود السعوديّة، والاستِعداد لبدء “مرحلة جديدة” عُنوانها الأبرز شن عمليّات نوعيّة على المُدن السعوديّة، له تفسيرٌ واحد، وهو نقل المعارك إلى جيزان ونجران وعسير الحُدوديّة، والتوغّل فيها أكثر، وإحكام السّيطرة عليها ومطاراتها ومُنشآتها الاقتصاديّة والنفطيّة تحديدًا، الأمر الذي قد يُؤدِّي إلى موجاتِ هجرة من قبل مُواطنيها السعوديين إلى مناطقٍ آمنة في الشّمال، بِما في ذلك مُدن أبها وجدّة والرياض.

اتّهام المُتحدّث العسكري السعودي إيران مُجَدَّدًا بنشر الطائفيّة، ودعم الأذرع العسكريّة، و”حزب الله” “الإرهابي” بالتورّط بشَكلٍ مُباشر في حرب اليمن ودعم حركة أنصار الله، وفي مِثل هذا التّوقيت، حيث يتصاعد الحديث عن عُدوانٍ إسرائيليّ على إيران، وفي تزامنٍ مع شنّ السيّد المعلمي سفير السعوديّة الدّائم في الأُمم المتحدة هُجومًا شرسًا تطاول فيه على سورية وقيادتها، كلّها مُؤشّرات تُوحي بحُدوث انقِلاب مُعاكس مُفاجئ للقيادة السعوديّة يُظهر العداء للمحور الإيراني، ربّما جاء بتعليماتٍ أمريكيّة إسرائيليّة استِعدادًا للحرب، أو للضّغط على إيران قبل جولة المُفاوضات الخامسة المُتوقّع انعِقادها في بغداد على مُستوى وزيريّ الخارجيّة في البلدين في الأيّام القليلة المُقبلة، إن لم تكن هُناك مُحاولة لإجهاضها كُلِّيًّا قبل بدئها.

الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، ووزير الدفاع، شنّ حرب “عاصفة الحزم” قبل سبع سنوات بحثًا عن انتصارٍ سريع لتكريس نفسه حاكمًا للسعوديّة، والظّهور بمظهر القويّ، وإقدامه على التّصعيد الآن “مُقامرة” أُخرى قبل إعلان نفسه ملكًا للمملكة العربيّة السعوديّة، بعد إقصائه المُتدرّج لوالده الملك سلمان، ووضعه تحت الإقامة الجبريّة في قصره بمدينة نيوم الساحليّة شِمال البحر الأحمر، حسب التّقارير الصحافيّة الغربيّة.

مُغامرة الأمير بن سلمان الأولى، أيّ شن “عاصفة الحزم” على اليمن عام 2015 أعطت نتائج عكسيّة تمامًا، وورّطت المملكة في حرب استنزافٍ ماديّ وسياسيّ لا تلوح أيّ نهاية لها في الأُفُق، فهل تكون نتائج “المُقامرة” التصعيديّة الحاليّة لهذه الحرب مُختلفة وأفضل حظًّا في النّجاح؟

نترك الإجابة لتطوّرات العام الجديد التي قد تكون حافلة بالمُفاجآت، ولا نعتقد أنها ستكون سارّة.. واللُه أعلم.