معهد إسرائيلي: الأزمة الاقتصادية تهدد بانهيار العقد الاجتماعي في الخليج

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 6428
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 دفعت أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" الحكام العرب في الخليج إلى تخصيص نحو 121 مليار دولار من حزم المساعدة للاقتصاد.
وخصصت الإمارات 34.3 مليارات دولار؛ بينما خصصت السعودية 32 مليار دولار؛ في حين خصصت قطر 20.6 مليارات دولار. أما عن عُمان فقد خصصت 20.8 مليارات دولار؛ والبحرين 11.4 مليارات دولار، وكانت أقلها الكويت بتخصيص 1.5 مليار دولار.
ومن بين أشكال المساعدة السعودية، دعم الشركات عن طريق تأجيل مدفوعات الضرائب وتقديم إعفاءات من الرسوم والتعريفات الحكومية.
وعانت دول الخليج من انخفاض حاد في الإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز في السوق العالمية.
وفي حين توصلت "أوبك"، بقيادة السعودية، إلى اتفاق مع روسيا بشأن خفض مشترك في إنتاج النفط من أجل التخفيف من الانهيار الكبير في الأسعار، لكن ذلك لم يكن كافيا.
واعتبارا من 28 مايو/أيار 2020، بلغ سعر النفط 35 دولارا للبرميل لخام برنت، مقارنة بـ65 دولارا للبرميل في أوائل يناير/كانون الثاني، بينما بموجب اتفاق "أوبك+" من المقرر أن يصل الإنتاج السعودي إلى نحو 8.5 مليون برميل يوميا في نهاية مايو/أيار مقارنة بنحو 9.7 في يناير/كانون الثاني. ومن أصل 8.5 مليون، هناك 6 ملايين مخصصة للتصدير، والباقي للاستهلاك الداخلي.
وبالرغم من الزيادة النسبية في سعر النفط في مايو/أيار، تحتاج المملكة إلى سعر عند نحو 80 دولارا للبرميل، مع مستوى إنتاج قريب من 10 مليون برميل في اليوم، من أجل موازنة ميزانيتها؛ حيث يعتمد ما يقرب من 70% من الميزانية السعودية على النفط.
ومن بين البلدان الأصغر، فإن قطر في وضع جيد نسبيا، وتتطلب سعر نفط يبلغ حوالي 40 دولارا للبرميل من أجل موازنة ميزانيتها.
وعلى النقيض من ذلك، فإن عُمان والبحرين الأقل ثراء يواجهان مخاطر اقتصادية أكبر. وكان هناك ضربة إضافية لقطاع السياحة، وهو أمر شديد الألم بشكل خاص بالنسبة للسعودية، نظرا لإلغاء العمرة، والقلق من أن يتم إلغاء موسم الحج المقرر في يوليو/تموز أيضا.
وتعد السياحة الدينية مصدرا أساسيا للإيرادات غير النفطية، ومن المتوقع أن يؤدي إلغاء العمرة والحج إلى خسائر تقدر بنحو 15 مليار دولار.
ولا تزال دول الخليج تملك أصولا واحتياطيات كبيرة من العملات من شأنها أن تساعد في تغطية عجز الموازنة، لكن معضلة الاعتماد عليها كبيرة.
ويتم استثمار بعض هذه الاحتياطيات في الأصول التي انخفضت قيمتها بسبب الأزمة. وتصدر تلك الدول أيضا سندات على نطاق واسع في الأسواق الدولية.
ومن المتوقع أن يقترب حجم عائدات السندات التي تريد السعودية جمعها هذا العام من 60 مليار دولار، وهو ضعف ما كان مخططا في الأصل.
ومن المتوقع أن يزداد عجز الموازنة السعودية هذا العام، ليصل إلى 112 مليار دولار، بحسب شركة الاستثمار السعودية "جدوى".
وحذر وزير المالية السعودي "محمد الجدعان"، في مقابلات أجريت في مايو/أيار 2020، من "إجراءات صارمة" بشأن ما اعتبره "طريقا طويلا".
وشدد على أن هذه كانت "أخطر أزمة للمملكة منذ عقود"، وهو ما يتناقض مع تأكيداته السابقة بأن المملكة مستعدة لمواجهة الوضع.
وفي 10 مايو/أيار، أعلن "الجدعان" أنه سيتم رفع ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15% اعتبارا من يوليو/تموز 2020، كما أعلن إلغاء العلاوات على الراتب الشهري، التي كان يتم منحها لموظفي الخدمة المدنية لتعويض الارتفاع في ضريبة القيمة المضافة والبنزين والكهرباء والمياه.
وكانت ضريبة القيمة المضافة مثيرة للجدل عندما تم فرضها في عام 2018، وأثارت الزيادة الحادة في هذا الوقت بعض ردود الفعل العكسية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تصريحات تعبر عن الحنين للملك الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز".
وعلى عكس السعودية، أعلنت الإمارات، التي يعد اقتصادها ثاني أهم اقتصاد في منطقة الخليج، أنه لا توجد حتى الآن خطة لزيادة ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 5%.
علاوة على ذلك، عانى القطاع الخاص من أقسى ضربة. وللتخفيف منها، تدفع الحكومة السعودية 60% من أجور بعض الموظفين في هذا القطاع.
ومن المتوقع أن يكون القطاع العام المتضخم، الذي يعتبر قاعدة تقليدية لدعم القصر الملكي، أقل تضررا، ولكن قد لا يكون هناك مفر من تخفيض الأجور هناك أيضا، كما أعلنت عُمان.
وقد تضطر السعودية أيضا إلى خفض إنفاقها الدفاعي المرتفع، واتخاذ قرارات في المجال السياسي، خصوصا حول ما إذا كانت ستواصل الحرب المكلفة في اليمن والحصار المفروض على قطر، الذي يكلفها أيضا ثمنا كبيرا.
ومن الواضح للأنظمة أن استخدام احتياطيات العملة والأصول والسندات للاحتياجات اليومية سيكون على حساب القدرة المستقبلية لدول الخليج على تطوير اقتصاداتها وجعلها أقل اعتمادا على النفط.
وبالتالي، من أجل الحد من اللجوء إلى هذه الأصول، من المرجح أن تتأخر الإصلاحات الاقتصادية والمشاريع المتعلقة بالترفيه والسياحة.
وفي السعودية، ينطبق هذا على مدينة "نيوم" المستقبلية، التي يبلغ تكلفتها نحو 500 مليار دولار، كما ينطبق على مبادرات السياحة والترفيه الفخمة التي تعد جزءا من "رؤية 2030" التي أطلقها "بن سلمان" لتحويل الاقتصاد والمجتمع السعودي.
وبالرغم أن الحفاظ على الاستقرار الداخلي يقود جداول أعمال الأنظمة الخليجية، وبينما اعتاد الجمهور على القصور الخاصة التي توفر معظم احتياجاته، يبدو أن تخفيضات الرفاهية العامة أمر لا مفر منه.
ويعكس مضاعفة ضريبة القيمة المضافة 3 مرات في السعودية هذا الاتجاه. ومع ذلك، إذا أظهر الحكام تشددا زائدا ضد المواطنين، فسيكون هناك خطر متزايد لحدوث اضطرابات اجتماعية.
ويزداد هذا الخطر إذا حاولت الأنظمة احتواء تلك الاضطرابات سواء من خلال تطبيق القوانين المتشددة أو القمع.
علاوة على ذلك، أعادت جائحة الفيروس التاجي قضية 30 مليون عامل مهاجر في الخليج إلى جدول الأعمال.
وفي 4 من دول الخليج الـ6، يفوق عدد العمال الأجانب عدد المواطنين؛ فهم يشكلون 88% من السكان في الإمارات، و75% في قطر، و73% في الكويت، و51% في البحرين.
وأدى الوضع الصحي والاقتصادي المتفاقم للعديد من العمال الأجانب إلى توجيههم انتقادات لأرباب العمل والحكومات لعدم الاهتمام بهذه القضية.
وتوقفت عدة دول خليجية عن إصدار تأشيرات عمل، وفي بعض الحالات، بدأت في ترحيل العمال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية.
ومن المتوقع أن تزيد عمليات الترحيل عند استئناف الرحلات الدولية. وتشبه الخطوات التي تتخذها دول الخليج تلك التي تم اتباعها في الماضي، ويبدو أنه تم تعزيز خطط "توطين العمالة".
وسيتطلب تنفيذ هذا عملية تنسيق صعبة، بما في ذلك التعليم العام والتدريب. ولدى ما يقرب من نصف السكان السعوديين تعليم ثانوي فقط أو أقل، بالرغم من كون الإنفاق التعليمي في المملكة من بين أعلى المعدلات في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل ألا يسارع مواطنو دول الخليج إلى ملء فراغ العمال الأجانب.
كما يؤثر الوضع الاقتصادي في الخليج على بعض الدول العربية التي تعتمد على القروض والمنح من الخليج، خاصة مصر والأردن، التي تعتمد كثيرا على تحويلات مواطنيها العاملين في الخليج.
ويعد الفلسطينيون أيضا عرضة للمعاناة والألم. وفي الواقع، قد يجعل انخفاض عائدات الغاز من الصعب على قطر مواصلة دعمها لقطاع غزة.
وتدل الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت خلال أزمة كورونا على مدى اعتماد دول الخليج على سوق النفط العالمية.
ويمكن لدول الخليج استغلال الأزمة الحالية لتحسين أداء اقتصاداتها، من خلال إشراك المزيد من مواطنيها في القوى العاملة وتقليل عدد العمال الأجانب، وتقوية القطاع الخاص، وتعليق المبادرات باهظة التكلفة، وإعطاء الأولوية للمشاريع ذات العائد المرتفع التي لا تعتمد على سوق النفط.
ومع ذلك، فإن البحث عن مصادر الإيرادات التي لا تعتمد على النفط سيتطلب العديد من الموارد التي تتنافس اليوم مع الموارد اللازمة لتخفيف حدة التراجع في مستوى رفاهية الشعوب الخليجية.
ويبدو أنه في الوضع الحالي، لن يكون أمام الأنظمة الخليجية، خاصة السعودية، أي خيار سوى تقليص الظروف المعيشية المرفهة للجمهور، بالرغم أن المملكة تستند إلى عقد اجتماعي يعتبر الأساس لهيكل السلطة الملكية في الخليج، ويشمل مزايا يحصل عليها المواطن "من المهد إلى اللحد"، في مقابل التنازل عن التمثيل السياسي أو الحكم.
بعبارة أخرى، فإن استغلال الفرص التي تأتي مصاحبة للأزمة الحالية يستلزم تعريض الأمن الداخلي للخطر على المدى القصير والمتوسط ​​من أجل تحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

المصدر | معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد