مرت ستة أشهر منذ مقتل جمال خاشقي وترامب لم يفعل شيئًا
فرَد رايَن هو ناشر صحيفة واشنطن بوست ومديرها التنفيذي. كان مساعدًا للرئيس الأميركي السابق رونالد رَيغَن.
قبل ستة أشهر من اليوم، دخل رجل كان على وشك تحقيق أكبر سعادة في حياته إلى قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول بينما كانت زوجته المستقبلية تراقب من البوابة. ذهب بتوجيه من المسؤولين السعوديين لاسترداد الوثائق اللازمة من أجل إتمام زواجه المزمع. لكنه كان فخًا تم الإعداد له بعناية. كان بانتظاره أكثر من اثني عشر عميل سعودي مدربين قتلوه ثم قطّعوا جسده بكل وحشية.
لم يفعل الكاتب في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي شيئًا يستحق هذا المصير الشنيع. تمّت مهاجمته بناءً على أوامر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمجرد قيامه بعمل الصحفيين، ألا وهو: قول الحقيقة.
الآن، بعد مرور نصف عام على هذا الفعل الشنيع الذي صدم العالم، فإنّ الأمر يستحق تقييم ما تم فعله كاستجابة للحادثة – وما لم يتم فعله.
لقد تبنى السعوديون استراتيجية التهرب. لم يكشفوا عن جثة خاشقجي بعد، مما يمنع عائلته من إقامة جنازة إسلامية مناسبة. لقد عمد النظام إلى التضحية بمسؤولين قابلين للتضحية سعيًا إلى تهدئة الغضب الدولي من خلال تنظيم محاكمة زائفة. سعود القحطاني، منسّق العملية التي قتلت خاشقجي، لا يزال حرًا – وهو مستمر في تقديم المشورة لولي العهد. في هذه الأثناء، تنقّل ابن سلمان حول كافة أرجاء العالم، حيث صافح فلاديمير بوتين بكفه وتقرّب من الصينيين واحتكّ مع قادة العالم الآخرين كجزء من جولة عالمية تهدف لإعادة تأهيل السمعة.
للإنصاف بحقّه، فقد اتخذ المجتمع الدولي موقفًا ذي مبادئ من أجل حرية الصحافة وحقوق الإنسان. في الشهر الماضي، اجتمعت 36 دولة، بما في ذلك كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “لإدانة بأشد العبارات الممكنة” مقتل خاشقجي ودعوة السعوديين للتعاون مع تحقيق مستمر للأمم المتحدة. علّقت دول ديمقراطية غربية زياراتها السياسية إلى السعودية، وقلّصت مبيعات الأسلحة وحجبت بوادر الدعم الأخرى للنظام السعودي.
وماذا عن الولايات المتحدة، حاملة لواء الحرية حول العالم لفترة طويلة؟
المهنيون المتفانون في أجهزتنا الاستخباراتية الأميركية أدّوا أعمالهم. لقد حققوا بسرعة وبدقة، واستنتجوا بثقة عالية أنّ ابن سلمان كان بالفعل وراء مقتل خاشقجي.
الكونغرس أدّى عمله أيضًا. فقد صوّت لصالح وقف دعم الحرب السعودية ضد اليمن بالاتفاق بين الحزبين، والتحقيق في رد الولايات المتحدة على جريمة القتل، وتحرك من أجل تقييد توصيل التكنولوجيا النووية إلى الحكومة السعودية. في أكتوبر/تشرين الأول، استشهد أعضاء مجلس الشيوخ بقانون ماغنِتسكي الذي سمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على السعوديين الذين انتهكوا حقوق الإنسان من خلال تورطهم في مقتل خاشقجي.
لكن إدارة ترامب هي قصة مختلفة تمامًا. أصدر مسؤولو الإدارة كلمات انتقادية وتأنيب خفيف، لكنهم فشلوا في فرض عقوبات ذات معنى. لقد قوّضوا وشوّشوا وتجاهلوا النتائج التي توصلت إليها وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي أيه” لكي يواصلوا العمل كالمعتاد مع ولي العهد. هذه المقاربة الإنكارية التي تقول “لا أرى شيئًا!” لا تعني مجرد غضّ النظر ريثما يقتل السعوديون صحفيًا مرموقًا، بل أيضًا عندما يسجن النظام النساء لمطالبتهن بالحريات الأساسية وتعذيب قادة الأعمال وإرهاب المواطنين حتى يخضعوا.
للأسف، فإنّ أكثر شخصية خاضعة في هذه القصة هو الرئيس ترامب. حتى بعد ظهور أدلة دامغة تبين أنّ السعوديين كذبوا بشأن وفاة خاشقجي، أعلن ترامب أنّ ابن سلمان “حليف كبير” واحتج قائلًا إنّ الأمير قد يكون بريئًا. ربما الأمر الأكثر فظاعة هو أنّ ترامب تنازل عن مسؤوليات منصبه ورفض الامتثال لمتطلبات قانون ماغنِتسكي بأنّ تقدم الإدارة نتائجها بشأن قضية خاشقجي إلى الكونغرس.
من خلال هذا الرد العاجز، فإنّ ترامب لا ينتهك القانون فحسب. بل إنّه يقوّض مصداقية الولايات المتحدة وسلطتها الأخلاقية.
تماشيًا مع وجهة نظره التجارية في التعامل مع السياسة الخارجية، فإنّ ترامب يبدو على استعداد تام لبيع مبادئ أميركا. ولكن ماذا أضاف منهجه إلى الجانب الآخر من العملية التجارية؟ إنّه يدعي أنّ قيمة صفقات الأسلحة السعودية، ومساعدة السعودية في تحقيق أهدافنا الاستراتيجية في المنطقة، تتطلب منا كتم اعتراضاتنا على جرائم النظام. لكن تلك المليارات من الدولارات المزعومة في مبيعات الأسلحة والتقدم في عملية سلام الشرق الأوسط لم يتحققا بعد.
لا يوجد أي تفنّن في عقد الصفقات إذا كنتَ على استعداد للتنازل عن الشروط الأساسية. على مدى عقود، تجنّب رؤساء من كلا الحزبين بثبات خوض هذا الطريق السهل، واتخذوا مواقف صعبة للإظهار للعالم أنّ الولايات المتحدة لن تتنازل عن قناعاتنا أبدًا.
لهذا السبب، وبعد مرور ستة أشهر، لم تتلاشى قصة جمال خاشقجي. بدلًا من ذلك، مع كل يوم يمر دون تحقيق العدالة، فإنّ عواقب مقتله تزداد إثارة للقلق. كل يوم يسمح فيه ترامب للسعوديين بتجنب المحاسبة هو يوم يعتقد فيه المزيد من الطغاة حول العالم أنّهم أيضًا يمكنهم ارتكاب جرائم قتل دون عقاب. كل يوم تتبدد قيمة السمعة التي راكمَتها الأجيال الماضية من الأميركيين.
كما لاحظ الرئيس ترامب ذات مرة، “العالم مكان خطير للغاية”. لهذا السبب يجب على الولايات المتحدة أن تقف شامخة دائمًا وألّا تُسَلِّم قيمها أبدًا. يجب أن يواصل الكونغرس بذل كل ما في وسعه لمحاسبة قتلة خاشقجي. يجب أن ينظر مسؤولو الإدارة إلى الأدلة المروعة التي تدعم استنتاجات وكالاتنا الاستخباراتية. ويجب على ترامب كحدٍ أدنى الالتزام بالقانون وتقديم النتائج التي يتطلبها قانون ماغنِتسكي.
لا يمكن أن تمر ستة أشهر أخرى دون المحاسبة على هذه الجريمة البغيضة. العدالة لصحفي بريء – ومصالح أميركا الأكثر أهمية – لا تتطلب شيئًا أقل من ذلك.