ناشيونال إنترست: دعم ترامب للمستبدين يزيد الفوضى في الشرق الأوسط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2880
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير الخليج الجديد
 غالبا ما تعتمد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، القائمة على الواقعية، جميع البلدان أهدافا محتملة للانخراط ومحاولات التأثير على سلوكهم في اتجاهات أكثر ملاءمة للمصالح القومية الأمريكية. ومن الواضح أن بعض الدول الأجنبية لديها قواسم مشتركة مع الولايات المتحدة أكثر من غيرها، ولكن من وجهة نظر واقعية، يتعلق الأمر بالفرق في درجة القرب أو البعد أكثر من كون الأمر تقسيما صارما للدول كأصدقاء أو أعداء.
وقد تعتمد السياسة الخارجية غير الواقعية على مثل هذا التقسيم الصارم، وهو ما لا يقدم حلا سوى مواجهة أولئك الذين يتم اعتبارهم أعداء، في الوقت الذي يتم فيه تبني أولئك الذين يطلق عليهم أصدقاء بسخاء. وهنا تظهر عيوب هذه السياسة المتطرفة، حيث تضيع فرص التعاون مع "الأعداء"، ويستجلب العداء عداء مضادا واستياء وعدم ثقة، كواحد من أكثر ردود الفعل الإنسانية طبيعية. وفي هذه الأثناء، يتم منح أولئك الذين يتم اعتبارهم أصدقاء حرية الانغماس في السلوك المدمر والمتهور، دون أي رادع أو محاولة جادة لتوجيههم في اتجاه أقل ضررا وأكثر تمشيا مع المصالح الأمريكية.
وتعد سياسة إدارة "ترامب" تجاه الشرق الأوسط واحدة من أوضح الأمثلة على هذا النوع من النهج غير الواقعي. وتستند هذه السياسة إلى تقسيم صارم للغاية بين إيران، وتلك الدول التي لديها علاقات إيجابية معها مثل النظام السوري، كعدو لدود من جانب، وعلى الجانب الآخر، يتم اعتبار المنافسين الإقليميين لإيران، بما في ذلك (إسرائيل) وبعض الدول العربية السنية الكبرى، أصدقاء. وتجاه هذا العدو المحدد بدقة، كانت سياسة الولايات المتحدة عبارة فقط عن عداء متصاعد لا هوادة فيه. وبالنسبة للأصدقاء المفترضين، كانت سياسة الولايات المتحدة مريحة للغاية، بحيث توفر الأعذار والتغطية السياسية للسلوكيات التي يعتبرها معظم العالم مرفوضة وغير أخلاقية.
وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، كانت خطوط التنافس التي أعلنتها الإدارة، بين أولئك الذين تصفهم بأنهم |جذور الشر الإقليمي"، وأولئك الذين ترى أنهم أصدقاء، كانت صارمة وثابتة.

رد الفعل الإيراني
حتى الآن، لم تجسد إيران جميع ردود الفعل السلبية الطبيعية على العداء المتصاعد من الولايات المتحدة، وذلك لأن الإيرانيين يأملون في تغيير النظام في واشنطن في يناير/كانون الثاني 2021، ويحاولون الحفاظ على باب مفتوح للوصل حتى ذلك الحين. ومن المؤكد أنه لم يكن هناك أي استجابة من قبل إيران لحملة "الضغط الأقصى" من قبل الإدارة. وكان التغيير حتى الآن منحصرا في الداخل الإيراني، حيث اكتسب المتشددون الإيرانيون نفوذا أكبر في أعقاب تنصل الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي. ويتمتع المتشددون بمصداقية أكثر الآن، ولا يزال كبير المفاوضين الإيرانيين في خطة العمل المشتركة، وزير الخارجية "جواد ظريف"، يشغل وظيفته، بعد رفض استقالته التي تقدم بها سابقا، لكن حقيقة أنه اضطر إلى اللجوء إلى مثل هذا الإجراء يعكس مدى ضعف موقفه وموقف الرئيس "حسن روحاني" أمام المتشددين.
ويستند المفهوم الخاطئ الأساسي، الذي يقوم عليه تطرف إدارة "ترامب" بشأن إيران، هو فكرة أن الميل إلى السلوك الشنيع هو جزء لا يتجزأ من الحمض النووي الإيراني، وبالتالي لا يمكن أن يتغير. وكان تعليق "مايك بومبيو" حول تقدم "ظريف" بالاستقالة، هو أن "ظريف وروحاني مجرد رجلين أمام مافيا دينية فاسدة". وكان هذا أحد أكثر التصريحات إثارة للحرج التي قالها وزير خارجية أمريكي علنا ​​عن حكومة أجنبية. ويتجاهل التعليق وجود منافسة سياسية حقيقية في طهران، كما توضح حلقة استقالة "ظريف" نفسها. كما أنه يتجاهل مقدار ما تفعله إيران، مثل أي دولة "طبيعية"، كرد فعل طبيعي على ما تفعله الدول الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة.
لكن ديناميكية الفعل ورد الفعل هذه تسبق وجود إدارة "ترامب". وفي الواقع، كانت معظم سياسة إيران الخارجية في العقود الـ4 التي انقضت منذ الثورة الإيرانية بمثابة رد فعل على المواقف والأفعال من الأطراف الأخرى، وخاصة تلك التي تهددها أو تلحق الضرر بها. وجدير بالذكر كذلك أن جهود إيران للتعاون مع الولايات المتحدة قد قوبلت مرارا وتكرارا بالعداء. وقد ألغت إدارة "كلينتون" عقد الرئيس الإيراني آنذاك، "أكبر هاشمي رفسنجاني"، مع شركة النفط الأمريكية "كونوكو"، والذي كان المقصود به أن يكون بادرة حسن نية، وتلى ذلك سياسة "الاحتواء المزدوج" من قبل الولايات المتحدة. وسرعان ما تبع ذلك تصنيف "جورج دبليو بوش" لإيران بأنها دولة ضمن "محور الشر". ويعد بعض ما يسمى اليوم بالسلوك الإيراني "الشرير" أو "المزعزع للاستقرار" رد فعل مباشر لمثل هذا الرفض والعداء . وبالطبع لا يمكن نسيان أن استبعاد الولايات المتحدة لإيران من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 هو ما حفز طهران على البدء في تقديم مساعدات كبيرة لجماعات المقاومة الفلسطينية.

أصدقاء مدمرون
ولم يكن السلوك المتطرف من قبل إدارة "ترامب" تجاه "الأصدقاء" أيضا مفيدا، على الرغم من أن التأثيرات والتبعات قد وصلت إلى أعماق جديدة في ظل الإدارة الحالية. وأظهرت العديد من الإدارات الأمريكية توبيخا محدودا للأفعال المريعة لحلفائها المفترضين. وينطبق ذلك اليوم على الشركاء الذي تتطلع الولايات المتحدة لتنظيمهم في خضم تحالف أمني أولي في الشرق الأوسط.
وتعد العلاقة الحالية للولايات المتحدة مع أحد هؤلاء الشركاء، وهي مصر، امتدادا لدعم واشنطن لـ"أنور السادات" في السبعينيات مقابل صنع السلام مع (إسرائيل). واليوم، يمارس الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" وحشية أكبر بكثير من سابقيه. ويقرب "السيسي" "مصر من الاستبداد أكثر مما فعل "حسني مبارك" على الإطلاق، وفي هذه العملية، فقد وضع الأساس لمزيد من عدم الاستقرار في منطقة شهدت الكثير منه بالفعل".
وتعتبر السعودية مثالا آخر على سلوك "الحلفاء" المفضلين للولايات المتحدة. وسلكت الولايات المتحدة على مدى العامين الماضيين سياسات مزعزعا للاستقرار، شمل حربها المدمرة للغاية في اليمن، ومحاولتها إجبار رئيس وزراء لبنان على الاستقالة والتسبب في أزمة حكومية، وقتلها الصحفي "جمال خاشقجي". ولقد دفعت السياسة الأمريكية السابقة إلى حد كبير حاكم الأمر الواقع، "محمد بن سلمان"، إلى الاعتقاد بأنه يمكنه أن يفلت بأي شيء. ولقد قدم "ترامب" مستوى جديدا من الغطاء السياسي لـ"بن سلمان" منذ مقتل "خاشقجي".
وكان لـ(إسرائيل)، "الصديق" الشرق أوسطي الذي يتمتع بالدعم الأكبر من الحزبين، قصة قد بدأت قبل "ترامب" بوقت طويل، لكنها وصلت إلى أقصى درجات التدليل في ظل "ترامب". وخلال العامين الماضيين، شملت تلك القصة تسارع بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والاستخدام المكثف للقوة المميتة ضد المتظاهرين في غزة والتي قد تشكل جرائم حرب، وفي الآونة الأخيرة، التحالف مع جماعة إرهابية مدرجة في قوائم الولايات المتحدة.
ويوجد في الشرق الأوسط العديد من المتشددين والسياسات المتشددة. وتأخذ هذه السياسات شكل العداء تجاه الدول الأخرى، وكذلك القمع ضد السكان المحليين. وسوف تستمر المنطقة في إظهار العديد من السياسات المتشددة بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة. لكن يمكن لسياسة واقعية تجاه المنطقة أن توظف نفوذ واشنطن لجعل الشرق الأوسط مكانا أقل تقلبا وأقل قمعا وأقل نزاعا.
لكن لسوء الحظ، لا يسهم النهج الحالي بتقسيم المنطقة إلى أطراف طيبين لا يرتكبون أي خطأ، وأشرار يتم اعتبارهم مصدر كل شيء خاطئ، لا يسهم سوى جعل المنطقة مكانا أكثر صعوبة وأقل استقرارا من أي وقت مضى.

المصدر | باول بيلار - ناشيونال إنترست