أطراف أزمة خاشقجى الأربعة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2335
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

محمد المنشاوي
 يعد الكثيرون الأزمة الحالية المتعلقة بتصفية الكاتب الصحفى السعودى جمال خاشقجى داخل قنصلية بلاده قضية ثلاثية الأبعاد تتضمن المملكة السعودية وتركيا والولايات المتحدة.
إلا أن هناك طرفا رابعا ليس أقل أهمية من الأطراف الثلاثة السابقين، ألا وهو صحيفة واشنطن بوست، التى اعتبرت خاشقجى "أحد أفراد عائلتها".
الطرف الأول السعودية بسبب جنسية خاشقجى وبسبب اعترافها بمقتله داخل قنصليتها التى تتمتع بسيادة عليها رغم وقوعها داخل الأراضى التركية. وتدرك المؤسسات الحاكمة فى الغرب وأمريكا أن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان أصبح يتحكم فى مصير المملكة وقراراتها وتوجهاتها منذ صعوده السياسى السريع قبل عامين.
ولا يتمتع ولى العهد الشاب بخبرات جادة حقيقية بالمعايير الدولية والسياسية، فقد ولد أميرا وتعلم كأمير وصعد السلم كونه النجل المفضل للملك، وليس لتمتعه بأى قدرات أو إمكانات استثنائية. وعلى النقيض من القادة السياسيين الشباب فى الغرب ممن هم فى مرحلة عمرية قريبة من سن بن سلمان، مثل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، أو رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودر..
فلم يخض محمد بن سلمان أى انتخابات تنافسية، ولم يبذل العرق ليصعد سلما سياسيا خطوة خطوة وسط منافسات وصراعات. ومثلت جنسية خاشقجى، إضافة لعلاقاته الطيبة مع كثيرين من القيادات السعودية السياسية والإعلامية، إضافة لعلاقاته الكثيفة فى واشنطن بالكثير من الساسة والصحفيين والخبراء السياسيين منذ عمله بسفارة بلاده فى واشنطن قبل عقد من الزمان، أهمية مضاعفة للأزمة.
وخاشقجى ليس من معارضى التشكيك فى شرعية منظومة الحكم السعودية، ولم يدع إلى الثورة، بل فقط كان يطالب بالإصلاح السياسى واحترام الحريات الأساسية.
الطرف الثانى هو تركيا، ومدينتها الأسطورية إسطنبول، تلك العاصمة التاريخية لآخر خلافة إسلامية، والعاصمة الاقتصادية لتركيا، والتى تتمتع بديمقراطية مقبولة رغم انتهاكات واسعة للصحفيين وحرية النشر، سمحت بوصول حزب إسلامى إلى الحكم قبل أكثر من عشر سنوات.
وتملك تركيا ثانى أكبر جيوش حلف شمال الأطلسى (الناتو) الذى تنتمى إليه، وتتمتع بنفوذ إقليمى واسع. وتُعرف تركيا بامتلاكها أجهزة أمنية واستخباراتية ذات كفاءة، بشقيها الإيجابى والسلبى.
وتشهد علاقات تركيا المعقدة والمتشابكة والمتنوعة مع الولايات المتحدة والسعودية فترة اضطراب، من قبل الأزمة الحالية. ولخاشقجى علاقات جيدة بكثيرين من القيادات السياسية والإعلامية التركية، إذ تجمعهم خلفية سياسية إسلامية.
وتدير تركيا أزمة خاشقجى بحرفية جيدة وتتحكم فى حجم التسريبات الإعلامية والخبرية المتواصلة، وترمى الكرة فى الملعب الأمريكى أحيانا وتقذفها على السعوديين فى أوقات أخرى، إذ إنها لا تريد أن تبدو الأزمة وكأنها أزمة بين السعودية وتركيا، بل تريدها أزمة بين السعودية والعالم وعلى رأسه الولايات المتحدة.
وتمثل الولايات المتحدة الطرف الثالث فى الأزمة الحالية، إذ اتخذ خاشقجى من واشنطن منفى اختياريا قبل أكثر من عام، وأقام فى شمال ولاية فيرجينيا. وعلى الرغم من عدم تمتعه بالجنسية الأمريكية أو بالإقامة الدائمة (الجرين كارد)، يعد الاعتداء عليه اعتداءً على أحد المقيمين فى الولايات المتحدة.
وينبغي هنا التذكير بأن قيمة المقيم هنا تختلف عن قيمة المقيم فى دول الخليج. ويعرف الرجل واشنطن جيدا، إذ سبق له العمل فى سفارة بلاده فيها مسئولا عن ملفات الإعلام والعلاقات العامة، ومستشارا للسفير الأسبق تركى الفيصل، وسمح ذلك كله لخاشقجى أن يبنى شبكة واسعة من العلاقات.
وبعد وصوله إلى واشنطن، أصبح كاتبا منتظما فى صحيفة واشنطن بوست، وأصبح ذا أهمية إضافية، إذ أصبح أحد المراجع الهامة لفهم التطورات السريعة التى تشهدها السعودية منذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد. ولواشنطن وجود عسكرى وأمنى ومصالح مهمة مع السعودية، من هنا لا يتوقع أحد انهيار العلاقة الخاصة بينهما فى أى وقت قريب.
إلا أنه من المؤكد أن المصالح المشتركة التى جمعتهما لأكثر من نصف قرن كأحد أركان السیاسة الأمريكیة فى المنطقة تخضع الیوم لاختبار قد لا يقدر النظام السعودى على اجتیازه إذا اختار الإبقاء على محمد بن سلمان كولى للعهد. وجاءت مواقف ترامب المتذبذبة وتصميم الكونجرس على معاقبة المملكة لتخلق أزمة حقيقية فى علاقات الرياض بأهم دول العالم.
منذ اللحظات الأولى لأخبار اختفاء خاشقجى، لعبت صحيفة واشنطن بوست دورا كبيرا فى إلقاء الضوء على القضية، وكان لتركيزها عليه بداية، كونه أحد كتابها، دور كبير فى دفع منافستها الأهم والأشهر "نيويورك تايمز" إلى تخصيص مساحاتٍ واسعةٍ لتغطية الموضوع.
وتم إرسال عشرات من الصحيفتين إلى تركيا لمحاولة فك طلاسم عملية الاختفاء. وساهم تركيز واشنطن بوست على وجود "خطيبة تركية ومشروع زواج" فى مضاعفة البعد الإنسانى للتغطية.
وبعد أربعة أسابيع على الاختفاء، لا تخلو صفحات الرأى والافتتاحيات والتقارير الإخبارية فى واشنطن بوست وغيرها من كبريات الصحف ومحطات التلفزيون من موضوع جمال خاشقجى.
وساهمت واشنطن بوست فى الضغط على البيت الأبيض للتدخل فى القضية. وألقت واشنطن بوست اللوم على علاقة ترامب وصهره جاريد كوشنر الحميمة مع محمد بن سلمان، والتى يعتقدون أنها دفعته إلى التفكير خارج الصندوق، والإقدام على مغامرة جديدة غير محسوبة العواقب.
وكان لتواجد محررة مقالات خاشقجى بالصحيفة، كارين عطية، دور مضاعف فى شخصنة قضية الاختفاء، إذ أصبحت رمزا للقضية ولا تمر ساعات إلا وتظهر منادية بالبحث عن حقيقة اختفاء خاشقجى وضرورة معاقبة المسئول أيا ما كان.
وبين هذه الأطراف الأربعة وما نعرفه وما لا نعرفه فيما يدور بينهما، أصبح خاشقجى رمزا عالميا لأشياء كثيرة وأفكار نبيلة عند أغلب دول العالم ومجتمعاته، منها "الحق فى التعبير" و"حرية النشر والانتقاد" و"سيادة القانون" و"ضرورة احترام القانون الدولى" وأخيرا "أمن الصحفيين وسلامتهم حول العالم".
محمد المنشاوي - كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن
المصدر | الشروق المصرية