لماذا يَعتبِر الأمير بن سلمان “تركيا العُثمانيّة” الضِّلع الأخطر في مِحور الشَّر الثُّلاثي؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3001
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وهل مَنع مُسلسلاتها سَيحِد من تَمدُّدِها الاستراتيجي في المِنطقة؟ ولماذا لم يُؤيِّد أردوغان حَرب اليمن مُطلقًا.. هل هو التّحالف “المُتوقَّع” بين المَرجعيّات “الهاشميّة” و”العُثمانيّة” و”قمّ”؟
عبد الباري عطوان
 أظهر الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الخِلاف السعودي التركي إلى العَلن، عندما أكّد لمَجموعةٍ من الصِّحافيين المِصريين التقاهم في مَنزل سفير بِلاده في القاهِرة، إن إيران وتركيا والجَماعات الدينيّة المُتشدِّدة تُشكِّل المِحور الحالي للشَّر في المِنطقة، واتّهم تركيا بمُحاولة إحياء الخِلافة الإسلاميّة العُثمانيّة.
رغم أن السفارة السعوديّة في أنقرة وَصفت التّقارير المُتعدِّدة التي نَشرتها وأذاعتها عِدّة صُحف ومَحطّات تَلفزة مِصريّة بأنّها “مُختَلقة”، وقالت “أن الأمير بن سلمان كان يُشير إلى ما يُسمّى بجماعة “الإخوان المُسلمين” والجَماعات المُتطرّفة، فإن ما ذَكره الأمير بن سلمان لم يَكُن “زلّة لِسان”، وإنّما جاءَ انعكاسًا لمَوقِفٍ استراتيجيٍّ “يَتبلور” من قِبل الدُّول الأربَع السنيّة الرئيسيّة المُقاطِعة لدولة قطر، يَرى في تركيا، وقِيادتها الحاليّة المُمثّلة في الرئيس رجب طيب أردوغان، تهديدًا لها ولأمنِها واستقرارها.
مسؤول خليجي كبير التقى بعددٍ من الدبلوماسيين في عاصمة أوروبيّة الأسبوع الماضي قال بالحَرف الواحِد أن هذا التّحالف الرباعي (السعوديّة والإمارات، مِصر والبحرين) يعتبر تركيا أكثر خُطورةً من إيران بسبب سياستها التي تُريد الهَيمنة على المِنطقة بأسْرِها، وتحويل إسطنبول إلى مَرجعيّة ونُموذج للعالم الإسلامي بشقّيه السني والشيعي معًا، وتتبنّى الإسلام السياسي المُتمثِّل في حركة “الإخوان المسلمين” العابِرة للحُدود والقارات.
***
الرئيس أردوغان أقام نموذجًا يَراه الكثير من الإسلاميين قُدوة تُحتذى لأنه يرتكِز على أربع أُسس: الإسلام المُعتدل والمُتسامح، والديمقراطيّة، والعَلمانيّة، والنمو الاقتصادي، وانْعكس ذلك في مُحاكاة العديد من الأحزاب الإسلاميّة له، بل واقتباس اسم “العَدالة والتنمية”، اسم الحزب الحاكِم في تركيا الذي قدّم هذا النّموذج، ويَعمَل على نَشره في مِنطقة الشرق الأوسط بشكلٍ خاص والعالم الإسلامي بشكلٍ عام، بكُل الوسائِل السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، مُتّبعًا نَهج المُسلمين الأوائِل في نَشر الإعلام في آسيا وغَيرِها.
تبنّي الرئيس أردوغان للإسلام السياسي، ودَعمِه لحَركة “الإخوان المسلمين”، وفَتح أراضي بِلاده لها، ولأجهزتها الإعلاميّة، يأتي في إطار هذه الاستراتيجيّة، الأمر الذي يُثير قلق المملكة العربيّة السعوديّة ومِصر والإمارات، الدُّول التي تتبنّى سِياسات مُعادية لهذهِ الحَركة، وتمدّدها في المِنطقة، بل وتَعتبرها أكثر خُطورةً من “الدَّولة الإسلاميّة” وتنظيم “القاعدة”، لإرْثها التّاريخي الذي يَمتد لأكثر من ثمانين عامًا، وقاعِدتها الشعبيّة العَريضة.
هُناك أربع مرجعيّات إسلاميّة سنيّة في المِنطقة، مرجعيّة الحِجاز (مكة المكرمة والمدينة المنورة) وهي الأولى، ومؤسسة الأزهر الشريف وهي الثانية، و”الهاشميّة” في الأردن وشمال اليمن وهي الثالثة، والمَرجعية العثمانيّة وعاصِمتها إسطنبول وهي الرابعة، وهُناك مرجعيّة إسلاميّة خامِسة تتمثّل في كُل من النّجف الأشرف في العِراق، وقم في إيران.
الحُروب بين المَرجعيّات لم تتوقّف مُطلقًا طِوال القُرون العَشر الماضية، ابتداءً من الصِّراع الصٍفوي العُثماني (1636 ـ 1623)، ومُرورًا بدولة الفاطميين في مِصر عام (969م ـ 1171)، وانتهاءً بدُخول إبراهيم باشا الدرعيّة عاصِمة الدولة السعوديّة وتَدميرها عام 1819م، وبين هذه المَحطّات الكُبرى هُناك العَديد من المَحطّات والصِّراعات الصغيرة، والتّحالفات العابِرة السّريعة، ما زالت تَطُل برأسِها في هذهِ الأيّام، مِثل التّحالف الهاشِمي العُثماني الوليد وبين الأزهر ومكّة المكرمة.
الرئيس أردوغان لم يُخفِ مُطلقًا طُموحاته في إعادة إحياء إمبراطورية الخِلافة العثمانيّة، وكنت شاهِدًا على أهم مهرجان في هذا الصدد، عندما دُعيت لحُضور آخر مُؤتمر لحزب العدالة والتنمية يترأسّه الرئيس أردوغان (لانتهاء فترته) أُقيم في ملعب لكرة السلة في أنقرة في أيلول (سبتمبر) عام 2012، وكان من أبرز ضُيوفه المدعوين الرئيس المصري السابق محمد مرسي، والسيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في حينها، والسيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العِراق وأثيل النجيفي مُحافظ الموصل ونُخبة من قادَة الأحزاب الإسلاميّة.
ما لفت نظري أن الرئيس أردوغان في خِطابه الحِزبي “الوداعي”، نَطق بأسماء جميع الخُلفاء العُثمانيين الواحد تلو الآخر، وَسط تصفيق وهتافات غير مَسبوقة من أعضاء الحِزب الذين امتلأ بِهم الملعب وفاق عَددهم خَمسة آلاف عُضو على الأقل.
الحُلفاء الأربعة اكتشفوا خُطورة العُثمانيّة التركيّة بعد “ثورات” الربيع العربي، وتَدمير سورية وقبلها العِراق، ولعبوا دورًا فاعِلاً في عمليّة التّدمير هذه، وضَخ عشرات المِليارات من الدولارات والأسلحة جنبًا إاى جنب مع تركيا الإسلاميّة “الإخوانيّة” وتحت رِعاية المَظلّة الأمريكيّة، أي أن تركيا أردوغان لم تتغيّر وثابِتة وهم المُتحوِّلون.
الرئيس أردوغان، اتفقنا معه أو اختلفنا، (مَنعني من دُخول بِلاده)، يَملُك مشروعًا سياسيًّا استراتيجيًّا مُتكامِلاً، ويُسخِّر الاقتصاد والثقافة، علاوةً على القواعِد العسكريّة لخِدمة هذا المَشروع وتطويره، فقد استغل ثَغرة الخِلاف القطري مع الدُّول الأربَع لإقامة قاعدة عسكريّة في مِنطقة العيديد في قَلب الخليج العربي، قوامها 30 ألف جندي، والعَدد في تزايد، وانْتزع السودان من التّحالف العربي في حَرب اليمن، وأسّس قاعدة عسكريّة اقتصاديّة في مِنطقة سواكن على شواطِئ البحر الأحمر، وأُخرى قبلها في الصومال، ووقع اتفاقات تجاريّة استراتيجيّة مع الجزائر وموريتانيا، واستضاف قمّة إسلاميّة في إسطنبول جَمعت مُمثّلي ثلاث مرجعيّات، الهاشميّة (الملك عبد الله الثاني، الذي صلٍى على النبي العربيّ الهاشميّ في كبته في الاجتماع، وقمّ (حسن روحاني)، إلى جانب المَرجعيّة العُثمانيّة المُمثّلة في شَخصِه.
ولا نعتقد أن امتناع تركيا والأردن عن تأييد حرب المِحور العربي السعودي في اليَمن جاء من قبيل الصُّدفة، وإنّما في إطار حِسابات دقيقة، ويَنسى كثيرون أن حركة “أنصار الله” الحُوثيّة تَرفع الأعلام الهاشِميّة.
وكان لافِتًا أن الرئيس أردوغان حرص على علاقات وثيقة مع إيران وجارتها العراق، وها هو يَستعد لاستضافة قمّة ثلاثيّة يَحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني روحاني، واختار لها مدينة إسطنبول، وليس العاصِمة “العلمانيّة” أنقرة.
فإذا كانت تركيا العُثمانيّة تُشكِّل خَطرًا أكبر من الخَطر الإيراني، فلماذا عَمِلت دُول التّحالف الأربع على المُشاركة في الحَرب على سورية، وقَبلها العِراق اللتين كانتا تُشكّلان مدماك المَشروع العَربي؟
***
الفَرق بين العثمانيّة التركيّة وخُصومها الجُدد أن الأولى تَملُك استراتيجيّة وبرامج تطبيق ثابِتة ومَدروسة، أمّا الثانية فكُل سياساتِها وتحرّكاتها تقوم على أساس ردود الفِعل، ومُعظمها مُتقلّبة ولا تَملُك رؤية بعَيدة المَدى، وتحالفاتها “هوائيّة” و”مُتغيّرة”.
التحالف مع إسرائيل لن يَدفع بها لضرب إيران، نيابةً عن حِلف الاعتدال العربي، ولا نعتقد أن منع بث المُسلسلات التركيّة سيُوقِف التمدّد الثقافي والسِّياسي والعَسكري التركي في المِنطقة، ليس لأن هذا المنع جاء مُتأخِّرًا، وبعد أن اعطى أؤكله وإنّما لأن هناك مَحطّات تلفزيونيّة عديدة ستتلقّف هذهِ المسلسلات وتتولّى عرضها في ظِل فضاء إعلامي مفتوح، وضَعف البدائِل المِصريّة والسوريّة الأُخرى لأسباب ليس هُنا المَجال لسَردِها.
الخَطأ الاستراتيجي الأكبر الذي ارْتكبه أردوغان فيتمثّل في رأينا في وقوعه في المِصيدة السوريّة، والخَطأ الاستراتيجي الأكبر والأكثر فداحةً الذي ارْتكبه خُصومه الجُدد أنّهم وَقعوا في المِصيدة نفسها وهُم مَفتوحو الأعين، وكانوا كمّن يُطلِق الرّصاص على قَدمِه.
السؤال هو: من سَيفوز في سِباق المُصالحة مع سورية التي تَسير بخُطى مُتسارعة على طَريق التّعافي، وبمُساعدة الحليفيين الإيراني والروسي، ويُرمّم أخطاءه الاستراتيجيّة بالتّالي، تركيا أم خُصومها؟ السِّباق بدأ فِعلاً، ولعب المُنتخب السعودي الأخضر مُباراة كرويّة على أرض العِراق وسط استقبال حافِل بعد عُقود من القَطيعة، مُؤشِّر مُهم في هذا السِّياق.. ونَترك الإجابة للشُّهور المُقبِلة؟