إردوغان.. بين إغراء الدوحة وغواية الرياض
عدنان أبوزيد
تفاعلت تركيا مع المقاطعة الخليجية للدوحة، بوتيرة دبلوماسية، لا تعكس عمق علاقاتها الخاصة مع قطر، اذ ابدى وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في 5 يونيو/حزيران 2017 “تأهّب بلاده للمساهمة في حل الخلاف”.
غير إن الواقع السياسي حيث أصبع الرئيس رجب طيب اردوغان يغوص في قارورة العسل القطري، لا يتوافق مع التصريح التركي، الذي بدا متزلفا لكل الأطراف، ولا يعدو كونه خدعة دبلوماسية تخفي وراءها الكثير من “الحنق” على الدول التي قاطعت الدوحة، والفائض من القلق مما ستؤول اليه الاحداث في المستقبل، حيث تسعى السعودية والدول التي تسير في فلكها الى معاقبة حلفاء أنقرة التقليديين، وفي مقدمتهم قطر وحماس.
التطورات بمجملها طعنة قاصمة لأردوغان، منذ اجتماع ترامب بالدول العربية والإسلامية في الرياض والذي عدّ خلاله، حماس منظمة إرهابية، فيما تتجّه الأمور الى المزيد من استهداف النفوذ التركي، باعتبار قطر، الحليف لأنقرة، بلدا داعما للارهاب.
وكانت السعودية ومصر والإمارات والبحرين واليمن قد قطعت علاقاتها مع قطر، الإثنين، 05 حزيران، 2017، واتهمتها بمساندة “الإرهاب”.
ولم يكن الأمر مباغتا للدوحة ولا حتى انقرة، حيث الخلافات خلف الكواليس منذ فترة ليست بالقصيرة، دفعت الدوحة الى التحالف مع أنقرة، الى الحد الذي تحدثت فيه المصادر عن اعتزام الحكومة القطرية الاستعانة بتركيا والاستقواء بنظام الرئيس أردوغان وبناء قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية، لتكون أول قاعدة تركية في منطقة الشرق الأوسط.
ومخاض كل ذلك، تزايد نفوذ دول تدعم الاخوان المسلمين في الخليج، الامر الذي يقلق السعودية والامارات بشكل خاص، ويعتبرانه تهديدا وجوديا لهما لاسيما وان كلا من تركيا والدوحة توفران الملاذ الآمن والدعمين المالي والسياسي، لجماعة الإخوان.
وكانت بوادر التباين بين قطر وتركيا من جهة ودول الخليج من جهة أخرى، قد انكشفت بدعم كل من أنقرة والدوحة لتنظيمات ومليشيات مسلحة في سوريا.
كما إن الدوحة تتصرف في اليمن في الكثير من تفاصيل تدخلاتها، بعيدا عن الخيمة السعودية هناك، التي تعتبر أي تواصل مع جماعة انصار الله الحوثية خروجا على النسق الذي يرسمه التحالف بقيادة الرياض.
وزاد تواصل الدوحة مع جماعات مسلحة اختطفت الصيادين القطريين في العراق، من الريبة السعودية في السياسات القطرية.
وقبيل المقاطعة، أٌطلِقت إشارات واضحة تفيد بان الخلافات تتجه الى التصعيد مع الدوحة، فقد اشيع بطريقة مقصودة بان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ينوي نقل قاعدة “العديد” من قطر إلى دولة خليجية أخرى.
وتلقّف امير قطر تميم آل ثاني، الإشارات فاجري اتصالات مكثفة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
فيما بدا واضحا ان تقارب أنقرة مع الرياض، ليس على ما يرام بإلغاء السعودية صفقة سلاح تقدر بـ2 مليار دولار من أجل شراء 4 قطع بحرية من تركيا، الأمر الذي جعل المسؤولين الأتراك يصابون بخيبة الأمل من الرياض التي عزمت على شراء أسلحة تقدر بـ110 مليار دولار من الولايات المتحدة.
ولا يُستبعد تدخّل تركيا، طرفا رئيسيا في الازمة لصالح قطر، اذا ما شعرت بان خطرا جديا يتهدّد مصالحها، ونفوذها الذي تسعى الى ترسيخه، في منطقة الخليج، حيث تؤيد قطر تنامي هذا الدور، عكس السعودية ودول الخليج الأخرى.
وعليه، فليس مٌستبعدا نشر المزيد من القوات المسلحة التركية على الأراضي القطرية، وهي التي تحتفظ بأعداد صغيرة من الجنود هناك.
كما ان الدوحة تغري أنقرة بالموقف الحاسم معها ضد السعودية، ودول الخليج الأخرى، عبر عقد صفقات تسليح معها بالمليارات، وضخ الغاز بأسعار يسيل معها اللعاب التركي.
ان مؤشرات التصعيد، سوف يشمل تركيا أيضا، وإنْ أظهرت حيادا واستقلالية وعدم التدخل، فكل ذلك يخفي وراءه رفضا لسعي السعودية الى قيادة العالم الإسلامي، مثلما يؤكد استياءُ تركيا من وضع الاخوان وحماس على قوائم إرهاب خليجية.
ولن يكون مستغربا اذا فاجأتنا الأحداث بالخلاف التركي السعودي وهو يطفو على السطح، ليرسم ملامح خارطة صراع جديدة في الشرق الأوسط، الا اذا سعت الرياض الى إغراءات لادروغان اكثر نجاعة من تلك التي قدمتها الدوحة، وهو أمر بعيد الاحتمال، وفق اكثر التقديرات.