كيف نصلي للمطر؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1850
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

جمال بنون
أضحكتني طرفة أرسلها لي أحد الأصدقاء قبل يومين، بمناسبة موسم الأمطار التي تشهدها معظم المدن السعودية والمحافظات، وما خلفته هذه الأمطار من كوارث وانهيارات وتجمعات مائية، فضلاً عن حالات الغرق وإصابة مواطنين وغيرها من الحوادث التي صاحبت هطول الأمطار وغياب مشاريع تصريف مياه السيول، وآخر تلك الحوادث انقلاب قطار الرياض - الدمام وإصابة 18 راكباً، وبحسب بيان مؤسسة الخطوط الحديدية، فإنه يعود لانجراف جزء من الخط الحديدي بسبب تعرضه لسيول شديدة منقولة بخلاف مجراها الطبيعي، والتي أدت إلى جنوح القطار عن الخط وانفصال العربات عن بعضها. أما الطرفة التي أضحكتني، وهي أن مواطناً عربياً بعد أن غرقت سيارته في سيول الأمطار، ذهب إلى مبنى البلدية في منطقته التي يسكن فيها، وخاطب رئيس البلدية، قائلاً له: «إذا لم يكن لديكم مشروع لتصريف مياه الأمطار، فلماذا تصلون صلاة الاستسقاء»؟
ملف الأضرار من سيول الأمطار في السعودية فتح فعلياً في 2009 في عهد الملك عبدالله، حينما اجتاحت وقتها أمطار وسيول محافظة جدة، وشوهت معها وجه العروس، وألحقت الضرر بالممتلكات والأرواح. وقتها شكلت لجنة ترأسها الأمير نايف وزير الداخلية وأشرف عليها شخصياً، وبالفعل خرجت بنتائج مفجعة عن واقع الطرق في السعودية، إذ أظهر التقرير أن 90 في المئة من طرقاتنا غير صالحة للاستخدام، وأن البلد تفتقد مشاريع تصريف مياه الأمطار، وأغطية التصريف المنتشرة في الطرقات فارغة ولا يوجد أسفلها أي شيء، وتم تعويض الأشخاص مادياً بموجب أمر ملكي، وعلى إثر التقرير الذي صدر عن اللجنة المشرفة للوقوف على أسباب هذه الحوادث من الأمطار والسيول، صدر أمر ملكي حينها بإطلاق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) وذلك في آذار (مارس) 2011.
مضى الآن نحو تسع سنوات على كارثة سيول جدة، ونحو سبع سنوات على إنشاء «مكافحة الفساد»، وهو زمن طويل، والناس استبشرت لأنها كانت تعتقد أن الشوارع السعودية ستتحول إلى ورشة كبيرة من حفريات وتمديدات واستكمال مشاريع كانت متوقفة أو أنها كانت وهمية في السنوات التي سبقتها، على العموم، بعد كارثة جدة شهدت المدن السعودية أمطاراً غزيرة، ووقتها أعذر الناس الجهات الحكومية، إذ إنها للتو بدأت في استكمال مشاريع تصريف مياه الأمطار ومعالجة الخلل الموجود في شوارعها، وإعادة فتح مجاري السيول، وإزالة المباني التي تعترض خط السيل، لأن المدة كانت قصيرة بعد صدور القرار، وكل عام حينما تهطل الأمطار في مدن مختلفة، يمني الناس أنفسهم بأن المشاريع في طريقها للانتهاء، وتريح الناس من هذا الخوف الذي يلازمهم، ويعطل الحركة ويسبب الخسائر الفادحـــة للأشخاص والجهات الحكومية.
الآن بعد مرور نحو ثمان سنوات على حادثة سيول جدة، يفترض أن المدة كافية لإنجاز مشاريع تصريف مياه الأمطار في المدن السعودية، وتصحيح الأوضاع للمخططات والبيوت التي تعترض مجرى السيل، وأيضاً تحسين الجسور والأنفاق وحتى الكثير من المباني الحكومية التي دخلتها المياه، أو وقع سقفها.
الأيام الماضية شهدت مختلف المدن السعودية أجواء ماطرة استمرت لأيام عدة، وعلى رغم أنها ليست بهذه الغزارة، إلا أنها تركت جرحاً غائراً لدى المجتمع بسبب الحوادث البشرية والخسائر الكبيرة في الممتلكات، على رغم جهود أجهزة الدفاع المدني الذي يعد البطل الأوحد أثناء هطول الأمطار لما يقدمه من مساعدات لإنقاذ الناس العالقين ونقلهم إلى أماكن آمنة، وغيرها من الخدمات الإنسانية والإسعافية.
منذ أكثر من أسبوعين ومواقع التواصل الاجتماعي لا تكف عن نقل مقاطع الفيديو والصور لآثار السيول التي اجتاحت المدن، فقبل ثمان سنوات لم تكن هناك مواقع تواصل أكثر، ربما كانت تساعد في أن ينفي المسؤول ما يتم تداوله بين الناس، أما اليوم فمواقع التواصل تتيح لك فرصة النقل المباشر للأحداث، لا يمكن اعتبارها فوتوشوب أو أنها مقاطع غير صحيحة، لعلي أتساءل كيف لم يكن مشروع تصريف مياه الأمطار من الأولويات لدى الجهات الحكومية؟ سمعت مرة تعليقاً من مسؤول حكومي أن السعودية ليست بلداً ممطراً فهي نادرة ولا تأتي إلا في العام مرة أو مرتين، أتفق مع هذه المعلومة، أن السعودية ليست مثل إندونيسيا أو الهند ولا حتى ماليزيا، حتى تقيم مشاريع ضخمة وتنفق عليها أموالاً طائلة، لمشروع لا يستخدم إلا نادراً، حسناً إذا تعاملنا بهذا المبدأ، وأهملنا مشروع تصريف مياه الأمطار واهتممنا بالطرق والجسور والمباني الحكومية وغيرها من المشاريع التنموية، ماذا سنفعل بالزائر الذي يطل علينا لفترة قصيرة ويدمر كل شيء، بيوتنا ومنازلنا وطرقاتنا ومؤسساتنا الحكومية، ويكبدنا خسائر مادية وبشرية تعادل بليونات الريالات، أليس من الأولى أن نبني شبكات لحماية أموالنا التي ننفقها للمشاريع، فمن غير المعقول أننا نفقد كل عام كيلو مترات من الطرق، ويهدم عدد كبير من البيوت، وتنجرف سيارات، وتتساقط صخور على المارة، وتتفجر كابلات الكهرباء، ويخشى الناس على أبنائهم وبناتهم في المدارس، وطابور طويل من الخسائر، أليس هذا هدر مالي غير موفق أو عدم تقدير للأولويات المطلوبة في تنفيذ المشاريع؟
ارجعوا إلى مقاطع الفيديو عن الإمطار في المدن السعودية، شيء مؤسف ما نلاحظه، ولا نعرف ماذا نقول، هل هو غياب الرقابة في تنفيذ المشاريع الحكومية، وعدم جودتها؟ أم أنها تعمد من الجهات الرقابية في عدم المحاسبة والمساءلة؟ وتكتفي فقط بالجولات التفقدية وإصدار التصريحات والإحصاءات والأرقام بحجم الخسائر، ربما تستغرب كمواطن متابع أنه إلى الآن ، لم يخرج مسؤول للاعتراف بخطئه، وحتى أمراء المناطق والمحافظات يتحملون مسؤولية كبيرة في تأخر المشاريع، وبخاصة تلك التي تعنى بحماية أرواح الناس وسلامتهم، وإذا كان الوضع بالنسبة لمشاريع تصريف مياه الأمطار سيتأخر ولا نعرف متى تنتهي، فهنا أعتقد أننا بحاجة لصلاة الحاجة مع كل صلاة استسقاء.