هل نجح الملك سلمان بوزرائه الجدد؟
كيف يجري تغيير الوزراء والمسؤولين في السعودية؟
يحي مفتي
لا يوجد ملكٌ أجرى تغييرات وزارية مثل الملك سلمان.
كانت هنالك عقدة من التغيير طيلة العقود الماضية، عدا الفترة القصيرة الأخيرة من عهد الملك عبدالله.
تغيير الوزراء، أو أعضاء الشورى، وموظفي الدولة في المؤسسات الكبيرة المستقلة عن مجلس الوزراء، كان أمراً غير محبّذ عند الملوك السعوديين.
ومن هنا كانت التعليقات الشعبية طيلة عقود من الزمن، طافحة بالسخرية من الوزراء المعتّقين، وأعضاء الشورى النائمين، والمسؤولين الفاشلين (المترززّين في مناصبهم).
بديهي، ان تغيير شخص أياً كان منصبه، وزيراً او سفيراً، او عضو شورى، او قاضياً، أو شيخاً في هيئة كبار العلماء، ليس أمراً صعباً من الناحية النظرية. فكل ما على الملك، إلا أن يُعلن إقالة شخص موالٍ للنظام، واستبداله بآخر موالٍ أو حتى أكثر ولاءً وشبابية. ونحن نعلم بأن سلطات الملك الفعلية تكاد تكون غير محدودة.
لكن الأمور لا تجري بهكذا سهولة ويُسر.
رغم ان الملك يمتلك من الناحية النظرية القرار السياسي في التعيين، إلا أنه ليس وحيداً.
محاصصة القرار بين الأمراء
لِمَن لا يعرف كيف تدير العائلة المالكة الحكم، عليه أن يدرك، أن هناك محاصصة داخل العائلة المالكة، ليس فقط في مجال تقاسم الثروة المالية، وتقاسم الأراضي، وأحياناً كثيرة تقاسم شحنات النفط، وكذلك تقاسم الميزانية على الوزارات او المؤسسات التي يسيطر عليها اجنحة مختلفة من الأمراء. ليس هذا فحسب، فهناك تقاسم أيضاً للرجال داخل الدولة، لهذا الفريق أو ذاك، والأكثر غرابة هو تقاسم المجتمع النجدي، ففي كل بلدة او مدينة، هناك ولاءات عامة للنظام، وولاءات خاصة لأمراء بعينهم، حيث تتبع شرائح المجتمع النجدي، في البلدة المحددة، او حتى القبيلة المعيّنة، مُعرّفاً يرتبط بهذا الجناح او ذاك، وكأن هذا جزء من العمل الحزبي داخل العائلة المالكة.
بمعنى آخر، فإن المحاصصة بين أجنحة الحكم، ذهبت بعيداً الى أعماق الدولة وثرواتها واجهزتها ومسؤوليها، في عملية توازن دقيقة بين تلك الأجنحة حتى لا يسيطر أحدها على كامل الدولة ويلغي الاخرى.
والفكرة بديهية وبسيطة.
فطالما أن هناك صراعاً وتنافساً حادّاً بين اجنحة العائلة المالكة، فلا بدّ من تنظيم ذلك.
ولأن الدولة بكل حمولتها يتم التعاطي معها على أنها (مُلك لعائلة)، إذن فهي تمثل غنيمة يجري تقاسمها.
ولهذا، فإن ميزانية الدولة يجري التوافق بشأنها بين الأمراء أولاً.
هل ما يحصل عليه الحرس الوطني من مخصصات الدولة، وقد كان أداة عبدالله ومن بعده أبنائه للبقاء في السلطة، متوازن مع ما تحصل عليه وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية؟
فمادام لكل واحد مزرعته، فكلّ من الأمراء يهتم بأنصاره ورجاله داخل تلك المزرعة.
مثلاً، كان واضحاً أنه في كل مرّة يتم فيها تعيين موظفي المرتبة الخامسة عشرة، او المرتبة الممتازة، والرابعة عشرة، فان جهوداً كبيرة تبذل كيما يحصل كل جناح أو أمير كبير على حصته. فهذا له عشرون، وذاك له ثلاثون شخصاً، وهكذا.
كل أمير من الكبار ـ اضافة الى الملك ـ يضع رجاله الموالون لشخصه، وليس فقط من الموالين للعائلة المالكة، والداعمين لحكمها.
وفلسفة التعيينات هنا تقوم على أساس وجود رجال لكل جناح في مؤسسات السلطة، قادرين على إبقاء زعيم الجناح داخل دائرة صنع القرار، ويحمي مصالحه، ويبقي وجوده السياسي معزّزاً، غير قابل للإقتلاع بسهولة.
وهكذا، فإن لكل جناح في العائلة المالكة مؤسساته ووزارته، ورجاله، وأعضاء شوراه، ومخصصاته المالية، وحتى مشايخه، وطبّالوه من الاعلاميين والصحفيين. هو دولة مستقلة ضمن جهاز الدولة الكبيرة.
تقاسم الأمراء الكبار وأجنحتهم سواء للرجال او للولاء الشخصي كما المال، يمثل من الناحية العملية طريقة لتقاسم القرار السياسي في الدولة.
مشكلة تغيير الوجوه
ومن هنا تأتي مشكلة تغيير الوجوه، من وزراء وغيرهم.
فكما يجري اختيار رجال آل سعود من بين الموالين، خاصة النجديين، وذلك بالتوافق بين الأمراء، وبحضور فريق من وزارة الداخلية، يكشف عن ملف كل شخص تجري الموافقة عليه قبل تعيينه.. كذلك الأمر بالنسبة للإقالة.
ولأن لكل جناح حساباته في التعيينات، من جهة محاولته استرضاء فئات او عوائل معينة؛ ولأن بعض الأجنحة لا تريد تغيير وزير بعينه، أو عضو شورى محدد، دون ان يقوم الجناح الآخر بذات الخطوة.. فإن مسألة مَنْ يجب ان يُقال، ومن الذي سيوضع في مكانه، ومن اي جناح، ومَن سيقابله بالإقالة في الجناح الاخر، تمثل أسئلة حساسة يجب ان تكون الإجابة حاضرة عليها، ويتوافق بشأنها بين الأمراء، قبل أن تتم العملية الصعبة في التعيين والإستبدال.
لنضرب مثالاً في هذا الأمر، ولو من ناحية نظرية، ولكن مع تركيز على الخطوات العملية.
لنفترض اننا الآن في عام 2010، أي قبل نحو عام من وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد، ووزير الدفاع.
عدد اللاعبين حينها كان أربعة: الملك عبدالله، ولي العهد ووزير الدفاع سلطان، وزير الداخلية نايف بن عبدالعزيز، وأمير الرياض سلمان.
كل واحد من هؤلاء له حصّة من الوزارة، ومن أعضاء الشورى، ومن المشايخ، ومن الاجنحة العسكرية، ومن موظفي المرتبة الممتازة والخامسة عشرة والرابعة عشرة.
بالطبع للملك حصته الكبرى، يليه سلطان فنايف فسلمان. وقد لا تزيد حصّة الملك كثيراً عن حصص السديريين الثلاثة مجتمعين.
لنفترض أن هؤلاء يريدون تشكيل وزارة جديدة، فما هو المطلوب؟
اولاً ـ تحديد عدد الوزراء الذين لن يتم تغييرهم. وغالباً ما تتضمن قائمة المستثنين أمراء.
ثانياً ـ بعدها يأتي كل واحد من هؤلاء الأمراء الأربعة الكبار بقائمة الأسماء التي يريد تغييرها من حصّته، ويجري التوافق بشأنها، مع اجراء بعض التعديلات. فقد تحوز عوائل نجدية صغيرة على حصص كبيرة، فيتخلى أحدهم عن تعيينه لشخص آخر من نفس العائلة او المدينة، ويضع شخصاً آخر، حتى لا يتكرر التمثيل الشكلي المظهري.
ثالثاً ـ كل جناح يحاول ان يستقطب فئة من المجتمع او منطقة بعينها او عائلة، او المؤسسة الدينية، او ما أشبه. وهنا تجري المفاصلة. هناك مثلاً (كوتا) محددة لأهل الحجاز من الوزراء، قابلة للنقصان وليس الى الزيادة؛ في حين لا توجد حصة للشيعة مثلاً، او اهل الجنوب بمناطقه الثلاث: نجران وجيزان وعسير. واذا ما قرر أحد اجنحة الامراء ان يختار وزيراً من هذه المناطق، فيجب ان يكون هناك توافقاً على اساس الفكرة، قبل ان يُنظر في الشخص. وقد يحدث ان يتم تعيين وزير من منطقة مهملة، لكن اذا ما توفي الأمير الذي كان وراء ذلك، فإنه يُقال، ولا يتم تعيين غيره من نفس المنطقة. وبالطبع هناك قبائل لا يجري توزيرها، وكذلك فئات ذات خلفية مذهبية، وكثيراً ما يوزّر الأمراء أشخاصاً من بادية الحجاز دون المدينة، فيكون الشكل حجازي، والمحتوى قبلي مذهبي وهابي اقرب الى نجد، وهكذا.
وكما نرى، فإن عملية التوزير، او تغيير الوزراء، تتطلّب جهوداً كبيرة، وتوافقات غير عادية، حتى وإن كان الملك قويّاً، وله سلطة حاسمة.
عهد سلمان: التغيير السريع
التغييرات الكثيرة التي حدثت في عهد سلمان، فيما يتعلق بتغيير الوزراء، والمسؤولين الكبار، وغيرهم؛ غير مسبوقة في التاريخ الحديث للمملكة السعودية منذ تأسيسها رسميا في سبتمبر 1932.
هذه التغييرات من إقالات وتعيينات، ليست علامة صحّة في الجسد السعودي المُنهك بالعجز فكراً وجسداً. الى حد أن الوزير لا يمضي بضعة اشهر، إلا ويتم تغييره لأي سبب تافه، ما جعل البعض ينتقد هذه التصرفات.
كما ان هذه التعيينات، ليست دلالة على عزم وحزم العهد السلماني، ولا شخص الملك سلمان ذاته. بمعنى أن التعيينات المتكررة، لا تعكس شجاعة وحزماً في اتخاذ القرار.
كلا..
الذي حدث هو أن الأجنحة القوية التي تتقاسم السلطة، بعضها ضعف وانتهى، وبعضها خمد بشكل كبير. وبالتالي لم يبقَ على مائدة الطعام الضخمة (السلطة ومنافعها وقراراتها) إلا رجلٌ واحدٌ هو الملك سلمان.
لقد مات الكبار: ولي العهد وزير الدفاع سلطان في 2011، وتمت تصفية تركته، وأُزيح أبناؤه، وورثه سلمان على الوزارة قبل ان يصبح ولياً للعهد ومن ثمّ ملكاً على البلاد.
ومات وزير الداخلية، ولي العهد الذي تلا سلطان، وهو نايف، في يونيو 2012، وأصبح ابنه ـ وهو اضعف من أبيه ـ محمد بن نايف وزيراً للداخلية.
وبهذا ورث سلمان، القرار السديري كاملاً، خاصة بعد إزاحة شقيقه عبدالرحمن كنائب وزير الدفاع، وكذلك بعد اضعاف أبناء الملك فهد، وبالتالي كان سلمان يتقاسم السلطة مع الملك عبدالله، وأصبح وليّ عهده.
في آخر عامين للملك عبدالله في السلطة، كان بإمكانه وراثة السلطة كاملة من السديريين، من خلال تهميش سلمان، وتعيين ابنه متعب وزير الحرس، ولياً لعهده. لكنه وبسبب ضغوط أمريكية تطالبه بتعيين محمد بن نايف كولي عهد.. قرّر الالتفاف وعيّن أصغر أبناء الملك عبدالعزيز، وهو مقرن، ولياً للعهد، مؤكداً في الأمر الملكي بأن لا أحد له الحق في تغيير هذا القرار في أي ظرف كان. وكان الملك عبدالله يؤمل أن يعيّن مقرن ابنه متعب وليّاً للعهد، أو قد تتاح الفرصة ـ في حال تغيرت الظروف ـ ان يعين ابنه ملكاً بعده، ويطيح بسلمان ومقرن معاً.
لكن الملك تأخر، ووافته المنيّة في يناير 2015، وأصبح سلمان ملكاً، وارثاً لكلّ الأجنحة وبيده كلّ السلطات.
أطاح سلمان بولي العهد مقرن، وعزله.
واطاح بجناح الملك عبدالله وأبنائه، ولم يُبقِ لهم سوى وزارة الحرس الوطني، التي لم يمنعه من أخذها منهم، إلا صعوبة تغيير ولاء ضباط الحرس لعبدالله وأبنائه، ما قد يفجّر صراعاً مسلّحاً.
كبار أمراء العائلة المالكة من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز قد تمت ازاحتهم من قبل الملك عبدالله، ما جعل الطريق مفتوحاً للملك سلمان أن يفعل ما يريد، وأن يغيّر من يريد.
وفعلاً، قام سلمان بأول تغييرات شاملة، اطاحت بكل وزراء الملك عبدالله، رغم ان بعضهم قد عُيّنوا تواً ولم يمض على توزيرهم سوى ثلاثة اشهر. التغيير حدث بعد أسبوع من وفاة الملك عبدالله. ويدل حجم التغييرات، على أنها كانت مخططة قبل موت الملك نفسه. اعتبر التغيير الأول في 29 يناير 2015، أكبر تغيير وزاري وغير وزاري في تاريخ السعودية، شمل ثلاثين مرسوماً ملكياً، أزاح فيها الملك، سعود الفيصل من الخارجية، وألغى إثني عشر مجلساً ولجنة، وأمر بإنشاء مجلسين: أحدهما للشؤون الاقتصادية برئاسة ابنه محمد، والثاني للشؤون السياسية والأمنية برئاسة محمد بن نايف، كما وأعفى ابني الملك عبدالله (تركي ومشعل) من منصبيهما كأميري الرياض ومكة، وعيّن ابنه محمد وزيراً للدفاع.
بعد ثلاثة أشهر من هذا التغيير الكبير، وفي اواخر ابريل 2015، أعفى الملك ولي العهد مقرن من منصبه، وعيّن محمد بن نايف ولياً للعهد، وابنه محمد بن سلمان في منصب بمسمى جديد: ولي ولي العهد. ويتوقع البعض ان يزيح الملك محمد بن نايف، ويعين ابنه محمد ولياً للعهد.
بعد ذلك، جرى تغيير وزراء من جديد، كوزير الصحة، ووزير التعليم، الى ان وصلنا الى تغيير وزير المالية ابراهيم العساف، ووزير النفط ابراهيم النعيمي، ووزير العمل الحقباني.
كل ما نريد قوله هنا، ان الملك سلمان، ولأول مرة في تاريخ العائلة المالكة، ومنذ وفاة أبيه عبدالعزيز في 1953، توحدت بيده السلطات، وغاب المنافسون بالموت أو بالعجز او بالقهر، وبالتالي اتيحت له سلطات لم تتح لأحد من الملوك قبله. وبناء على تلك السلطات، كان سلمان دون غيره، قادراً على اجراء تغييرات وزارية او غيرها بشكل سريع، دون الحاجة الى توافقات، او مساومات.
كان ولازال يستطيع أن يعيّن وزيراً في الصباح، ويقيله في المساء.
فالعائلة المالكة ضعيفة مهمّشة، نقصد امراءها الكبار، والمجتمع محكوم بقبضة حديدية، فمالذي يجعل من هذه القرارات المتكررة بتغيير الوزارات او اعضاء مجلس الشورى، كما كان مؤخراً، مسألة ذات قيمة في الأساس؟ فضلاً عن ان تكون دلالة حزم وعزم وشجاعة؟
فشل التغييرات الوزارية وغيرها
التغييرات الوزارية كالتي تتواصل في السعودية، وكذلك تعيين أعضاء جدد في مجلس الشورى، وتغيير مسؤولين على مؤسسات مستقلة، يفترض ان يكون هدفها الأساس: تطوير الأداء، وحل المشاكل القديمة والمستجدّة، وتقديم خدمات أفضل للمواطنين، فيما يتعلق بالوزارات الخدمية.
فلماذا ـ إذن ـ لم تنجح تغييرات الملك سلمان الكثيرة في حلّ أيّ من المشكلات التي يعاني منها المواطن؛ بل وأكثر من ذلك، زاد عليها الملك مشاكل جديدة؟
الملك سلمان وابنه، أوحيا للمواطنين بأن الإشكال في إدارة الملك عبدالله التي رحلت، فما هو العذر بعد أن جاء الملك سلمان بطاقمه هو شخصياً ولم يشارك في وزارته أحدٌ قد تم تعيينه من قبل جناح آخر؟
والملك وابنه، لم يوحيا فحسب، بل صرّح رجالهما، بأن عهد الملك عبدالله شهد فساداً واختلاسات كثيرة، وتردياً في الإدارة، واعتماداً على المحسوبية، وغير ذلك.. إذن، لماذا تمّ نهب أكثر من تريليون ومائة مليار ريال في غضون ثمانية عشر شهراً من حكم الملك سلمان؟
لماذا لم يتقدم وزير إسكان الملك سلمان، الحقيل، خطوة واحدة في حل مشكلة الإسكان، بل ألغى القديم، وفاقم المشكلة؟
لماذا لم يتطور جهاز الصحّة حيث العبث بحياة المواطنين الباحثين عن سرير في مستشفى، والذين لا همّ لهم إلا ارسال نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
أين الملك سلمان والبطالة، وقد غيّر الوزير تلو الآخر، فلم نجد سوى ارتفاع نسبتها اكثر واكثر؟
والفقر لمَ زاد في عهد سلمان؟ ولماذا انكمشت الطبقة الوسطى أكثر فأكثر؟ ولماذا زادت نسبة الجريمة والقتل والإنتحار؟
أي إضافة قدّمها العهد السلماني في التعليم؟ في الحريات العامة، في حرية التعبير عبر وزير اعلامه الطفل عادل الطريفي؟ في السياسة الخارجية التي تُساق من فشل الى آخر؟
عهد سلمان كلّه فشل من أوله الى آخره. ولا يبدو أن تغيير الوزراء والمسؤولين ومشايخ هيئة كبار العلماء وتعيين اعضاء شورى جدد له أية انعكاس اصلاحي في الأداء. لماذا؟ مع أن اعلام آل سعود يتحدث عن ضخ دماء شابّة وجديدة في السيستم، وعن مناهج علمية في الأداء، وعن خطط إبداعية غير تقليدية، وغير ذلك من الكلام الكاذب.
ليست المشكلة مرتبطة بكبر سنّ الوزير، فإذا ما جيء بوزير شاب، حُلّت المشكلة بعبقريته. إذ لو كانت المشكلة مرتبطة بالسنّ، لما أصبح آل سعود ملوكاً حتى التسعينيات من أعمارهم. الملك سلمان يزيد عمره على الثمانين عاماً، فإذا كان القضية تتعلق بتجديد الدماء، فلم لا يبدأ بنفسه فيستقيل؟!
اما اذا كانت المشكلة متعلقة بفشل الوزير في الأداء، فتلك قصة أخرى.
الأمراء الكبار، بمن فيهم الملك، يلقون باللائمة حال الفشل على الوزير او المسؤول، او بالتعبير الشعبي: على «البطانة». ولكن في حال كان الوزير ناجحاً، فأمامه طريقان: سرقة انجازه، واعتبار الانجاز نتيجة عبقرية الملك والأمراء الكبار، وليس بجهد الوزير. أما إذا زادت شعبية الوزير، واقتنع المواطنون بحسن أدائه، فيتم إزاحته، كما حدث مع غازي القصيبي حين تحول الى اسطورة. باختصار: كل فشل في الأداء يُلقى على الوزير؛ وكل نجاح له، يصبّ في مصلحة الأمير او الملك، والوزير لا يستحق حتى الشكر!
وبالنسبة لوزراء سلمان، فإن مشكلاتهم تتضاعف أكثر فأكثر.
فاختيارهم قائم على أساس القرب والولاء. الولاء متوفّر في كثير من النخب. ولكن القرب من الملك نفسه، أو من ابنه، هو الذي يجعل السفيه وزيراً. وإلا كيف يصبح شخص كالحقيل وزير اسكان؟ وكيف يصبح عزام الدخيل وزيراً للتعليم، ورأسماله شهادة دكتوراة مزوّرة؟ ولما انكشف الأمر، تمّ سحبه ببساطة ليرأس شركة الاعلام والتضليل التابعة لسلمان، والتي تمتلك الشرق الأوسط وأخواتها، وهي الشركة السعودية للأبحاث والتسويق.
في أول تغيير وزاري للملك سلمان، كان هناك اربعة وزراء على الأقل هم من العاملين مع محمد بن سلمان، من اصدقائه، او الذين خدموه من قبل.
هكذا محسوبيات، لا تأتي بالأفضل؛ خاصة وأن أكثرهم لا خلفية له بالعمل الإداري ضمن اجهزة الدولة، بل هم طارئون عليها، وليست لديهم الخبرة الكافية لإدارة وزارة، وبالتالي يكون من السهل ان يفشلوا في مهامهم، ولا يفيد آل سعود (ملكهم وابن ملكهم) من ولاء هكذا اشخاص شيئا.
هناك مشكلة أخرى، وهي أن المشاكل انفجرت بوجه آل سعود خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تباعاً.
كل اخطاء الماضي البنيوية، سواء كانت في السياسة او الاقتصاد او الخدمات، انكشف عوارها. واصبح هنالك ارث كبير من القضايا التي هي بحاجة الى حلول، والأهم الى زمن وجهد ومثابرة وتخطيط لحلّها.
كل ملك يورّث فيما يورّث بعد موته، كمية هائلة من المشاكل، فيضيف الملك الجديد مشاكل أخرى عليها، ويعمّق القديم منها، ويقدّمها للملك التالي، وهكذا. انها سياسة ترحيل المشاكل.
هذا النمط من المشكلات المتراكمة، لا يحلّها شخص، بل جهاز بصلاحيات كبيرة، وبتخطيط، وبمراقبة، ومتابعة متواصلة. ولأن كل هذا معدوم، في ظل الفساد المستشري، لا يتم حلّ أي مشكلة.
ولعلنا نذكر هنا ـ على سبيل المثال ـ بمشكلات ثلاث فشل الملوك الواحد تلو الآخر في حلّها: الإسكان؛ والبطالة؛ التعليم.
من الصعب ان يحل وزير أي من هذه المشكلات، فيما الملك سلمان يقرر بين يوم وليلة تغييره. فالتغيير السريع للوزراء، يعني القاء اللائمة عليهم بالفشل دون الامراء، والحقيقة هي ان فشلهم لو تحقق فبسبب قصر المدّة التي بقوا فيها، وبسبب قلّة الصلاحيات والإمكانيات، او بسبب تضارب المصالح كما حدث مع الوزير القصيبي في وزارة العمل. اذ لا يعقل ان ينجح وزير في خفض نسب البطالة، فيما الأمير أحمد او محمد او نايف في وزارة الداخلية يقومون بتوزيع وبيع مئات الألوف من فيزا العمالة الاجنبية.
اما مجلس الشورى، فلا صلاحية له، وهو معيّن كليّاً من قبل آل سعود. وبالخصوص من قبل الملك وابنه. وسواء جعلوا فيه عشرين امرأة أو خمسين، فإن ذلك مجرد ديكور، ولا يمكن لمجلس غير منتخب وبلا صلاحيات أن يقوم بدور المراقبة والمحاسبة.
اذا كنا نبحث عن تغيير حقيقي في الدولة، وفي أدائها، وفي مكافحة فساد طبقتها الحاكمة، فعلينا أن نبدأ بالعائلة المالكة. بتقليص صلاحيتها كحد أدنى، وإزاحتها كحدّ أعلى عن الحكم. فهي مصدر الفساد وكل الشرور.
لا بد ان يكون للشعب دوراً يلعبه، ومادام الشعب مُبعداً عن صناعة القرار المحتكر بيد محمد بن سلمان وأبيه، فإن المستقبل لن يكون مظلماً فحسب، بل أكثر ظلمة وعتمة.