السعودية ومصر: قراءة في الحب الضائع
أنس خالد
جملة من الأسباب الظاهرة هي التي بمقدورنا أن نرجع إليها ونقرأ فيها ذلك الفتور الذي أصاب علاقة الدولتين الجارتين، وإن كنا في الوقت نفسه نتمنى حقيقة زوال كل تلك الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف، وأن تكون أسباب الاتحاد والائتلاف بدلاً منها، وأن يكون بدلاً من الفتور والبرود والجفاء، محبة وتحالفًا وتكاتفًا وتراحمًا مستديمًا واستقرارًا حقيقًا في العلاقات بين دول المسلمين كافة، في وقت نشهد فيه قيام العلاقات الخاصة special relationship وقيام الأحلاف التي تخدم مصالح وسياسات متطابقة، والتحالفات المتممة والتحالفات العقائدية والتحالفات المتبادلة والتحالفات الدائمة والتحالفات الفعالة.
روسيا تستخدم الفيتو ومصر تؤيد القرار الروسي
ففي الوقت الذي أيدت فيه مصر والسعودية مشروع القرار الفرنسي الإسباني الأخير، الذي يطالب بوقف القتال في حلب ووقف الغارات الجوية التي يقوم بها الروس ونظام الأسد فوق المدينة، ويدعو إلى هدنة ووصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المنكوبين، وهو مشروع القرار الذي أجهضته روسيا باستخدامها حق النقض، فإن مصر كانت عصية الدمع وهي تؤيد مشروع القرار الذي تقدمت به روسيا ذاتها والذي يتجاهل وقف الغارات الجوية علي حلب، ويركز بصورة أساسية على إحياء اتفاق وقف الأعمال القتالية، وفصل المعارضة السورية عن جبهة فتح الشام.
وعبر وقتها مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي عن أسفه وألمه من الموقف المصري الذي شطحت فيه مصر بشأن الأزمة السورية بقوله: "من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف العربي من المندوب المصري".
من ناحية أخرى فإن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي أقره الكونجرس في 28 من سبتمبر الماضي والذي يمكّن أهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر من مقاضاة مسؤولين بالسعودية، مثل سببًا ظاهرًا في فتور العلاقات السعودية المصرية بالإضافة إلى السبب الأول الذي أشرنا إليه، وهو القانون الذي ينتهك سيادة الدول، ويجعل الولايات المتحدة حاكمًا أكبر، أو بالأحرى جلادًا أكبر، ومع هذا فإن مصر لم تنتقد القانون صراحة ولكنها أعلنت في بيانها أنها "تتابع عن كثب إقرار القانون وتأثيراته المحتملة على مسار العلاقات الدولية خلال الفترة القادمة"، وهو الموقف الذي نعتقد أنه لم يكن متوقعًا أو محسوبًا، حيال قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الإرهابي.
ربما أرادت السعودية التي دعمت النظام المصري بمليارات الدولارات (حوالي 30 مليارًا خلال السنوات الأخيرة)، أن تسحب دعمها عن النظام المصري الذي يستخدم ثقل مصر السياسي فيما لا يتوافق وسياسات المملكة السعودية الخارجية، وفي ظل انشغالها بحرب اليمن التي دخلت شهرها العشرين وتحول العراق إلى ساحة نفوذ إيراني، وتعسر سياساتها في الملف السوري، إضافة للعجز في الميزانية السعودية الذي بلغ مئة مليار دولار وتسعى المملكة لتعويضه من مصادر غير نفطية في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي لها، أن تسحب دعمها ممن خذلوا المملكة في الملف السوري وغيره من المواقف الكبرى، وهو ما كان واضحًا في توقف أرامكو عن إمداد مصر بالمواد البترولية في أول أكتوبر الحالي، والتي من المفترض أن تمدها بمنتجات بترولية مكررة بواقع سبعمئة ألف طن شهريًا لمدة خمس سنوات.
وأرجع إلى القول الأول، فإن ما ذكرناه هو جزء من جملة الأسباب التي بقدورنا أن نقرأ فيها ذلك الفتور الذي أصاب علاقة الدولتين، وإن كنا في الوقت نفسه نتمنى حقيقة زوال كل تلك الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف وأن تكون أسباب الاتحاد والائتلاف بدلاً منها وأن يكون بدلاً من الفتور والبرود والجفاء، محبة وتحالفًا وتكاتفًا وتراحمًا مستديمًا واستقرارًا حقيقيًا في العلاقات بين دول المسلمين كافة.