هل انتصرت السعودية في حربها ضد إنتاج النفط الصخري الأمريكي؟
فور برس – التقرير
أزاحت السعودية الولايات المتحدة من صدارة منتجي الطاقة في العالم، بحسب آخر بيانات لوكالة الطاقة الدولية نشرت في تقريرها الشهري، الثلاثاء، وأشارت الوكالة إلى أن السعودية أضافت 400 ألف برميل يوميًا منذ مايو، فيما انخفض إنتاج الولايات المتحدة عالي التكلفة بـ 460 ألف برميل.
ومنذ 2014، تصدرت الولايات المتحدة قائمة البلدان المنتجة للخام وغيره من المنتجات البتروكيماوية، بدفع من الزخم الذي خلّفه استخراج النفط الصخري، وبلغ الإنتاج الأمريكي من الخام ومشتقاته والغاز الطبيعي المسال 12.2 مليون برميل يوميًا في أغسطس الماضي، مقابل إنتاج المملكة العربية السعودية 12.58 مليون برميل خلال الشهر نفسه.
وجاء التراجع في إنتاج الولايات المتحدة نتيجة تقلص عدد حفارات التنقيب عن النفط والغاز، ليبلغ مستوى انخفاض قياسي عند 404 حفارات حتى شهر مايو، ووفقا للبيانات الصادرة عن شركة “بيكر هيوز” فقد تعافى هذا العدد منذ ذلك الحين ليبلغ 508 حفارات اعتبارًا من 9 سبتمبر، بحسب ما نقلته وكالة “بلومبرغ”.
من ناحية أخرى، شهدت الاستثمارات في قطاع النفط الصخري تراجعًا لافتًا بنسبة 66% منذ 2014، وكان إنتاج السعودية من النفط الخام قفز إلى 10.65 مليون برميل يوميًا في يوليو المنصرم، قبل أن ينخفض في أغسطس إلى 10.6 مليون برميل.
انتصار مُكلّف
جون كيمب -أحد كتّاب المقالات في رويترز، الذي تقول الوكالة إن هذا المقال يعكس رأيه الشخصي فقط- أكد سابقًا، أنّه يمكن للسعودية في نهاية المطاف كواحدة من المنتجين الأقل تكلفة، وتملك احتياطيات مالية وفيرة، الانتصار في أي حرب أسعار، شريطة أن تدفع الأسعار للانخفاض بدرجة كافية ولفترة طويلة كافية.
أضاف “لكن، ثمة تساؤلات مهمة بشأن ما إذا كانت استراتيجية إغراق السوق، التي تنتهجها السعودية على المدى القصير من أجل تقوية موقفها على المدى البعيد، تستحق التكلفة، والواقع أنه لا يمكن تجاهل التقنيات المعدلة التي أدت إلى ثورة النفط الصخري، وحينما تصعد الأسعار في نهاية المطاف، سيعود إنتاج النفط الصخري للزيادة مرة أخرى في النهاية”.
وتابع: “وسيكون التراجع عن إلغاء مشروعات تقليدية وغير تقليدية أصعب وأبطأ، لكنها ستعود في النهاية إذا تعافت أسعار النفط، وفي الوقت الحالي تكلف الاستراتيجية المملكة أكثر من مئة مليار دولار سنويا، في صورة اقتراض إضافي وانخفاض للاحتياطيات الأجنبية”.
وقال: “وتشير تقديرات وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية إلى أن المملكة ستشهد عجزا في الموازنة عند متوسط 9% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2016 و2019، وتوقعت الحكومة عجزا 13% في موازنة 2016 استنادا إلى سعر النفط عند نحو 45 دولارا للبرميل، بحسب تقديرات وكالة ستاندرد آند بورز”.
وأنهى مقاله قائلًا: “وتتوقع المملكة أيضًا عجزًا في الحساب الجاري لميزان المدفوعات الدولي يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016، وفي 17 فبراير خفضت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني للعملات الأجنبية بالمملكة درجتين من (A+ إلى A-) مع نظرة مستقبلية مستقرة”.
حرب النفط الصخري
مؤسسة كامبيردج لبحوث الطاقة، أكدت أنّ “إجمالي النفط الصخري الاحتياطي المؤكد، الذي تمتلكه المملكة، يعادل 300 مليار برميل”، وعادت إلى تاريخ إنتاج النفط الصخري، وأشارت إلى أنه في أواخر السبعينات، بدأت الولايات المتحدة تطوير التكنولوجيا التي ستمكنها من استخراج النفط والغاز الصخري، ومع الوقت، تمكّنت من تطوير التقنيات للوصول إلى هذه الموارد، وتحسّنت معها عمليات التكسير الهيدروليكي بشكل تدريجي، لتقليص الوقت والتكاليف عند تنقيب النفط والغاز الصخري.
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ضمن تقرير أصدرته في يونيو 2013، يملك العالم 345 مليار برميل من النفط الصخري، الذي يمكن استخراجه تقنيًا، الأمر الذي لم يكن متاحًا سابقًا، ويفوق هذا إجمالي النفط الصخري الاحتياطي المؤكد، الذي تمتلكه السعودية، ففي حال أصبح من الممكن استخراج موارد النفط والغاز الصخري كافة، ستتغير خارطة الطاقة العالمية بشكل جذري.
وأشعلت التطورات الأخيرة في قطاع الطاقة العالمي نقاشات بشأن مستقبل دور السعودية والكويت والإمارات وقطر، حيث توقّع العديد من المحللين أن زيادة التنافسية من موارد الطاقة غير التقليدية ستدفع دول منطقة الخليج إلى خفض حجم إنتاجها، وبالأخص السعودية، حتى تتمكن من الحفاظ على دورها المؤثر على أسعار النفط في أسواق الطاقة، لكن هذا النقاش لم يأخذ في عين الاعتبار عاملًا أساسيًا، وهو أن التطوّرات في تكنولوجيا النفط والغاز الصخري جعلت عملية استخراج هذه الموارد ممكنة من ناحية تكلفتها، مقارنة بأسعار النفط الحالية، أي أسعار عالية، آخذين في الاعتبار بأن تكاليف إنتاج هذه الموارد لا زالت من الأعلى من بين أنواع النفط المختلفة.
تكاليف عالية
من ناحية أخرى، “بحسب مؤسسة كامبيردج لبحوث الطاقة”، لا تزال معظم الاكتشافات لموارد النفط غير التقليدي تعود بتكاليف عالية في إنتاج هذا النوع من النفط، والنفط المستخرج في المياه العميقة لا زال أيضًا يكلّف ثلاث مرات أكثر من تكلفة النفط التقليدي، الذي تنتجه دول مجلس التعاون الخليجي، وتكلفة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والنفط المستخرج من الرمل في كندا يكلّف ما بين 70 وفوق المئة دولار، أي خمس أضعاف تكلفة الإنتاج في السعودية.
ومع أن حدود التكاليف تختلف نسبيًا من محلل إلى آخر، إلا أن الفوارق ما بينها متقاربة جدًا، وقامت مؤسسة كامبريدج لبحوث الطاقة بحساب هذه التكاليف في عام 2008، ومنذها، لم تشهد هذه التكاليف تغييرات ملحوظة، حتى إن كانت التكنولوجيا تطورت كثيرًا، وعلى الرغم من زيادة الإنتاج عامةً، فلم تشهد أسعار النفط انخفاضًا لأن التكلفة الحدية للنفط، الذي يعكس سعر إنتاج آخر وأغلى برميل من النفط لتلبية الطلب، أصبح أعلى بسبب التحديات التقنية في التنقيب في أماكن مثل المحيط المتجمد الشمالي، أو في مياه عميقة التي تتطلب معدات ذات تكاليف عالية، وتشهد مع الوقت انخفاضًا في إنتاجية مكامنها.
وستحتاج دول الخليج لأن تبقى أسعار النفط بمستوياتها العالية، لتلبية احتياجاتها المالية المتزايدة، لكن في حال بلغت أسعار النفط مستويات منخفضة على فترات منتظمة، ستضطر العديد من إنتاجات النفط في العالم إلى تجميد عملياتها بسبب التكاليف العالية التي عليها تكبدها، وهنا تصبح دول الخليج هي المنتجة الوحيدة التي يمكنها تغطية تكاليف الإنتاج، وأيضًا تحقيق الأرباح إن انخفضت أسعار النفط إلى حد ال 40 دولارًا للبرميل، لذا ستحافظ السعودية ودول الخليج الأخرى على دورها الأساسي في أسواق الطاقة العالمية في العقود القادمة.