أولاد العم .. المطبعون !! .. التاريخ السرى لعلاقة آل سعود بالإسرائيليين من الملك عبدالعزيز 1939 .. إلى أنور عشقى 2016

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 14452
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بقلم: د. رفعت سيد أحمد
لم تكن زيارة الجنرال السعودى ورجل المخابرات السابق أنور ماجد عشقى، إلى الكيان الصهيونى، والتى جرت وقائعها خلال شهر (يوليو/تموز 2016) هى الأولى لمسئول سعودى، ولن تكون الأخيرة.
* لكن ..
التاريخ سيسجل أن (عشقى) ودولته سيدخلونه علنياً بعد أن كان سرياً من أسوأ أبوابه، وهو باب (التطبيع) مع كيان محتل لمقدسات وأرض وحقوق عربية، وقاتل لملايين من الضحايا الفلسطينيين والعرب، سيدخل (عشقى) التاريخ من أسود أبوابه وأكثرها مذلة لدولة تدعى حماية الحرمين الشريفين، دولة قدمت مبادرة (للسلام) عام 2002 أحد أبرز شروطها أن التطبيع والعلاقات مع إسرائيل مرتهن بقبولها ورد بعض حقوق الفلسطينيين، ورغم أن ذلك لم يتحقق طيلة الـ 14 عاماً الماضية منذ إطلاق الملك عبد الله لهذه المبادرة فى مؤتمر القمة العربى فى بيروت، إلا أن (عشقى) ودولته، قاما بالتطبيع وإعلان بدء العلاقات السياسية والاقتصادية مع (إسرائيل) مجاناً وفى مخالفة صريحة، حتى لمبادرتهم الفاشلة للسلام !! .
* إذن هو “العشق” التاريخى بين دولة آل سعود والكيان الصهيونى، والذى لم يعد يطيق أطرافه أن يكتموه فلقد برح بهم الشوق والهوى !! .
* صحيح أن المصالح الجديدة المتمثلة فى معاداة للأنظمة الثورية فى المنطقة، ومحاولة بناء حلف جديد يضم السعودية وإسرائيل وبعض الدول فى مواجهة إيران واليمن وسوريا والعراق والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، صحيح أن ثمة مصالح جديدة طرأت وزلازل سياسية حدثت طيلة الفترة من (2011-2016) استدعت إعلان “العشق” السعودى لإسرائيل عبر عشقى ومن قبله تركى الفيصل ! .
* كل هذا صحيح .. لكن التاريخ يقول أن هذا ” العشق ” والعلاقات الدافئة والسرية كان حاضراً دائماً، وفى هذا البحث سنقدم بعض صفحات من تاريخ هذا التطبيع السرى الذى لم تعد (الرياض) تنكره، بل هى تتفاخر اليوم به رغم أنه كان ولايزال فعلاً فاضحاً فى التاريخ العام للأمة والوطن.
***
أولاً : جذور العلاقات السرية بين أولاد العم : آل سعود والإسرائيليين :
يحدثنا التاريخ أنه وقبل إنشاء الكيان الصهيونى فى فلسطين بعد حرب 1948، وتحديداً فى عام 1939 التقى الأمير فيصل بطلب من والده عبد العزيز وفداً يهودياً صهيونياً، إن ثمة علاقات خفية جرت مباشرة بين الأسرة السعودية الحاكمة والكيان الصهيونى، وعلاقات أخرى جرت بطريقة غير مباشرة دخلت فيه واشنطن وبعض عواصم الغرب على خط العلاقات فزادته دفئاً وقوة، ولنتأمل بعض الصفحات .
* إن أول لقاء سعودي – صهيوني يعود تاريخه إلى عام 1939 عندما عقد بلندن مؤتمر حول القضية الفلسطينية حضره الأمير فيصل الذي كان آنئذ وزيرا للخارجية, إذ اجتمع الأمير السعودي عدة مرات منفردا بالوفد اليهودي الصهيونى في المؤتمر حيث كان الملك عبد العزيز يبذل قصارى جهده لتوطيد علاقاته بالأمريكان. وبمرور الوقت وعندما أصبحت القضية الفلسطينية أكثر التهابا أفلح الأمريكان في إقناع الملك عبد العزيز بالتحايل اللفظي من أجل التخلص من المسؤولية التاريخية وذلك بإصدار بيان شديد اللهجة ضد اليهود ولكن دون أي تعهد من جانبه بالعمل ضدهم. وقد ظهر ذلك بوضوح في حرب عام 1948. واستمر هذا الموقف ليكون أساسا للسياسة السعودية حول القضية الفلسطينية مجرد بيانات فارغة ومسايرة للرأي العام العربي لكن من دون أي التزام. ومن الطرائف التى يذكرها المناضل الشهيد ناصر السعيد فى كتابه (تاريخ آل سعود) أن الملك عبدالعزيز دأب حين كان يلتقى الوفود الفلسطينية وبعضها بقيادة الشهيد عبدالقادر الحسينى أن يشير إلى عينه العوراء (والتى اقتلعتها امرأة فى إحدى معاركه ضد الحجازيين) ويقول : فلسطين فى عينى، وأصلاً عينه لم تكن موجودة !! هكذا قال ناصر السعيد !!.
***
* وعندما تسلم الملك سعود الحكم وبدأ مغامراته مع النظام المصري بعد ثورة يوليو 1952 بالاقتراب منها مرة والابتعاد عنها مرات أخرى شعرت إسرائيل بالقلق, واستطاع موفدوها, تحت مظلة شركة “أرامكو”, أن يجدوا طريقهم إلى الملك سعود, ونجحوا في تحريضه ضد عبدالناصر بعد أن أخفقوا في الوصول إلى الأمير فيصل ولي عهده الذي كان معجبا بعبدالناصر وكان يأمل في أن يكون حليفا له في صراعه ضد أخيه الملك سعود. وفي عام 1958 ومع قيام الوحدة السورية – المصرية تدهورت العلاقات السعودية – المصرية إلى حد بعيد, وأصبح الملك سعود مقتنعا بأن عبد الناصر – بعد حرب السويس وقيام الوحدة المصرية – السورية وحل حلف بغداد – يطمع في السيطرة على المنطقة العربية كلها. وكانت إسرائيل تعلم بعلاقات سعود بسوريا ونجحت في إقناعه بضرورة استغلالها لمصلحة العائلة السعودية وإسرائيل لمهاجمة الوحدة والإجهاز عليها. فبدأت بالعمل فورا حيث تم تشكيل لجنة سرية مؤلفة من موظفين يعملان في شركة أرامكو: الأول ضابط مخابرات إسرائيلي يحمل جواز سفر أمريكي ويعمل في قسم العلاقات العامة بالشركة والآخر سعودي غير معروف من أصل سوري. وقد توصلت اللجنة إلى أن عبد الحميد السر اج الرجل القوي الذي يرأس جهاز المخابرات السورية يمكن أن يكون المفتاح لضرب الوحدة, لأنه شخص فوق الشبهات ويتمتع بثقة عبد الناصر الخالصة. فأمطروه بالصكوك المالية التي تسلمها بدوره وأعلن عنها فيما بعد لفضح المؤامرة الموجهة ضد الوحدة المصرية – السورية والتي تتضمن في تفاصيلها اغتيال عبد الناصر. وحين حملت وكالات الأنباء خبر الكشف عن المؤامرة باء سعود بالخسران ووجد فيصل فرصته للانتقام, فسافر إلى القاهرة وقابل جمال عبد الناصر ليتأكد بنفسه من أن المؤامرة قد جرت حقيقة وليست مجرد دعاية معادية. وما أن قدم إليه ملف المؤامرة مع الصكوك المالية وأشرطة التسجيل حتى أعلن براءته منها وحاول استغلالها للمساعدة على إقصاء أخيه سعود عن الحكم.
يحدثنا التاريخ أن إسرائيل لم تهدأ تجاه عبدالناصر . فقد وجدت في سياسة التأميم فرصتها لاستعداء فيصل الذي أخذ يتغير موقفه إزاء عبد الناصر. وبالفعل عبر عن عدائه له علنا. ولم يكن هذا التغير سهلا على فيصل الذي عرف بالحكمة والتأني في اتخاذ قراراته وعدم تغيير موقفه بشكل مفاجئ ودون مبرر قوي. ولكن الأكثر أهمية هو أن عداءه لسعود كان قد دخل في نفس الوقت طور المواجهة الحادة. فلماذا تغير بهذا الشكل وخسر حليفا مهما في العالم العربي كان يمكن أن يساعده في التغلب على أجنحة سعود الأخرى؟.
في كلية فيكتوريا في الإسكندرية (أوائل الخمسينات) التي كانت في الحقيقة مركزا لتجنيد وتخريج عملاء الإمبراطورية البريطانية كان هناك ثلاثة طلاب يدرسون في صف واحد وهم: شخصية عربية تبوأت عرش الملكية في دولة عربية مشرقية (الملك حسين) وكمال أدهم صهر الملك فيصل والذي أصبح فيما بعد مديرا للمخابرات السعودية وعدنان خاشقجي الذي أصبح فيما بعد من أهم تجار السلاح في العالم وذا علاقات وثيقة بالمخابرات الأمريكية – الإسرائيلية. وقد استطاعت المخابرات الأمريكية تجنيد الثلاثة وغيرهم لتحمل المسؤوليات الموكولة إليهم: الأول ملكا وكمال أدهم مستشارا لفيصل ومسئولا عن المخابرات بينما اختار عدنان خاشقجي حقل الاتجار بالأسلحة والعلاقات السياسية العامة(وهذه هي الطريقة المهذبة لتجنيد العملاء).وعندما تبلورت شخصية عبد الناصر السياسية بعد انتصاره في تأميم قناة السويس وفشل نظرية ملء الفراغ الأمريكية التي عرفت فيما بعد بمشروع إيزنهاور أدركت أميركا أن رهانها على عبد الناصر كان خاسرا, وتوصلت المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية إلى وجوب تحجيم عبد الناصر وتخريب علاقاته بالحكام العرب, ذلك أنه رغم الفائدة المجانية من أسلوبه في الحكم فإن شعبيته الواسعة يمكن أن تشكل خطرا شديدا على مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
كان هذا الوقت ملائما لمجموعة فكتوريا لكي ينهضوا بمسؤولياتهم, فبدأ الملك المذكور بإرسال تقارير إلى العربية السعودية ضد عبد الناصر محذرا من طموحاته في المنطقة. وأخذ كمال أدهم يحشو رأس فيصل بالمعلومات الخاطئة التي عززها بالمعلومات الأمريكية التي استطاع الحصول عليها مباشرة من الأمريكان أو عن طريق خاشقجي. وعندما نجحت هذه المجموعات في مهمتها تدخلت آرامكو للمرة الأولى فأرسلت للملك سعود تقريرا مفصلا لما أسمته بـ”تحركات عبدالناصر” وكانت المؤامرة التي أنهت الوحدة المصرية السورية عام 1961 ذروة النجاح لتلك الجهود.وكان التمويل والتعاون بالطائرات والأسلحة والمؤامرات السياسية بين السعودية وإسرائيل فى حرب اليمن لاستنزاف عبدالناصر فى اليمن(كما سنفصل لاحقاً) .
ووفقا للمصادر الإسرائيلية فقد تحركت العربية السعودية لمهاجمة عبد الناصر وفكرة الوحدة العربية. وكان مؤتمر شتورا في لبنان تتويجا لهذا الهجوم. وفي نفس الوقت شاركت الصحافة اللبنانية التي بدأت السعودية بالسيطرة عليها في حملة دعائية ضد عبد الناصر لم يسبق لها مثيل. وفي هذه الأثناء تم تكوين أول مجموعة عمل إسرائيلية – سعودية مشتركة كانت تواصل اجتماعاتها في إحدى الشقق ببيروت بهدف توجيه الوضع العربي وفق خططها. وبعد ذلك انضمت إيران – الشاه – إلى المجموعة بعد ما وصل عداؤها لعبد الناصر حدا لا عودة بعده. وكانت المهمة الموكولة لتلك المجموعة هي:
1- صياغة نظرية سياسية متلبسة بلبوس الإسلام متعاطفة مع الغرب لاحتواء أي آثار جانبية لحركة القومية العربية ضد الغرب.
2- تحجيم عبد الناصر.
3- نشر وتعزيز فكرة التحالف العربي – الغربي تحت قيادة أميركا وجعلها مستساغة في الأقطار العربية.
وقد أخذت المجموعة في اعتبارها جميع التجارب التي فشلت سابقا مثل حلف بغداد والحلف الإسلامي ومشروع ايزنهاور. وعكفت على إعداد خطة لتحقيق تلك الأهداف وكانت المهمة صعبة بسبب الظروف الاجتماعية المعقدة في المنطقة، إلا أن حرب اليمن وتورط عبد الناصر فيها تكفلت بالأمر كله.وبعدها هزم عبد الناصر في عام1967 ثم جاءت السبعينات والثمانينات لتمثل سنوات ازدهار في مجال العلاقات السعودية الإسرائيلية السرية والآن العلنية .
فهل أمثال هؤلاء جديرون بالإشراف على الأماكن المقدسة في الحجاز، أو جديرون بأن يؤتمنوا على القضية الفلسطينية. سؤال للأمة وعلمائها وإعلامييها؟! .
***
ثانياً : التعاون السعودى الإسرائيلى فى حرب اليمن ومقاتلة عبدالناصر :
كشفت بعض وثائق المخابرات الأمريكية والإسرائيلية التى صارت معلنة؛ الآن عن حقائق مذهلة عن التعاون التاريخى بين الكيان الصهيونى والكيان السعودى ضد عبدالناصر وضد الشعوب العربية وكانت حرب اليمن نموذجاً، لقد انفجرت ثورة اليمن (26 سبتمبر 1963) التى قلبت الوضع كله رأساً على عقب حيث تدخلت مصر لتأييد الثورة فتزايد الخطر على العائلة السعودية الحاكمة التى اعتقدت أن الثورة فى اليمن وتأييد مصر لها يعنى بداية خلق صراع فى المملكة وحفز المعارضة السعودية غير الظاهرة للعيان على البروز .
وفى غمرة ارتباك السياسة السعودية إزاء الثورة اليمنية ومع تزايد حدة الصراع على الحكم بين سعود وفيصل قام كل من الملك المذكور وكمال أدهم وعدنان خاشقجى (مجموعة فيكتوريا) بدورة ناشطة وفقاً لتوجيهات المخابرات المركزية الأمريكية ، وكان ذلك تحت إمرة مباشرة من قبل رئيس مجلس الأمن القومى الأمريكى فى ذلك الوقت المدعو روبرت كومر الذى كان على صلة قوية بإسرائيل وأرامكو .
وقد جابهت هذه المجموعة مشكلة صعبة وحادة فى شخص الرئيس الأمريكى جون كيندى الذى كان على علاقة حسنة مع عبد الناصر حيث كان بين الاثنين إعجاب متبادل لدرجة أنه اقتنع بالاعتراف بالثورة اليمنية وأخبر فيصل رسمياً أن مخاوفه من عبد الناصر والثورة اليمنية أمور مبالغ فيها وأن على العائلة السعودية أن تصرف اهتماماتها إلى تطوير بلادها بدلاً من أن تخوض خصومات لا مبرر لها .
***
* غير أن رسائل كومر باعتباره مسؤولاً عن مجلس الأمن القومى الأمريكى استمرت بالوصول إلى كيندى وركزت على نقطة الضعف لدى أى رئيس أمريكى وهى ضرورة حماية أمن إسرائيل وتجنب معاداة السامية وقد طلب من الرئيس الأمريكى أن يخبر الأمير فيصل لدى اجتماعه به فى تشرين الأول (أكتوبر) عام 1962 ما يلى :
1 – إن مساعدتنا لمصر تهدف إلى كبح جماح عبد الناصر واحتوائه وليس إجباره على الارتماء فى أحضان السوفييت .
2 – إنه من الضرورى للمملكة العربية السعودية أن لا تتبع سياسة التمييز ضد اليهود الأمريكان العاملين فى المملكة ، وإذا لم يحترم السعوديون هذا العهد الذى قطعه الملك سعود فسوف يكون تأثير ذلك سلباً على علاقات الصداقة السعودية – الأمريكية لأن إسرائيل وجدت لتبقى دائماً .
وقد أبلغ فحوى الرسالة إلى فيصل وكان الهدف منها ثنيه عن أية خطة لديه للتعامل مباشرة مع إسرائيل لمجابهة عبد الناصر وفى غضون أيام قليلة وصل فيصل إلى لندن لمناقشة كيفية معالجة الوضع فى مواجهة الثورة اليمنية والتدخل المصرى اللذين كانا خطراً يهدد كلاً من الحكم السعودى واستمرار الوجود البريطانى فى اليمن الجنوبى ، بل ويشمل فى تهديده كل منطقة الخليج وتدفق النفط الذى يشكل شريان الحياة بالنسبة للغرب .
وتحرك على الفور كومر مع مجموعة فيكتوريا ، وإذا كان كنيدى لا يريد اتخاذ موقف أمريكى بشأن اليمن استجابة للضغط السعودى فإن البريطانيين كانوا مستعدين ليفعلوا ذلك لأنهم شعروا بالخطر المباشر فى عدن ، آخر معقل للإمبراطورية البريطانية فى الوطن العربى والذى يسعى عبد الناصر لإزالته .
كانت الاستراتيجية الإسرائيلية هى أن تضع ولأول مرة فيصل على اتصال مباشر مع إسرائيل بواسطة عضو مجلس العموم البريطانى المحافظ الصهيونى الميول الذى ترأس ما يسمى جماعة السويس المدعو جوليان إيمرى ” وذلك بالتعاون مع النائب ثم الوزير البريطانى دنكان سانديز الذى كان يزيد على الإسرائيليين فى عدائه لعبد الناصر ولكى يعطى الاجتماع أهمية خاصة قام السير دوجلاس وايت رئيس جهاز التجسس البريطانى ” إم .آى سكس ” بتقديم فيصل إلى إيمرى وحضور القسم الأول من الاجتماع .
وفى كتابه ” الصراع على اليمن ” ذكر إيمرى أنه أخبر فيصل بأن نجاح الكولونيل عبد الناصر فى الحصول على موطىء قدم فى الجزيرة التى هى مركز أهم الاحتياطات البترولية فى العالم العربى والعالم قاطبة ينذر بالشر وينبغى على جميع الأطراف المتأثرة مصالحها مقاومته . وقد أخبر فيصل أن أية محاولة لمواجهة ناصر عسكرياً سوف تسحق ، وأن الحل هو إقحام اليمن فى حرب أهلية يكون لإسرائيل فيها دور أساسى ومباشر . هذا بالإضافة إلى إيجاد تحالف قوى بين النظامين السعودى والأردنى وإنهاء حالة التوتر الموجودة بينهما .
وفى ذات الاتجاه سعت بريطانيا رسمياً محاولة تغيير الموقف الأمريكى إزاء ناصر والثورة اليمنية .
***
قاعدة إسرائيلية فى السعودية :
وشهدت المناقشات بين لندن وواشنطن خلافات حادة حول الأسلوب الأمثل لمعالجة الأزمة اليمنية ، وللتعامل مع عبد الناصر فى اليمن ، وقد ارتاعت لندن من إلحاح كنيدى على إيجاد تسوية فى اليمن مادامت بريطانيا لا تعتبر الثورة حركة ضارة ، لذلك تحركت بالتعاون مع إسرائيل لإثارة القوى الضاغطة ممثلة بشركات النفط والبنوك التى إذا ما وجهت ضغوطها استطاعت أن تنجز شيئاً .
وعلى الرغم من كل ذلك فإن كيندى اعترف بالنظام الثورى فى اليمن وإن كان اعترافه هذا مصحوباً ببعض الشروط ، وعلى ما يبدو فإن فيصل ربما كان مقتنعاً بأن التعاون مع إسرائيل يجب إلغاؤه بعد الإطاحة بسعود وتتويجه ملكاً مكانه ، ولكن موافقته فى اجتماع تشرين الأول (أكتوبر 1962) على التعاون السعودى الإسرائيلى لمهاجمة الثورة وعبد الناصر أوجدت وضعاً على أرض الواقع لا يمكن إلغاؤه أو التخلص منه بسهولة ، ويعتبر هذا التعاون مهماً جداً كونه أول تعاون تآمرى مع إسرائيل موجه ضد أكثر من دولة عربية ولتدعيم هذا التعاون نجح كومر فى إجبار أمريكا على إرسال سرب جوى إلى المملكة العربية السعودية للبقاء هناك تدليلاً على تصميم أمريكا على الدفاع عن النظام السعودى ومنع أى هجوم على حدوده وقد تم ذلك بسبب إلحاح الخطة السعودية – الإسرائيلية عليه .
تمكن خاشقجى من الحصول على ميزانية غير محدودة لشراء جميع الأسلحة اللازمة للمرتزقة الإسرائيليين والبريطانيين الذين تقرر إرسالهم إلى اليمن ، وكذلك لتسليح القبائل التى انحازت إلى جانب الملكيين والسعودية .
كذلك حصل كمال أدهم على ميزانية مفتوحة لرشوة القبائل اليمنية ومواجهة متطلبات الجانب الإسرائيلى تحت ستار مساعدة العناصر اليمنية وبالإضافة لكل ذلك اتخذت إجراءات أخرى مثل :
1 – استئجار الجنود المرتزقة العائدين من بيافرا والكونغو .
2 – اعلان جوليان إيمرى النائب البريطانى الصهيونى ودنكان سانديز عن تشكيل مكتب باسم ” لجنة الدفاع عن اليمن الإمامية ” مستخدمين الضابط البريطانى المرتزق جون كوبر لشراء وتأجير المرتزقة وشكلت وحدة عمل لهذا الغرض مقرها فى سلون ستريت بلندن .
3 – تشكيل إيمرى مع فتزورى ماكلين زوج ابنة هارولد مكملان لجنة فى مجلس العموم البريطانى تحت شعار ” عدن لن تلحق السويس ” هدفها الإعلان مباشرة أن بريطانيا تدعم وتشارك فى كل شىء يفعله النائب الصهيونى المحافظ جوليان إيمرى.
4 – تحرك الضابط البريطانى المرتزق جون كوبر عبر الحدود السعودية إلى منطقة الجوف اليمنية ليشكل أو لوحدة عمل سعودية إسرائيلية مشتركة لتوجيه جنود المظلات الإسرائيليين من أصل يمنى الذين سينزلون ليذوبوا فى المجتمع اليمنى كما هو مقرر حيث سيقودون عمليات تخريبية .
5 – افتتاح مكتبين لتجنيد المرتزقة أحدهما فى لندن والآخر فى عدن لنفس الغرض . وقد كان المكتب الثانى تحت إشراف سكرتير الحاكم البريطانى فى عدن الضباط فى القوات الجوية الملكية (أر.أ.اف) انتونى الكسندر بويل كما أشارت صحيفة الأوبزرفر البريطانية فى عددها الصادر فى 9 آيار (مايو) عام 1964 ، وذكره أيضاً انتونى ماكلير فى كتابه ” المرتزقة ” .
6 – كما كان مقرراً أن تتحرك بريطانيا بواسطة هؤلاء المرتزقة عبر الحدود بينما تتحرك إسرائيل من جدة وجيبوتى لإنزال الأسلحة لهؤلاء المرتزقة ومؤيديهم فى الجبال اليمنية .
7 – افتتاح مكتب ارتباط سعودى – إسرائيلى ببيروت إبعاداً لتلك الأنشطة عن الأراضى السعودية ، وقد أقلق وجود المكتب فؤاد أيوب اللبنانى آنذاك فأرسل تفاصيل نشاطه إلى القاهرة لكى يحمى نفسه من عواقب نسج المؤامرات فى لبنان ضد مصر .
وكان هدف العملية الإسرائيلية البريطانية السعودية المشتركة استنزاف طاقات مصر فى اليمن ومحاولة إسقاط النظام الثورى هناك ، وقد لعبت المخابرات السعودية دوراً أساسياً وخطيراً جداً فى تاريخ العرب الحديث بتبذيرها المال على إسرائيل وتآمرها السرى معها، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه ربما كانت السعودية هى الممول الحقيقى لتطبيق فكرة الغزو الإسرائيلى للأرض العربية عام 1967 . وكان أيضاً الطرف العربى الوحيد الذى عرف بخطة الغزو عشية الخامس من حزيران/يونيو عام 1967 وكان إلى الجانب الإسرائيلى فى أغلب الحروب – رغم الإدعاءات والأوهام التى روجت عن حرب النفط عام 1973 – وما يجرى اليوم ضد سوريا ولبنان (حزب الله) وقوى المقاومة الفلسطينية، بل وضد مصر فى سيناء مع جماعات الإرهاب الوهابية، وبعد مهزلة التنازل المصرى عن جزيرتي تيران وصنافير، والذى جاء لكى تضع السعودية وبأوامر أمريكية قدماً لها فى اتفاقية كامب ديفيد وأن تكون بداية للتطبيع والعلاقات العلنية بدل تلك السرية.. كل هذه الأدوار السعودية التاريخية تؤكد على الروح التآمرية ضد قضية العرب المركزية قضية فلسطين، وتؤكد أنها تخدم وتعمل بإخلاص لصالح العدو الصهيونى منذ نشأت المملكة (1932) وحتى يومنا هذا (2016).
***
ثالثاً : صفحات سرية من علاقة أولاد العم : آل سعود وآل صهيون :
نعم .. هم أولاد عم سواء صدقنا رواية المناضل القومى الشهيد ناصر السعيد فى كتابه المرجع (تاريخ آل سعود) أو لم نصدق، والذى أثبتت فيه بالدلائل والقرائن الموثقة الأصل اليهودى لأسرة آل سعود وأنهم بالأصل (آل مردخاى) نقول سواء صدقنا ناصر السعيد أو لم نصدقه فإنهم أولاد عم بل أشقاء من حيث السياسات والأدوار الإقليمية التخريبية فى المنطقة منذ نشأة كلا الكيانين (الكيان السعودى 1932 وقام على الدم وقتل القبائل المنافسة) و(الكيان الصهيونى وقام عام 1949) أيضاً على الدم وحقوق الآخرين.
على أية حال يحدثنا التاريخ الحديث نسبياً أن عدداً من الشخصيات السعودية الرئيسية كان لها دوراً تاريخياً فى التطبيع مع العدو الصهيونى من هؤلاء يأتى كمال أدهم صهر الملك فيصل ورئيس المخابرات السعودية فيما بعد والملياردير عدنان خاشوقجى تاجر السلاح المعروف وصاحب الحظوة والوزن والصلات الوثيقة بملوك السعودية جميعا والذين درسا معا فى الأربعينيات فى مدرسة فيكتوريا بالإسكندرية (ومعهم الملك حسين كما سبق وأشرنا) وتصادقا وبمرور الأيام نقلا ولائهما إلى المخابرات المركزية الأمريكية وساهما بفاعلية فى تموين حرب اليمن بالمرتزقة والسلاح وبإمداد الإسرائيليين بالأموال اللازمة للقيام بنقل المرتزقة وجنود المظلات من جدة وجيبوتي إلى اليمن للمشاركة في إسقاط النظام الجمهوري الوليد (وسبق أن أشرنا فى المحور الأول لخلية فيكتوريا بالقدر من التفعيل).
*وحيث كان خاشوقجى صديقا وشريكا فى تجار السلاح مع ديفيد كيمحى رئيس الموساد فى أوربا وآل شويمر المدير السابق لمصانع الطائرات الإسرائيلية وتاجر السلاح ومن خلالهما تعرف على العديد من المسوؤلين الإسرائيليين (بيجن ،بيريز،شارون..وآخرين) فإنه قام وبموافقة الملك الراحل فهد وتحت إشراف بندر بن سلطان سفير السعودية فى واشنطن وقتها بعديد من اللقاءات مع العديد من الحكام والسياسيين العرب والإسرائيليين وتقديم التقارير للمخابرات الأمريكية وعلى سبيل المثال تقرير كتبة وسلمة لروبرت ماكفرلين مستشار الرئيس لشئون الأمن القومى فى 17/5/1983 من 47 صفحة يزعم فيه (أن جميع الدول تعترف ضمنا بأن القدس ستبقى فى أيدى إسرائيل عند إبرام تسوية) (صموئيل سينان – الصحفى الإسرائيلي فى كتابة عن العلاقات الإسرائيلية).
* ولم يكن سلوك أعضاء خلية فيكتوريا بعيدا عن سياسات دولهم فى ارتباطها المباشر بالمصالح الغربية والمعادية فى نفس الوقت الوقت لمصالح شعوبهم . وكانت أبرز الأمثلة على ذلك ماتم بشأن الوحدة المصرية السورية وما حدث بعدها فى اليمن .
لكن الأدعى بالملاحظة هو الدور الذي لعبته المملكة السعودية في تلك الحملات التي لم تنقطع يوما ضد اى تحرك شعبي يحمل شبهة العداء للاستعمار والقوى الغربية في المنطقة فقد كان حكام السعودية وملوك آخرون أمريكيين أكثر من الأمريكان ودون مناقشة لدور السعودية اليوم (2016) فهو فاضح لنفسه من غير مواربة، وهو شديد الوضوح فى خدمة المشروع الأمريكى والصهيونى إلى حد لم يعد يحتاج إلى بيان، لكن .. دعونا نتجه إلى الماضى قليلاً:
* فعندما تنشر صحيفة الجار ديان اللندنية في 15/3/1995 [أن إسرائيل ساعدت الملك الحسن الثاني ملك المغرب على هزيمة مقاتلي جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية الغنية بالفوسفات ببناء حاجز ترابي هائل يمنع هجمات مقاتلي الجبهة عن الجيش المغربي].
فإننا نتفهم الأمر لأن دور إسرائيل في المنطقة معروف.. لكن عندما يصرح السفير الأمريكي في المغرب للتليفزيون البريطاني [.i.tv](بأن الحاجز المذكور تكلف مليار دولار دفعتها السعودية ) لأيقنا أن دور السعودية في مواجهة الشعوب وحركات التحرر قد أصبح دورا إقليميا ولم يقتصر على محيطها الجغرافي المباشر .
* ويتكشف دورها ويتضح أكثر إزاء شرائها لكميات هائلة من الأسلحة الإسرائيلية فى بداية الثمانينات ضمنها ضابط المخابرات الإسرائيلي فيكتور أوستروفسكى فى كتابة الشهير الذي نشرة بكندا وفشل إسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل آنذاك في منع نشرة عن طريق القضاء حرصا على إخفاء أسرار العلاقات الإسرائيلية السعودية بعيدة عن أسماع الشعوب العربية، يقول أوستروفسكى :[ أن المملكة السعودية تشترى كميات كبيرة من الأسلحة المصنوعة في إسرائيل وقد علمت من القسم المسئول عن السعودية في الموساد أن إسرائيل تبيع ـ عبر دولة وسيطة – خزانات وقود للطائرات السعودية المقاتلة (f15) لتمكينها من الحصول على مزيد من الوقود لإطالة الرحلة إذا ما دعت الحاجة لذلك ]وقد أكدت الخبر مجلة جينز العسكرية في 21/7/1984 .
* ويعطى الصحفي الإسرائيلي ( ستيف رودان ) في الجيروزاليم بوست فى 17/9/1994 تفصيلا أدق للمسألة عندما يقول ( أن حرب الخليج عام 1991 قد شكلت منعطفا هاما بالنسبة لصناعات إسرائيل العسكرية لأنها مكنتها من بيع الأسلحة الإسرائيلية على نطاق واسع للولايات المتحدة وحلفائها العرب ، فمثلا اشترت السعودية منها منصات إطلاق صواريخ توماهوك ، وقذائف مضادة للدروع ، وطائرات استطلاع بدون طيار ، وأجهزة ملاحة ، فضلا عن 14 جسر عسكري صنعتها شركة تاس الإسرائيلية سعر الجسر الواحد مليون دولار ) ويضيف الخبيران الأمنيان ( ميليمان ، رافيف ) [ أن إسرائيل شحنت للسعودية مناظير للرؤية الليلية ومعدات لزرع الألغام وقد أمر الجنرال شوارتزكوف قائد قوات التحالف الغربي ضد العراق بإزالة جميع الكتابات العبرية المنقوشة على الأسلحة حتى لا يكتشف أحد منشأها ] .
***
* ويكفى لفضح ادعاءات البيانات السعودية شديدة اللهجة المدعية (رفض التطبيع) ما عرضة التليفزيون البريطاني إبان حرب (العراق/الكويت 1991) من صور لجنود من اليهود الأمريكيين وهم في وضع الصلاة ، وما علق بة مقدم البرنامج على الصور قائلا [هؤلاء الجنود يصلون على أرض العرب من أجل أن يساعدهم ربهم على هزيمة العرب].
* ثم يأتي الخبير العسكري ( سليج هاريسون ) ليبرز في كتابة ( الحرب ذات الكثافة المحدودة ) أبعاد عمليات التمويل وطرقها قائلا ( إن مصدرا رفيعا في المخابرات الأمريكية أبلغة على سبيل المثال أن المخابرات الأمريكية دفعت 35 مليون دولار عام 1986 لإسرائيل من الأموال السعودية لشراء بعض الأسلحة التي غنمتها إسرائيل من الفلسطينيين اثنا غزوها لبنان عام 1982 ثم قامت بشحنها جوا إلى باكستان لتوزيعها على المجاهدين فى أفغانستان) (مداولات مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1987 ص 203 ) . وتضيف النيويورك تايمز في 6/3/1987 [ أن آل سعود يستخدمون (البنك) دبلوماسيتهم الصامتة في العالم العربي والإسلامي ولخدمة المصالح الأمريكية ، ويقوم البنك بالتالي بإرسال الأموال إلى ميامى في أمريكا من خلال بنك آخر هو A.b.c في جزر الكيمان].
* أما عن عمليات التبادل التجاري فكتب ألكسندر بلاى فى (جيروز اليم كوارتلى) يقول :[إن النفط يغادر المواني السعودية وما أن يصل إلى عرض البحر حتى يتم تغيير مسار القافلة وتفريغ حمولتها في عرض البحر وتزييف أوراقها وتحويل الحمولة إلى المواني الإسرائيلية] .
* وتتحدث مجلة الإيكونوميست البريطانية [ إن إسرائيل تقوم بحماية النفط السعودي الذى يضخ من ميناء ينبع على البحر الأحمر ، وعملا باتفاق سرى إسرائيلى سعودى مصرى فإن إسرائيل تقوم بموجبه بحماية القطاع الشمالى من البحر الأحمر بينما تقوم مصر بحماية القطاع الجنوبى والغربى مقابل حصولهم على مساعدات مالية سعودية] ونعتقد أن هذه الترتيبات السرية والأمنية فى مجال النفط والتى ذكرتها الإيكونومست لاتزال سارية حتى يومنا هذا 2016 .
***
* ولا يقتصر الأمر على علاقات سرية بهذا الاتساع والعمق فى تجارة السلاح والنفط بل تجاوزها الى مجالات أخرى متعددة منها قيام الشركات والحكومة السعودية باستيراد أجهزة كمبيوتر إسرائيلية ماركة ( ياردين ) لرى حدائق الأمراء والحدائق العامة (يديعوت أحرونوت16/12/93) ، ومنها عقد اتفاقيات رسمية لتصدير الحمضيات الإسرائيلية ( برتقال ـ ليمون ) عبر الأردن (معاريف 4/1/95) ، بينما تذكر صحيفة معاريف فى 29/10/93 أن شركة سعودية اتصلت بمكتب المجلس المحلى لمستوطنة (كرنى شمرون) وأبدت استعدادها لشراء شقق سكنية بالمستوطنة ، ليس هذا فقط بل إن المفاوضات التي جرت مع دولة قطر لتزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي قد خلقت تنافسا بين رجال الأعمال العرب بحيث أبدى رجال الأعمال السعوديين الموجودين حاليا في زيارة لإسرائيل اهتماما على ما يبدو ليس فقط بعقد صفقات نفط بل أيضا ببيع الغاز الطبيعي ( دافار 1/2/94 ).
* أما عن المجال الرياضي فقد نشرت صحيفة البوست في 24/7/1989 [ أن فريق نشء وادي شارون الإسرائيلي لكرة البيسبول قد التقى مع الفريق السعودي في دورة رياضية في قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية المقامة في ألمانيا الغربية .
* في حين ذكرت مجلة الفجر التي تصدر فى القدس في 14/5/1992 أن رئيس بلدية القدس (تيدى كوليك) قد اجتمع مع الشيخ إسحق إدريس مستشار الرابطة الإسلامية العليا بالرياض الذى وصل على طائرة شركة العال الإسرائيلية قادما من القاهرة وهى أول زيارة تقوم بها شخصية دينية على هذا المستوى ، وقد سلم كوليك إدريس تمثالا من النحاس لقبة الصخرة وعبر له الشيخ إدريس عن رغبته في الحصول على صورة تشتمل أيضا على حائط المبكى .
* لكن الدهشة من كل ما سبق تتراجع إزاء ما ذكره ( مليمان،رافيف ) فى كتاب لهما بعنوان ( كل جاسوس أمير ) يقولان فيه :[ إن جهاز المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) قد فوجئ بتحركات مستقلة للثلاثى ( خاشوقجى ، نيمرودى ، آل شويمر ) مع العديد من المسئولين الإسرائيليين .. وكانت تلك التحركات عن طريق شارون الذى صار وزيرا للدفاع وعلا نجمة وأعلن فى خطاب فى ديسمبر 1981 عن امتداد مصالح إسرائيل الأمنية والإستراتيجية من أواسط إفريقيا وشمالها .. وحتى باكستان ، وقد حصل الثلاثي على وثيقة سرية كتبها ولى عهد السعودية آنذاك الأمير فهد اسمها ( خطة فهد للسلام ) لتسليمها للسلطات الإسرائيلية والتى تلتها مبادرة شقيقه الراحل (عبدالله) المسماة المبادرة العربية للسلام (2002).
* ولكن الدهشة تقل تدريجياً عندما يعترف خاشوقجى فى عيد ميلاده الـ 55 والذى احتفل به فى مدينة السينما “كان” لمراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت بالقاهرة (سامدار بيرى) أن (عملية موسى) لتهجير يهود الفلاشا الإثيوبيين إلى إسرائيل والتي نفذتها الولايات المتحدة وإسرائيل والسودان عبر الأراضى السودانية قد تمت في منزله خلال اجتماع سرى عقد فى مزرعته الخاصة بكينيا عام 1982 وحضره كل من جعفر نميرى وشارون وزوجته ونيمرودى وزوجته وآل شويمر ، ورئيس المخابرات الإسرائيلية ناحوم إمدونى ) ( مجلة الدستور 20/8/1990 ) وتواصل سامدار بيرى حديثها عن التعاون الأمني بين خاشوقجى والإسرائيليين قائلة [ إن خاشوقجى نصح الإسرائيليين بقولة : أقترح أن تسلموا السلطة إلى صديقي إريك ( يقصد إرئيل شارون ) وعندئذ سيكون كل شئ على ما يرام ] .. وبعد 20 سنة من هذا الحديث تولى شارون السلطة .. وأصبح كل شئ في منطقتنا على ما يرام من ذبح واستيطان وأسر لآلاف الفلسطينيين تماماً وفق ما تمنى وسعى إليه كل من خاشقجي وآل سعود !! .
* أما القضية الفلسطينية التي اتبعت المملكة السعودية إزاءها سياستان كعادتها إحداها فى العلن للاستهلاك العربي والأخرى في الخفاء.. بناء على نصية تاريخية قديمة للرئيس الأمريكي ترومان للملك عبد العزيز آل سعود عام 1939 فلم تخرج عن الآتي:
1 – الضغط على الفلسطينيين حيث ذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عام 1987 [أن السفير السعودي في واشنطن آنذاك بندر بن سلطان قد ذكر أن السعودية تضغط على منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة على زعيمها ياسر عرفات لإصدار بيان تعترف فيه بإسرائيل].
وهو ما أكده خاشوقجى عند محاولته عقد لقاء بين عرفات وشيمون بيريز في مؤتمر فاس بالمغرب .
2 – ليس هذا وفقط فقد أذاع راديو إسرائيل فى 19/11/1991 [أن بندر بن سلطان قد أعلن أن السعودية لا تعتبر نفسها طرفا فى النزاع الشرق أوسطي وهى تقوم حاليا بدور كبير لدى الأطراف العربية لحل النزاع سلميا] بينما كان بندر بن سلطان صاحب هذا التصريح يعد العدة لاستقبال وفد أمريكي إسرائيلي في الرياض بسرية تامة حيث طلب من الإسرائيليين استخدام جوازات سفر غربية، ويعتبر الوفد من أنشط عناصر الحركة الصهيونية على الساحة الأمريكية، وقد طالب الوفد من المسئولين السعوديين بالضغط على الدول العربية لإلغاء المقاطعة العربية لإسرائيل، ووقف دعم حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، وقطع المساعدات عن الانتفاضة، ووقف العمليات العسكرية فى لبنان والإفراج عن الطيار الإسرائيلي الأسير (رون أورد) في لبنان] (صحيفة الشعب المقدسية 2/11/1992)
3 – أما القنبلة التي فجّرها بندر بن سلطان في اجتماعه مع الجالية اليهودية في نيويورك بمنزل الملياردير اليهودي تسفي شالوم فكانت حسبما ذكرت صحيفة معاريف [كان الاجتماع سريا وودودا للغاية وأكد بندر بأن الرياض ليست لديها تحفظات على سياسة إسرائيل في مواجهة العنف في المناطق المحتلة ] أى أن السعودية توافق على مذابح إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وكل قمع انتفاضاته المتواصلة .. وهل هناك عجب أنها تصريحات أولاد العم، لبعضهم البعض !! .
4 – لكن الأكثر دوياً من التصريح السابق فكان تصريحا لاحقا لبندر أيضا خلال لقائه بعدد من الزعماء اليهود نقلته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية يقول فيه: [ إن السعودية غير مستعدة للقبول بالحل المبنى على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وأنها ستؤيد فقط إقامة إتحاد بين الفلسطينيين وبين الأردن ( إتحاد كونفيدرالى ) ].
***
في عام 1987 نفت وزارة الصحة السعودية أنباء عن اتصالات سرية بين المملكة والكيان الصهيوني لإنشاء مركز إقليمي متخصص فى عمليات زرع الكبد في الشرق الأوسط ، وفى عام 1991 إبان غزو الكويت أعلن ديك تشيني أن حوالي 7700 يهودي بين القوات الأمريكية في السعودية ، ونفت السعودية هبوط 14 طائرة حربية إسرائيلية في الأراضي السعودية للمشاركة في الحرب ضد العراق .
– ونفت السعودية زيارة 200 سعودي للقدس خلال عام 1992 فى شهر يونيو ، وأشارت مصادر صحفية لعقد قيمته 70 ألف دولار أبرمته شركة إسرائيلية مع شركة سعودية لتوريد منتجات ورقية وبلاستيكية .
– واجتمع وزير الخارجية الصهيوني شيمون بيريز في فبراير عام 1993 مع رجل الأعمال السعودي رئيس الغرفة التجارية السعودية (عبدا لله ألرواس) حيث طلب منه بيريز الشروع في نشاطات غير رسمية لتنظيم التعاون التجاري بين المملكة والكيان، واجتمع رئيس اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية مع وزير المالية السعودي وتحدثت الأخبار عن قيام وفد إسرائيلي بزيارة للملكة عام 1992 ، التقى خلالها كبار المسئوولين للتباحث فى عملية السلام وتأمين النظام السعودي ، حيث طلب الكيان مقايضة الضغط السعودي على الدول العربية بإنهاء المقاطعة الاقتصادية في مقابل تقديم المعلومات الأمنية الصهيونية .
واجتمع محافظ البنك المركزي السعودي فى واشنطن مع محافظ البنك المركزي الإسرائيلي لبحث مساهمة السعودية في الاقتصاد الفلسطيني.
– فى ديسمبر عام 1999 نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن صحفية إسرائيلية تدعى “أورلى أولاى” أنها قامت بزيارة للمملكة العربية السعودية لإجراء حوارات مع مسؤولين سعوديين، حيث أكدوا – حسبما زعمت الصحفية التى تعمل مراسلة لصحيفة “يديعوت أحرونوت ” الإسرائيلية – أن الصداقة بين الشعبين الإسرائيلي والسعودي تطوّرت منذ التجربة المشتركة القاسية التي فرضها عليهما الرئيس العراقي صدام حسين الذى قصف البلدين بصواريخ سكود خلال حرب الخليج عام1991 ، إلا أن مسؤولين سعوديين أكدوا أن الصحفية قد دخلت الى المملكة بموجب جواز سفر أوروبى .
– وفى فبراير 2002 نقلت “نيويورك تايمز” عن الأمير عبدالله ولى العهد السعودي آنذاك قوله إن السعودية على استعداد لتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”واقترح انسحابا إسرائيليا كاملا من كافة الأراضى العربية المحتلة بما فيها القدس مقابل تطبيع كامل للعلاقات مع ” إسرائيل” ، وهو ما لم يحدث من إسرائيل ومع ذلك ظل الرجل على مبادرته للسلام رغم فشلها حتى مات ولم يحصل منهم على تنازل واحد !! .
– وأعلن موشى كاتساف رئيس دولة الكيان الصهيونى وقتها (2002) عن استعداده لدعوة الأمير عبدالله لزيارة القدس لعرض مبادرته ، وأنة مستعد للتوجه إلى الرياض ، وطلب شارون من الإدارة الأمريكية المساعدة فى ترتيب عقد إجتماع علني أو سرى مع مسؤولين سعوديين لبحث المبادرة .
– وفى تاريخ العلاقات السرى تلك الأنباء التى نشرت عن مسئول إسرائيلي يدعى بروس كشدان كان يشغل وظيفة وكيل وزارة بوزارة الخارجية الإسرائيلي أعلن عام 2006 أنه يقيم حاليا فى المملكة العربية السعودية ويحمل جواز سفر أمريكيا وإسرائيليا، قد ظهر اسمه لأول مرة مع ردود الفعل الأمريكية والدولية ، التي صدرت في أعقاب مجزرتي صبرا وشاتيلا اللتين قامت بهما فرق موت إسرائيلية في مخيمات للفلسطينيين فى الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت ، وراح ضحية وحشيتها أكثر من 3500 رجل وامرأة وطفل من سكان المخيمات ، حقق نجاحات سياسية ( بعضها مرتبط بجوانب تجارية ) في السعودية تفوق تلك التي حققها في دول الخليج ، التي تنتقل فيما بينهم كمنسق للعلاقات التجارية الدولية بدرجة سفير فوق العادة . ومع أنة يتمتع بوضع محسوب على النشاط الإقتصادى بالدرجة الأولى في الخليج، إلا أن أبواب القدر قد انفتحت لة في السعودية . وقصة وجود بروس كشدان الدبلوماسى الإسرائيلي السابق، الذى نقل إقامته إلى السعودية ، وأخذ على عاتقة مهمة كبيرة ومعقدة ، مبنية على إيجاد موضع قدم رسمى للبضائع الإسرائيلية فى الخليج ، وعلى علاقات تجارية مباشرة بين دول المنطقة والدولة العبرية.
* هذه الزيارات لها تفاصيل أخرى مذهلة نتركها للمحور التالى .
***
رابعاً : زيارات الإسرائيليين السرية للسعودية .. نماذج وحقائق :
* اعتادت الصحافة الأجنبية فى كل فترة أن تشير إلى اخر التطورات التى طرأت على العلاقة بين الكيان الصهوينى والنظام السعودى .. ولقد رصدت تلك الصحافة زيارات العديد من الإعلاميين والسياسيين الصهاينة إلى الرياض، إما بجواز سفرهم الإسرائيلى أو بجواز سفرهم (الغربى) ولدينا قائمة بقرابة الـ 60 شخصية إعلامية وسياسية واقتصادية إسرائيلية زارت مملكة آل سعود حتى يومنا هذا(2016)، ولنأخذ بعضها، لقد حمل شهر يناير (2008) زيارة مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت إلى السعودية ، فقد أشارت الصحيفة الصهيونية في صفحتها الأولي يوم 15/1/2008 ان مراسلتها اورلي ازولاي، دخلت إلى العربية السعودية ضمن حاشية الرئيس الأمريكي. . وتحت عنوان إسرائيلية في ارض الإسلام ، نشرت الصحيفة “الإسرائيلية” صورة لمراسلتها في العربية السعودية وقد كتب علي اليافطة القريبة منها صحيفة يديعوت أحرونوت .. وقالت الصحافية “الإسرائيلية” انه بعد وصول الطائرة إلى مطار الرياض الدولي، قام ممثل وزارة الإعلام السعودية بمنحها بطاقة الصحافة السعودية الرسمية، لافتة إلى أنها افتتحت مكتبا مؤقتا للصحيفة “الإسرائيلية” في العاصمة السعودية . .ولفتت الصحافية أيضا في تقريرها الذي وصل مباشرة من الرياض، إنها فوجئت عندما وصلت إلى غرفة الصحافة وشاهدت لافتة وقد كتب عليها باللغة الإنجليزية صحيفة يديعوت أحرونوت ، مؤكدة أن جميع هذه الإجراءات تمت بعلم وبموافقة من السلطات الرسمية في المملكة .
وأضافت اورلي ازولاي قائلة أن النبأ عن وصول صحافية “إسرائيلية” الي الرياض، أثار الفضول لدي الجميع في المكان، وبعد مرور فترة قصيرة من الزمن وصل الي المكان ثلاثة مندوبين من التلفزيون السعودي الرسمي وطلبوا منها أن توافق علي المشاركة في برنامج سياسي وببث حي ومباشر في التلفزيون ووافقت علي ذلك، وقد تم تقديم الحلقة بمشاركة الصحفية “الاسرائيلية”.
وأكدت الصحفية “الاسرائيلية” ان ممثل وزارة الإعلام السعودية كان في انتظارها في بهو الفندق وقال لها انه يأمل أن يتم السلام هذه المرة بين “اسرائيل” وجميع الدول العربية .
وأكدت ان المسؤول السعودي اهتم جدا بالوضع الصحي لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق ارييل شارون، وسألها لماذا توقفت الصحافة “الإسرائيلية” عن متابعة أخباره الصحية .
وقالت الصحافية أيضا، إنها زارت العربية السعودية قبل حوالي عشرة أشهر برفقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولكن خلافا للمرة السابقة، أكدت أن الأمور جرت هذه المرة بشكل عادي وان الحديث مع المسؤولين السعوديين تم علي مرأي ومسمع جميع من تواجد في بهو الفندق وفي مكتب الصحافة، مشيرة إلى أنها في المرة السابقة اخفت حقيقة كونها “اسرائيلية”، لكي لا تزعج السعوديين .
وتابعت الصحافية “الإسرائيلية” قائلة انها تلقت تعليمات من المسؤولين مفادها انه يتحتم عليها وضع غطاء للرأس فيما إذا أرادت الخروج، وفعلا خرجت الي نزهة في العاصمة وكتبت عن انطباعاتها لافتة إلى ان السعوديين كانوا علي درجة عالية من الغضب، بسبب الحراسة الأمنية المشددة من قبل قوات الأمن بسبب زيارة الرئيس بوش .
كما عبرت عن استيائها من أن المطاعم السعودية لا تسمح للمرأة وللرجل الغريب أن يجلسا سوياً، وأشارت إلى أنها اضطرت إلى ترك مطعم ماكدونالدز في العاصمة لأنها، علي حد تعبيرها، رفضت أن تراقب مشهد قيام امرأتين سعوديتين بأكل الساندويتشات بصعوبة، بسبب الحجاب !.
ولم يمضى سوى شهور قليلة حتى خرجت وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث فى نهاية مارس 2008عن دعوة مفتى السعودية الشيخ عبد العزيز ال الشيخ مجموعة من رجال الدين الإسرائيليين “الحاخامات” للمشاركة في مؤتمر مصالحة ديني سيعقد في الرياض ويجمع شخصيات دينية كبيرة من الديانات السماوية الثلاث .. واتصل المفتي السعودي هاتفيا بممثل جمعية الصداقة الإسرائيلية العربية أهارون عفروني ووجه له هذه الدعوة.
***
* وإذا استعرضنا اللقاءات السرية التي تمت بين الإسرائيليين والمملكة السعودية خلال السنوات الأخيرة ، سنجد تاريخ حافل من اللقاءات بين الكيان الصهيوني وإسرائيل .. فخلال شهر مارس 2007 رددت وسائل الإعلام نبأ اللقاء الذي جمع بين عادل الجبير – سفير السعودية الجديد في واشنطن آنذاك (وزير خارجية السعودية اليوم 2016) مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، افرايم سنيه، ضمن لقاءات ثلاثية منفصلة (سعودية وأمريكية وإسرائيلية) حول “مبادرة السلام” مع إسرائيل التي طرحتها المملكة، وذلك قبيل انعقاد القمة العربية ..وبينما سارعت الرياض كعادتها إلى نفي الخبر رسمياً، قائلة إن تلك التقارير : “لا أساس لها من الصحة”، أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” : أن رواق “ديفيد وولش” – رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية – جمع الرجلين وتبادلا الحديث معاً، وحسب الصحيفة : توجه سنيه إلى الجبير – الذى يعد من أشد المقربين للملك السعودي – وصافحه قائلاً : “أنا سعيد بلقائك وجهاً لوجه.. ماذا يحدث من المشاكل في منطقتنا؟”. وأجاب الجبير : “آمل أن نصعد في الأسابيع المقبلة إلى مسار إيجابي”.
ولم يكن هذا اللقاء هو باكورة التلاقي السعودي بالإسرائيليين، بل سبقه لقاءات عدة ، ففي يناير 2007، حضر الأمير تركي الفيصل حفل استقبال في واشنطن برعاية المنظمات اليهودية الأمريكية. وكان ظهور الدبلوماسي السعودي حدث غير مسبوق، بحسب وصف “ويليام