التطبيع مقابل «الدولة الفلسطينية»: ابن سلمان يريد طوق نجاة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 357
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

قبل أن يباغتها السابع من أكتوبر، كانت السعودية تستعدّ لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بلا بند سياسي فلسطيني، بمعنى أنّ أقصى ما كان يمكن تقديمه للفلسطينيّين ضمن اتفاق، هو بعض المساعدات، وربما تخفيف بعض الإجراءات التي يطبّقها الاحتلال بحقهم. كان الثمن المتوخّى لهذا التطبيع، اتفاقاً دفاعياً مع الولايات المتحدة، يحدّد نهائياً موقع النظام السعودي بقيادة محمد بن سلمان، في المنظومة الأميركية في المنطقة، والدور الذي يمكن أن تقوم به المملكة، والذي تعدّ نفسها له عبر المشاريع العمرانية الكبرى، والأحداث الترفيهية والفنية، والاستقطابات الرياضية أيضاً.أما بعد السابع من أكتوبر، فبدا النظام في المملكة وكأنه أُسقط في يده، أو فقد المبادرة. وسواء أكان ذلك أحد أهداف عملية «طوفان الأقصى» أم كان إصابة عرضية لها، فإن النتيجة واحدة، وهي أنّ النظام يشعر بأنه أكثر المتضرّرين مما يجري الآن، بدءاً بما يُسجّل في غزة من صمود كبير للمقاومة يزيد شعبيتها عربياً، أو من خسائر بشرية كبيرة بين المدنيّين محرجة له أمام جمهوره، أو ما يحدث في البحر الأحمر، والذي أدّى إلى تجميد مشروعه لإنهاء الملف اليمني باتفاق سلام، يندرج أيضاً في التحضير للدور الذي يهيّئ نفسه له. ونتيجة لذلك، تعود الإمارات إلى تصدّر المشهد اليمني من زاوية مواجهة حركة «أنصار الله»، ضمن الحرب الأميركية عليها، على حساب المملكة ومصالحها.
من هنا، يمكن فهم المبادرة التي تبحثها المملكة مع الولايات المتحدة، لربط حلّ النزاع في غزة بالتطبيع مع إسرائيل، عبر عرض التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» واتّخاذ خطوات «لا يمكن الرجعة فيها» لإقامة دولة فلسطينية، مقابل التطبيع مع الرياض وعدد من العواصم العربية المعنية بتلك المبادرة. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يفكّر مرتين قبل رفض المبادرة الجديدة المنسوبة قيادتها ضمناً إلى السعودية، وتعامل معها كفخّ ستكون نتيجته الإيقاع به، باعتبار أنّ أي قبول بوقف لإطلاق النار الآن بغض النظر عن الترتيبات اللاحقة، يعني تسليمه بهزيمة عسكرية أمام المقاومة الفلسطينية، وفتح الباب لمحاسبته. يضاف إلى ما تقدّم، أن هذه المسألة بالذات، أي الدولة الفلسطينية، لا تثير حماسة في كل إسرائيل، وليس لدى نتنياهو وحده، فيما المشروع الإسرائيلي الوحيد المطروح الآن، هو بقاء الفلسطينيّين في معازل تحت الاحتلال وبين المستوطنات التي ستظلّ تتوسّع إلى أن لا يعود ثمة مكان لهم، تمهيداً لطردهم حينما تتوافر ظروف مناسبة لذلك.


في المقابل، لا يوجد أي فلسطيني من غير الشخصيات المحروقة المعروفة بعدائها للمقاومة، يمكن أن يقبل بحل يقيم دولة فلسطينية بالمواصفات المعروضة في ما تسعى أميركا إلى ترويجه تحت عنوان «حل الدولتين»، والذي لا يتضمن تفكيك المستوطنات، بل مجرّد تجميد نظري لها، وينص على أن تكون الدولة منزوعة السلاح. لا بل لن تكون «الدولة» المفترضة نتيجة مباشرة لأي اتفاق، وإنما يحتاج التوصل إليها إلى مسار جديد من المفاوضات التي لا تنتهي، والتي خبِر الفلسطينيون مثلها بعد «اتفاق أوسلو» عام 1993.
المبادرة السعودية تصبح في هذه الحالة، حاجة سعودية وليست فلسطينية ولا إسرائيلية. وبالتالي، هي محكومة بالفشل لأنها ليست مقبولة من الطرفين المتحاربين: القادة الإسرائيليون يريدون إطالة أمد الحرب أملاً في إنهاك الفلسطينيين وهروباً من المحاسبة، والمقاومة الفلسطينية لديها رهان منطقي وحيد على الصمود وإيقاع الخسائر في الجيش الإسرائيلي، واستخدام ورقة الأسرى والضغط الدولي، لوقف الحرب.
السعودية حالياً أمام خيارين، الأول أن تعود إلى خيار التطبيع من دون بند سياسي فلسطيني، كما كانت ستفعل قبل السابع من أكتوبر، وهو ما يحمل مخاطرة كبيرة. والخيار الثاني هو أن تنتظر نهاية الحرب، من دون أي دور فعلي أو تأثير في أي من الساحات التي يشملها الصراع، ولا سيما في غزة واليمن. وهذا الخيار، مع مساوئه يبقى بالنسبة إليها الأكثر أماناً.
ما تلتقي عليه أميركا والسعودية، ويجعل من طرحهما معاً أو مناقشتهما مبادرة من النوع المذكور، هو أن العلاقة مع المملكة مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي ستكون في صلب أي ترتيبات جديدة أميركية للمنطقة. ولذا، نجد أن واشنطن لا تريد الذهاب بعيداً في الحرب مع «أنصار الله»، كون هذا الخيار يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مثل تلك الترتيبات، وقد يتسبّب في فقدان واشنطن جزءاً من نفوذها. كذلك، تريد الولايات المتحدة أن تتفرغ حالياً لتحقيق أهدافها على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأنها تخشى أيضاً من أن يؤدي أي انتصار لحركة «حماس» إلى الإضرار بمصالحها. ومن هنا، يصبح ممكناً تقديم مبادرات من النوع المطروح حالياً، واعتبار نتنياهو عائقاً أمامها.
مشكلة السعودية التي تدفعها إلى تقديم العرض تلو الآخر لإسرائيل، هي أنها تستعجل الاندماج التام ضمن المنظومة الأمنية والسياسية الأميركية، الأمر الذي يُنتظر أن تحسمه المعاهدة الدفاعية المنشودة بينها وبين الولايات المتحدة. ففي زمن إعادة رسم موازين القوى على خلفية الحرب في غزة، يبحث النظام في السعودية عن سبيل آمن لعبور هذه المرحلة المضطربة.