هزة إدارية تضرب واجهة إدارة الثروة الخاصة لـ”مليارديرات آل سعود”
تكشف التطورات الأخيرة في إدارة الثروات الخاصة للنخبة في “السعودية” عن تحديات هيكلية واستراتيجية، والتي تجسدت بوضوح في المغادرة المفاجئة لأحد كبار الخبراء الماليين في شركة تتولى الإشراف على أصول تعود إلى عائلة آل سعود. فقد أشار تقرير صادر عن وكالة بلومبرغ إلى أن بنسون لي، المخضرم في قطاع الأسهم الخاصة، غادر منصبه كرئيس للاستثمارات في شركة ساكفيل كابيتال (Sackville Capital) الشهر الماضي. وتُعد هذه الخطوة، التي تم تأكيدها عبر سجلات التسجيل في المملكة المتحدة، “أحدث هزة” إدارية تضرب صفوف القيادة العليا لشركة تدير الثروة الهائلة لـ “سلالة مليارديرات سعودية”. هذا الارتباك الإداري داخل مؤسسة تُعنى بشؤون النخبة المالية يكشف عن عدم استقرار في صلب الآلية التي تدير بها “السعودية” ثرواتها الأكثر خصوصية وحساسية، خاصةً في وقت تشهد فيه الأسواق المالية العالمية تحولاً جذرياً ومخاطر متزايدة. إن العلاقة الوثيقة لشركة ساكفيل كابيتال بالمشهد المالي والاقتصادي في “السعودية” تتجاوز مجرد إدارة الأصول. فقد أسس الشركة ناصر الشريف، البالغ من العمر خمسة وأربعين عامًا، وهو شخصية لها تاريخ مهني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بـ “السعودية”، حيث كان عضواً مؤسساً في أعمال جولدمان ساكس في دبي، وساعد في توسيع حضور جولدمان في البلاد، بل وأشرف لاحقًا على شركة AWJ القابضة للاستثمار العائلي. وقد عزز الشريف هذا الارتباط مؤخراً بنقله إقامته من المملكة المتحدة إلى “السعودية”، وهو حالياً الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة ساكفيل. هذا التركيز الجغرافي والشخصي على “السعودية” يتأكد بوجود مقرين للشركة؛ أحدهما في حي مايفير الراقي بلندن، والآخر في الرياض. هذا التواجد المزدوج، بالإضافة إلى تعيين موظفين إضافيين للأسواق الخاصة في كلتا الوجهتين منذ أوائل عام 2024، يؤكد أن الشركة تعمل كجسر رئيسي لإدارة الثروات الخاصة لـ “السلالة” بين العاصمة والمراكز المالية الغربية، ما يجعل أي اضطراب إداري فيها ذا دلالة تتجاوز النطاق المؤسسي. وكان بنسون لي قد انضم إلى ساكفيل قبل نحو عامين، في سياق إصلاح إداري سابق، وكانت مهمته الرئيسية هي تنفيذ تحول استراتيجي يتمثل في زيادة التركيز على الاستثمار في الأسواق الخاصة، وهي استراتيجية عالمية تبحث عن عوائد أعلى بعيداً عن تقلبات الأسواق العامة. وتواصل ساكفيل تركيزها على هذا القطاع، بدليل تخصيصها الأخير لدعم شركة مقرها نيويورك تستحوذ على حصص في مديري الأصول البديلة متوسطة الحجم. ورغم أن الشركة رفضت التعليق على مغادرة لي، إلا أن انسحاب الشخص الذي قاد هذا التحول يضع الاستراتيجية بأكملها، وبالتالي مستقبل جزء من ثروة “السلالة”، تحت علامات استفهام حول مدى نجاحها واستدامتها. هذا التحول الاستراتيجي تحديداً يواجه تحديات عالمية خطيرة تلقي بظلالها على إدارة الثروة “السعودية” الخاصة. فبحسب ما أورده تقرير بلومبرغ، تتصاعد التحذيرات من كبار القادة الماليين. فقد أطلق جيفري جوندلاخ، مؤسس دوبل لاين كابيتال، تحذيراً حول أن الأزمة المالية القادمة قد تنطلق من قطاع الائتمان الخاص، واصفاً بعض الإقراض فيه بـ “إقراض القمامة” الذي يزيد من مخاطر الأصول. كما أعرب الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان تشيس وشركاه، جيمي ديمون، عن قلقه أيضاً، وهو ما يتزامن مع اتجاه بعض مديري الأصول إلى التخلص من القروض التي تحمل مخاطر أعلى. إن المضي قدماً في استراتيجية الأسواق الخاصة في هذا المناخ المتوتر، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ عالمي في الصفقات، يعكس إما ثقة مفرطة بقدرة ساكفيل على التغلب على هذه المخاطر أو ربما عدم القدرة على تغيير المسار الاستراتيجي بسرعة كافية، ما يعرض الثروة المدارة لمخاطر أكبر. كما أن الخلفية المهنية لبنسون لي قبل انضمامه إلى الشركة تثير تساؤلات مهمة في سياق الحوكمة والتدقيق. فقد عمل لي سابقاً في شركة بلندن كانت تدير ثروة المليارديرين الروسيين ألكسندر فرولوف وألكسندر أبراموف، واللذين وُضعا لاحقاً تحت نظام العقوبات البريطانية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. إن تعيين تنفيذي كبير بهذه الخلفية في شركة تدير ثروة مرتبطة بالقيادة في “السعودية”، ثم مغادرته المفاجئة، يثير تساؤلات حول آليات التدقيق الأمني والمالي التي تعتمدها ساكفيل لاختيار كبار موظفيها، وحول مدى الحذر الذي تتخذه الشركة في التعامل مع شخصيات مرتبطة لاحقاً بملفات العقوبات الدولية. هذا التحدي لا يتعلق فقط بساكفيل كابيتال، بل يشير إلى ضرورة وجود تدقيق أشد صرامة على من يتولى إدارة الثروات الأكثر حساسية في “السعودية”. بناءً على المعلومات التي قدمها تقرير بلومبرغ، تشير مغادرة بنسون لي إلى أن إدارة الثروة الخاصة في “السعودية” ليست بمعزل عن التحديات العالمية والاضطرابات الداخلية. فالتحول الاستراتيجي الجريء نحو الأسواق الخاصة، على الرغم من جاذبية العوائد، يضع هذه الثروات في مرمى التحذيرات الدولية بشأن المخاطر.
