المال مقابل الحرية: كيف أصبحت أموال “السعودية” شريكاً في رقابة “إكس”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 373
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لطالما اعتُبرت منصات التواصل الاجتماعي الكبرى، مثل تويتر (X حالياً)، ساحة عالمية للحرية والتعبير الرقمي، بقدر ما اعتُبِرت بابا لفرض رؤية بعينها من خلال تقييد محتويات معينة. لكن العلاقة المتنامية والمعقدة بين هذه المنصات وبين القوى السلطوية، وتحديداً “السعودية”، كشفت عن تناقضات عميقة بين مبادئ وادي السيليكون والواقع الجيوسياسي للمال والنفوذ. لقد تحولت “الساحة الحرة” إلى أرض خصبة لتضارب المصالح، حيث يلتقي الاستثمار بمليارات الدولارات مع استراتيجيات الرقابة والسيطرة على المعلومات، مما يثير تساؤلات جدية حول التزام هذه الشركات بحماية مستخدميها وحرية التعبير عالمياً. تُعد العلاقة بين الرياض وتويتر أعمق من مجرد صفقة تجارية عادية. فمنذ سنوات، بدأ صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، وهو صندوق الثروة السيادي للبلاد، ببناء حصة كبيرة في الشركة. كان هذا الاستثمار جزءاً من استراتيجية أوسع للبلاد تهدف إلى تنويع اقتصادها (رؤية 2030) واكتساب نفوذ في قطاعات التكنولوجيا العالمية. تجاوزت هذه الاستثمارات قيمتها السوقية لتصبح رمزاً لسمعة البلاد في الساحة التكنولوجية الدولية؛ فامتلاك حصة كبيرة في منصة عالمية ذات تأثير سياسي واجتماعي هائل يمنح الدولة المستثمرة نفوذاً غير مباشر في القرارات الداخلية للشركة، حتى لو كانت هذه القرارات تتعلق بسياسات المحتوى أو التعامل مع حسابات المعارضة. هذا التركيز المالي المتنامي يشير إلى أن النفوذ في السيليكون فالي لم يعد يقتصر على الابتكار، بل يمتد ليشمل من يملك القدرة على ضخ رؤوس الأموال الضخمة. إن التناقض الأبرز في هذه العلاقة يكمن في كيفية استخدام المنصة محلياً، ففي الوقت الذي تعلن فيه تويتر التزامها بحرية التعبير، وثّقت تقارير متعددة استغلال كيان آل سعود للمنصة لأهداف رقابية وسياسية. وأحد الأمثلة الأشد خطورة وعلنية على هذا الاستغلال هو قضية التجسس التي هزت وادي السيليكون؛ ففي عام 2015، وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات إلى موظفين سابقين في تويتر، أبرزهم علي الزبارة، بتهمة التجسس لصالح “السعودية”. استغل هؤلاء الأفراد مواقعهم للوصول إلى بيانات عشرات الآلاف من حسابات المستخدمين، بما في ذلك حسابات المعارضين والنشطاء البارزين الذين يعيشون خارج شبه الجزيرة. كان الهدف من هذا التسلل الأمني هو تحديد هويات المستخدمين المستعارين والمجهولين الذين ينتقدون النظام السعودي. وقد كشفت هذه المعلومات في النهاية عن هويات بعض المعارضين، مما عرضهم وأسرهم للخطر وشكل انتهاكاً جسيماً لخصوصية المستخدمين، الأمر الذي كشف بوضوح كيف يمكن للنفوذ المالي أن يمهد الطريق أمام اختراق أمني يتجاوز مجرد التأثير على قرارات مجلس الإدارة ليصل إلى التلاعب ببيانات المستخدمين الحساسة لأغراض قمعية. ازدادت العلاقة بين تويتر والرياض تعقيداً وأهمية في عهد إيلون ماسك، خاصة بعد استحواذه على الشركة وتحويلها إلى “X”. عندما قام ماسك بخصخصة تويتر في عام 2022، لم يكتفِ صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالاحتفاظ بحصته فحسب، بل ضاعفها ليصبح أحد أكبر المساهمين الخارجيين في الشركة الجديدة المملوكة للقطاع الخاص. يمثل هذا الاستثمار الضخم شريان حياة مالياً حاسماً لماسك، خاصة في المراحل الأولى من استحواذه الملياري، مما يمنح الرياض نفوذاً أكبر في شركة لم تعد تخضع لنفس مستويات التدقيق العام والشفافية التي كانت مفروضة عليها كشركة مطروحة للتداول العام. ويرى المحللون أن زيادة حصة السعودية في المنصة الخاصة الجديدة تضمن للرياض عدم المساس بمصالحها أو تقييد قدرتها على التأثير على المنصة، خاصة في ظل التغيرات الجذرية التي طرأت على سياسات الإشراف على المحتوى في المنصة. تطرح الروابط العميقة بين منصة X والسعودية تحديات أخلاقية وقانونية جمة على الصعيد العالمي؛ فهي تقوض ثقة المستخدمين في قدرة المنصة على حماية بياناتهم وضمان حرية التعبير، لا سيما بالنسبة للنشطاء والمعارضين السياسيين الذين يعتمدون على هويات مستعارة للحماية. كما تسلط هذه القضية الضوء على المعضلة الأوسع التي تواجه شركات التكنولوجيا الأمريكية: هل ينبغي إعطاء الأولوية للتدفقات الرأسمالية الأجنبية الضخمة، حتى لو كانت تأتي من أنظمة تسجل انتهاكات لحقوق الإنسان وحرية التعبير، على حساب المبادئ الأساسية للحرية الرقمية؟ في الختام، يُظهر تقاطع المصالح بين رأس المال السعودي ومنصة X كيف يمكن للمال أن يصبح وسيلة للرقابة، وكيف يمكن للشركات العالمية التي تروج للحرية أن تصبح شريكاً في تضييق الخناق على الحريات الأساسية للمستخدمين حول العالم.