موقع ستارتفور: كيف سيعزز المسار الإقتصادي السعودي الحالي دوامة عدم الإستقرار السياسي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 366
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يُسلط تقرير صادر عن موقع “ستراتفور” الأميركي، تحت عنوان “السجل المختلط لرؤية السعودية 2030″، الضوء على اللحظة المفصلية التي يمر بها برنامج التحول الاقتصادي للسعودية مع دخوله مراحله النهائية. يقدم التقرير تحليلاً يقر بوجود نتائج إيجابية ملحوظة في بداية مسار التنويع الاقتصادي، ولكنه في الوقت ذاته يركز على التحديات الهيكلية العميقة ونقاط التحول الاستراتيجي التي فرضت على الرياض إعادة تقييم جدية لمقاربتها الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بدور الدولة ومصير المشاريع الكبرى. في سياق تقييم الإنجازات، يقر التقرير بأن الرؤية قد حققت بالفعل مجموعة من الأهداف الرئيسية التي يمكن اعتبارها نجاحاً ملموساً في بيانات التنويع. بيد أن التقرير ينتقل مباشرة إلى الجانب الأكثر حساسية في المشروع، وهو الحاجة إلى تصحيح المسار والتحول الحتمي في الأولويات الاستثمارية. حيث يشير إلى أن الحكومة بصدد تقليص دورها المباشر وتشجيع الاستثمار الخاص، وهو مؤشر على أن النموذج المعتمد سابقاً لم يكن مستداماً بالقدر الكافي. وقد كشف التقرير عن تحول في تركيز صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الذي يمتلك أصولاً تُقدر بحوالي 925 مليار دولار، بعيداً عن المشاريع العملاقة (“جيجا-بروجكت”) التي اتسمت بارتفاع التكلفة والمخاطر. ويبرز هذا التحدي بشكل واضح في مشروع “نيوم” الطموح، حيث تم تخفيض هدف عدد السكان المخطط له بحلول عام 2030 من حوالي مليون ونصف المليون نسمة إلى ثلاثمائة ألف نسمة فقط. هذا التعديل الكبير ليس مجرد قرار إجرائي، بل هو اعتراف ضمني بضرورة إعادة تقييم جدوى هذه المشاريع الضخمة التي تضخمت تكاليفها بشكل غير متوقع. كما أن مشاريع أخرى، مثل برج جدة، واجهت تحديات التوقف لسنوات، مما يؤكد أن المشاريع العملاقة ستتقدم أو تتوقف الآن بناءً على عوامل السوق والجدوى الاقتصادية بدلاً من الإرادة السياسية المطلقة، وهو ما يرجح أن بعض هذه المشاريع الطموحة قد تُترك كـ “مشاريع إرثية” لم تكتمل، أو قد تُلغى مشاريع أخرى لم ترَ النور بعد. إن النقطة المحورية التي يركز عليها تقرير ستراتفور هي الطبيعة المستمرة لسيطرة الدولة والدور المركزي لصندوق الاستثمارات العامة. فعلى الرغم من كل الدعوات لتمكين القطاع الخاص، لا يزال الصندوق يمثل محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي، حيث ساهم بنسبة عشرة في المئة من الاقتصاد غير النفطي الوطني في عام 2024. هذا الدور المهيمن يعني أن الحكومة ستستمر في دعم قطاعات ومشاريع محددة، مما يبقيها المحرك الأكبر للتنمية، ويثبّت الاقتصاد السياسي في إطار سيطرة المؤسسة الحاكمة. ويشير التقرير بوضوح إلى أن “رؤية 2030” قد افتقرت بشكل ملحوظ إلى أي أهداف تتعلق بـ “الإصلاح السياسي أو الحكم”، على عكس برامج إصلاح سابقة، مفضلةً التركيز حصرياً على الكفاءة الإدارية والخدمات. ويُعتبر استمرار هذا النموذج هو ما يشكل مصدر القلق الأكبر على المدى الطويل، وفقاً للتقرير. فالنظام الاجتماعي الضمني، الذي بموجبه تقدم الرياض الدعم المالي وتضمن توظيف المواطنين السعوديين عبر التحويلات النقدية المباشرة وبرامج الدعم، سيبقى قائماً إلى حد كبير. وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى هذا النظام على أنه ضرورة للحفاظ على الاستقرار الداخلي، فإنه يُغذي في المقابل أوجه القصور في السوق ويُشكّل عبئاً كبيراً ومزمناً على الميزانية العامة للدولة. إن قدرة النظام السعودي على تجنب فرض ضرائب على الدخل، خلافاً لبعض دول الخليج المجاورة، هي ميزة قائمة على عائدات النفط التي تُستخدم لتمويل هذا النظام الاجتماعي. ويخلص التقرير إلى أن هذا الارتباط العميق بين الاستقرار الاجتماعي وتقلّبات أسعار النفط يضع الاقتصاد السعودي على مسار محفوف بعدم اليقين مستقبلاً. إن الإبقاء على نظام الدعم الضمني، الذي يربط الرخاء الاقتصادي بشكل مباشر بالتمويل الحكومي، يعني أن أي هبوط مستدام في أسعار النفط، أو وقوع صدمة جيوسياسية كبرى، يمكن أن يعرض مستويات المعيشة للخطر ويهدد العقد الاجتماعي بأكمله. كما يلاحظ التقرير أن غياب الأهداف السياسية والإصلاحات المقابلة يترك النظام عرضة للخطر أمام أي صدمة خارجية، نظراً لعدم وجود روح وطنية تقليدية أو شرعية سياسية قادرة على إقناع المواطنين بتحمل المشاق الاقتصادية عند الحاجة. وبالتالي، فإن نجاح الرؤية الاقتصادي، وإن تحقق في جزء منه، يبقى مهدداً من الداخل بسبب التحديات الهيكلية والسياسية التي لم تعالجها الرؤية، بل تجاوزتها، مما قد يدعو إلى عدم استقرار كبير في العقود القادمة.