عجز قياسي جديد تكشف هشاشة السياسات الاقتصادية السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 232
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أعلنت وزارة المالية السعودية، يوم الخميس، أن عجز الميزانية بلغ 88.5 مليار ريال (نحو 23.6 مليار دولار) خلال الربع الثالث من عام 2025، في وقت وصلت فيه الإيرادات النفطية إلى 151 مليار ريال، ما يعيد تسليط الضوء على فشل النظام السعودي في ضبط الإنفاق وتنويع مصادر الدخل رغم مرور قرابة عقد على إطلاق “رؤية 2030”. وبحسب البيانات الرسمية، بلغت الإيرادات الإجمالية 269.9 مليار ريال مقابل إنفاق عام بلغ 358.4 مليار ريال، وهو ما يعكس اتساع الفجوة المالية واستمرار اعتماد الاقتصاد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، في ظل ضعف واضح في الإيرادات غير النفطية. ويُظهر استمرار العجز أن الوعود الحكومية بتنويع الاقتصاد ما زالت حبرًا على ورق، إذ تبتلع المشاريع العملاقة ذات الطابع الاستعراضي — مثل “نيوم” و”القدية” و”البحر الأحمر” — مليارات الريالات دون مردود اقتصادي فعلي، فيما تتصاعد النفقات العسكرية والأمنية بوتيرة متسارعة. وفي المقابل، يواجه المواطن السعودي ضغوطًا معيشية متزايدة نتيجة ارتفاع الأسعار والضرائب وتقليص الدعم الحكومي، ما يفاقم الشعور بعدم العدالة الاقتصادية في ظل سياسات إنفاق تُوجَّه نحو تلميع صورة النظام خارجيًا بدل تحسين واقع المواطنين. يذكر أن مشاريع ابن سلمان تواجه مشاكل على مستوى التمويل، من ضمنها ما كشفته وكالة “رويترز”، مؤخرا، حول استعداد النظام السعودي لتحويل مسار صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الذي تصل قيمته إلى 925 مليار دولار، في خطوة هي الأوضح على فشل المشاريع العقارية العملاقة التي سيطرت على أجندة النظام التنموية على مدى العقد الماضي. هذا التراجع يُعدّ اعترافاً ضمنياً ومكلفاً بضرورة إعادة تقييم “رؤية 2030” لمحمد بن سلمان، والتي أُطلقت عام 2016 بهدف تحويل الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط من خلال المراهنة على الإنشاءات الخيالية. يأتي هذا التحول الهيكلي، بحسب المصدر، مع تزايد الضغوط على الصندوق وشركاته لتحقيق عوائد أفضل، خاصة وأن العديد من المحللين يشيرون إلى أن المشاريع العملاقة لم تحقق حتى الآن عوائد كافية لتبرير تكاليفها الباهظة والمهدرة. وفي اعتراف صريح بسوء الإدارة المالية، أظهر أحدث تقرير سنوي للصندوق تراجع متوسط ​​العائد السنوي بين 2017 و2024 إلى 7.2%، بعد أن قام الصندوق بتحصيل مخصصات انخفاض القيمة على المشاريع الفاشلة. وقد اضطر الصندوق بالفعل إلى تقليص استثماراته الدولية، حيث كان الرميان قد صرّح قبل عام بأن الصندوق يهدف إلى خفض هذه الاستثمارات إلى ما بين 18% و20% من إجمالي المحفظة، نزولاً من 30%، وهي خطوة تعكس الحاجة الماسة للسيولة لتمويل المغامرات الداخلية المتعثرة. ورغم الضغوط، تواصل “السعودية” سياسة الاقتراض، إذ جمعت نحو 20 مليار دولار من السندات الدولارية والأوروبية هذا العام، وتستعد لإصدار أول سندات خضراء مقومة باليورو. وفي المقابل، يواصل صندوق الاستثمارات العامة ضخ الأموال في قطاعات الأولوية، إذ أنفق العام الماضي نحو 57 مليار دولار، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر بإنفاق 40 مليار دولار سنوياً لدعم الاستثمارات المحلية والمشاريع الكبرى. من جهتها، قالت وكالة موديز لخدمات المستثمرين إن “السعودية” تحقق تقدماً “غير متوازن” في تنفيذ مشاريعها الضخمة للبنية التحتية، بسبب تحديات تشمل القيود الهندسية، انخفاض الاستثمارات الخاصة، وتراجع أسعار النفط. وأوضحت الوكالة أن “السعودية”، رغم استمرارها في المضي قدماً بخطة محمد بن سلمان للتحول الاقتصادي، المعروفة برؤية 2030، إلا أن الموازنة العامة ستواصل تسجيل عجز مالي في السنوات المقبلة نتيجة المفاضلات المالية. وكتب المحللون في موديز، ومن بينهم أشرف مدني، في مذكرة يوم الثلاثاء أن التوقعات تشير إلى استمرار هذه الفجوات. مشروع نيوم، الذي يمثل قلب البرنامج، يواجه تأخيرات في التسليم وصعوبات في البناء، بحسب تقارير بلومبرغ نيوز. ويشمل ذلك مشروع “تروجينا” الذي يضم منتجعاً للتزلج في الصحراء. كما طلب النظام السعودي من شركات استشارية إجراء مراجعة استراتيجية لمشروع “ذا لاين”، المدينة المستقبلية ضمن نيوم، لتقييم جدواه، بحسب ما ذكرته بلومبرغ في يوليو الماضي. وقالت موديز: “الصعوبات الهندسية أعاقت التقدم في بناء مدينة نيوم على وجه الخصوص، بسبب حجم المشروع وتعقيده”، مضيفة أن “تمويل المشاريع يتأثر أيضاً بتراجع أسعار النفط واستمرار خفض الإنتاج”. النظام ضاعف أكثر من مرتين توقعاته لعجز الموازنة هذا العام، ويتوقع أن يستمر العجز حتى عام 2028 على الأقل، وفقاً لأرقام أولية. ورغم مرور نحو عقد على إطلاق رؤية 2030، فما يزال النظام السعودي يعتمد على إيرادات النفط بمستوى مماثل تقريباً لما كان عليه عام 2016، بل تعمّق أكثر في بعض المقاييس. وبالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط بنسبة 12% منذ بداية العام، فإن تباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وضعف التمويل من القطاع الخاص يُنظر إليهما كعوائق أمام تقدم المشاريع.