عطش “السعودية” الكبير: تبديد ثروة المياه لأوهام الاكتفاء
في تقرير صادر عن موقع “ناشيونال جيوغرافيك”، كُشفت أبعاد الكارثة الوطنية لاستنزاف المخزون المائي الأحفوري غير المتجدد في شبه الجزيرة العربية. فبسبب القرارات غير المسؤولة، تم تبديد أثمن ثروة طبيعية في البلاد لتمويل مشاريع زراعية قصيرة النظر. عندما بدأت الزراعة الحديثة والمكثفة في “السعودية”، كانت الصحراء تخبئ تحتها مخزوناً هائلاً من المياه يُقدر بـ 120 ميلًا مكعبًا (500 كيلومتر مكعب). لكن ما جرى في السنوات الأخيرة، وفق ما تؤكده ناشيونال جيوغرافيك، هو ضخّ جائر لهذه الثروة، حيث وصل الاستنزاف إلى ما يقارب5 أميال مكعبة (21 كيلومترًا مكعبًا) تُضخ سنوياً وتُستغل في مشاريع زراعية ضخمة. الأمر المأساوي هو أن هذا المخزون لا يُعوَّض على الإطلاق، لأن الأمطار في البلاد شبه معدومة. وبناءً على معدلات الاستخراج الهائلة التي فصّلتها ورقة بحثية صادرة عام 2004 من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، كان النظام السعودي يسير بخطى حثيثة نحو تبديد ما لا يقل عن96 ميلًا مكعبًا (400 كيلومتر مكعب) من طبقات المياه الجوفية بحلول عام 2008. ويقدّر الخبراء اليوم أن أربعة أخماس المياه “الأحفورية“ السعودية قد تم تبديدها بلا عودة. هذا يعني أن أحد أعظم وأقدم موارد المياه العذبة على كوكب الأرض، في واحدة من أكثر البيئات قسوة وحرارة وجفافاً، قد تم استنزافه بالكامل تقريباً على يد النظام في فترة لا تزيد عن جيل واحد. زراعة الصحراء: وهم الاكتفاء في بلد لا تعرف طبيعته الأنهار ولا البحيرات ولا الخضرة الطبيعية، حيث هطول الأمطار نادراً أو منعدم، اعتمد شعب شبه الجزيرة العربية على مر القرون على الواحات وعلى محطات التحلية لتلبية احتياجاته اليومية. لكن الجهد الوطني الذي قاده النظام مؤخراً أحدث تغييراً كارثياً في الصحراء، مما أدى إلى تضخيم الطلب على موارد المياه إلى مستويات غير مسبوقة. ووفقا للموقع، أظهرت صور الأقمار الصناعية بقعاً من الخضرة الاصطناعية، عبارة عن حقول زراعية ضخمة لم تخلقها الطبيعة، أصبحت ممكنة بفضل عمليات الري الهائلة. وبالقرب من هذه الحقول، شُيدت مزارع هائلة تأوي عشرات الآلاف من الأبقار الحلوب، والتي تتطلب كميات هائلة من الماء للشرب ولعملياتها. يُضخ الماء اللازم لإحداث هذه “المعجزات“ في الصحراء من أعماق الأرض، من طبقات المياه الجوفية التي تكونت وامتلاءت قبل آلاف السنين، حين كان مناخ شبه الجزيرة أكثر رطوبة. وقد زرع هذا المخزون المائي غير المتجدد وهماً في نفوس القائمين على نظام آل سعود بإمكانية تحقيق هدف الاكتفاء الغذائي الذاتي واستبدال استيراد الغذاء بالإنتاج المحلي. لكنه حل قصير الأجل جداً، ونهايته باتت وشيكة ومحسومة. ثروة النفط مقابل نضوب المياه تنعم شبه الجزيرة بثروة نفطية هائلة. وقد استخدم نظام آل سعود عائدات النفط الضخمة، بأسعار عالمية مرتفعة، لتغطية التكلفة الباهظة والجنونية لضخ المياه من أعماق بعيدة لأغراض الزراعة وتربية الماشية. وبينما تستمر عائدات النفط في التضخم والنمو، فإن موارد المياه الأساسية تتناقص وتختفي بسرعة فائقة. وقد اضطرت الحكومة السعودية مؤخراً إلى الإقرار بالفشل ووضع جدول زمني يحدد بضع سنوات فقط للاستمرار في زراعة القمح، قبل التوقف الكامل. والآن، يتجه النظام لتوجيه ثروته الطائلة نحو شراء الأراضي وزراعة المحاصيل في دول أخرى، بلدان أكثر خضرة ورطوبة، ليؤكد بذلك أن مشروع “زراعة الصحراء“ لم يكن سوى تبديد غير مسؤول لأحد أثمن موارد البلاد، أُهدرت ثروة الأجيال القادمة لخدمة قرارات نظام غير رشيد. الذكاء الإصطناعي والكلفة المائية في ظل الإنفتاح المتزايد للنظام السعودي على مجال الذكاء الإثطناعي، تبرز إحدى أبرز سلبيات هذا الإنفتاح، والمتمثل في المُساهمة في التهديد المباشر لموارد المياه الشحيحة في منطقة تُعاني أصلاً من الجفاف والتصحر. فالتوسع في مراكز البيانات، التي تُعتبر البنية التحتية الأساسية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، سيستهلك وفق التقديرات أكثر من 426 مليار لتر من المياه سنوياً بحلول عام 2030، وهو رقم يعكس خطراً وجودياً على أمن الخليج المائي. تأتي هذه الأرقام في وقت يصنف فيه معهد الموارد العالمية “السعودية” والإمارات وقطر من بين أكثر دول العالم معاناة من شح المياه، حيث يتجاوز استهلاك الفرد اليومي 500 لتر، أي ثلاثة أضعاف المعدل الأوروبي. هذا الاستهلاك المفرط لا يعكس وعياً بالندرة وإنما إسرافاً تقوده مشاريع استعراضية تُقام دون مراعاة للمحدّدات الطبيعية. ووفقاً لتوقعات “موردور إنتليجنس” فإن استهلاك المياه في مراكز البيانات بالشرق الأوسط وأفريقيا سيرتفع من 119 مليار لتر في عام 2025 إلى أكثر من 426 مليار لتر بنهاية العقد. وحدها الإمارات ستستهلك نحو 61 مليار لتر سنوياً بحلول 2030.
