تقرير دولي: انتهاكات جسيمة لحقوق العمال المهاجرين في مشاريع “نيوم” ومشاريع الطاقة في “السعودية”
اتهم مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان (BHRRC) في تقرير جديد شركة “نيوم” وعدداً من كبريات شركات الهندسة والبناء العالمية بتكريس “بيئة من الإذلال المقلق” للعمال المهاجرين العاملين في مشاريع الطاقة المتجددة داخل “السعودية”. التقرير الذي صدر في 2 أكتوبر 2025 تحت عنوان “العمال المهاجرون يدعمون التحول في مجال الطاقة في السعودية”، قدّم صورة قاتمة عن الظروف الإنسانية في مشاريع يفترض أنها تجسد “التحول الأخضر” الذي تتباهى به السلطات السعودية في إطار ما يُعرف بـ”رؤية 2030”. التقرير استند إلى شهادات 34 عاملاً من نيبال وبنغلاديش، يعملون في تسعة مشاريع للطاقة المتجددة في “السعودية”، من بينها مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، ومشروع سدير، ومشروع الكهفة، ومشروع مويه، ومشروع سعد 2 للطاقة الشمسية. وقد أشار المركز إلى أن العمال كشفوا عن “انتهاكات جسيمة وغير مقبولة” لحقوقهم، مؤكداً أن تلك الممارسات “تخلق ظروفاً غير إنسانية، يُعامل فيها العمال كآلات لا كبشر”، ويُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية. ظروف عمل قاسية ووفيات صادمة أحد أكثر ما يثير القلق في التقرير هو ما ورد بشأن مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، الذي تبلغ تكلفته 8.4 مليارات دولار أمريكي، وهو أحد مشاريع النظام السعودي التي يتم الترويج لها باعتبارها نموذجاً للتنمية الحديثة. إلا أن ما كشفه التقرير يعكس واقعاً مختلفاً تماماً، حيث واجه العمال المهاجرون ظروفاً قاسية وانتهاكات متكررة لقواعد السلامة. فقد أشار المركز إلى وفاة أحد العمال نتيجة نوبة قلبية محتملة عقب تعرضه لحرارة مفرطة أثناء العمل، بينما تحدث عمال آخرون عن حادثة دهس مروعة في أحد مواقع البناء بعد أن أُجبروا على مواصلة العمل خلال عاصفة رملية. ونقل المركز عن عامل نيبالي قوله: “كانت عاصفة رملية تهب، وكان من المفترض أن نتوقف عن العمل، لكن المشرف أجبرنا على الاستمرار. وبسبب الغبار الكثيف، لم ير المشغل أحد العمال فدهسه بالآلة، وفقد ساقيه”. وقال عامل آخر من المشروع نفسه: “من دوننا لا يمكن لهذه المشاريع أن تُنفذ. نحن من نحول الخطط إلى واقع، لكننا نتعرض لمعاملة غير عادلة ومهينة”. وبيّن التقرير أن أكثر من نصف العمال الذين تمت مقابلتهم (53%) أفادوا بتعرضهم لخمسة أو أكثر من مؤشرات العمل القسري كما تحددها منظمة العمل الدولية. وتشمل هذه المؤشرات احتجاز جوازات السفر، والتهديد بالفصل، وساعات العمل الطويلة القسرية، والحرمان من الأجور في الوقت المحدد. التقرير أوضح أن “السعودية” تسعى إلى تصدير صورة براقة عن نفسها باعتبارها رائدة في مجال الطاقة المتجددة، لكنها في الواقع تعتمد على منظومة استغلال متجذّرة تقوم على عمالة مهاجرة تُستقدم من دول فقيرة، وغالباً ما تُعامل بطريقة تنتهك الكرامة الإنسانية وتتناقض مع المبادئ التي يروّج لها النظام. شركات متورطة وصمت رسمي كشف التقرير أن 41 شركة محلية ودولية متورطة في مشاريع وردت فيها انتهاكات لحقوق العمال، بينها 25 جهة تمويل، و11 شركة بناء وهندسة مدنية، وخمس شركات تطوير. ومن بين الشركات المذكورة: لارسن آند توبرو، المجال العربي، أركيرودون، دي نورا، هيتاشي للطاقة، مان إنتربرايز، باور تشاينا، شركة الخدمات السعودية للأعمال الكهروميكانيكية، شركة الكهرباء السعودية، SPG Steiner، وتيسنكروب. وأوضح مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان أنه اختار تسمية هذه الشركات بعد تقييم سياساتها ومدى التزامها بمعايير حقوق العمال. ورغم أن بعض الشركات أظهرت تحسناً طفيفاً مقارنة بتقارير سابقة، إلا أن المركز اعتبر أن “العديد من الشركات لا تزال تتخلف بشكل مؤسف عن الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية والإنسانية”. الشركات المتورطة حاولت التنصل من المسؤولية عبر تبريرات متكررة. فقد قالت شركة تيسنكروب لموقع NCE إنها “ملتزمة باحترام حقوق الإنسان” وإن دورها في المشروع يقتصر على تقديم الخدمات التقنية والاستشارية، مؤكدة أن المسؤولية التشغيلية تقع على شركة Air Products. جاء في بيانها: “نختار شركاءنا وفق ميثاق سلوك صارم، ونطبّق عمليات تدقيق دقيقة لضمان احترام حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن إنشاء وتشغيل المصنع في الموقع مسؤولية شركة Air Products.” لكن التقرير لفت إلى أن هذه الاستراتيجية في تبادل المسؤوليات باتت شائعة بين الشركات العاملة في مشاريع النظام السعودي، حيث يتم تمرير اللوم بين المقاولين والممولين لتجنّب المساءلة القانونية عن الانتهاكات. ورغم خطورة الاتهامات، أشار المركز إلى أن “نيوم” لم تستجب لطلب التعليق، كما لم تقدم معظم الشركات الأخرى أي رد، باستثناء هيتاشي للطاقة التي عرضت إجراء مقابلة حول موضوع آخر لا علاقة له بالانتهاكات. في ختام التقرير، شدد مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان على أن ما يجري في مشاريع الطاقة المتجددة في “السعودية” يكشف التناقض الصارخ بين خطاب “التحول الأخضر” الذي يتبناه النظام، والواقع القاسي الذي يعيشه العمال المهاجرون. فبينما تروّج السلطات لمشاريعها باعتبارها نموذجاً للتقدم والاستدامة، فإنها تُشيّد على أكتاف عمال يُحرمون من أبسط الحقوق ويُعاملون في ظروف أقرب إلى العمل القسري. ويرى مراقبون أن هذا النمط من الانتهاكات ليس استثناءً، بل يعكس طبيعة النموذج الاقتصادي الذي تفرضه “رؤية 2030″، حيث يتم تسويق مشاريع ضخمة بواجهة تكنولوجية حديثة، فيما تُدار من الداخل على نحو يعيد إنتاج أنماط الاستغلال نفسها التي ميزت العقود الماضية. وفي ظل غياب أي محاسبة حقيقية، يبقى العمال المهاجرون الحلقة الأضعف في معادلة “التحول” التي ترفعها الرياض شعاراً، بينما تُبنى على أنقاض العدالة والكرامة الإنسانية.
