مليارات الدولارات تضخ في مشروع “الدرعية” .. تلميع للسلطة وتزييف للتاريخ على حساب ثروات الشعب
نبأ – في وقت يعيش فيه المواطن السعودي على هامش الوعود الاقتصادية، وتزداد فيه الضرائب وتُرفع الأسعار وتُقمع الحريات، يواصل النظام السعودي تبديد المليارات في مشاريع لتجميل صورة حكمه، كان آخرها ما أُعلن عن تخصيص أكثر من 5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2025 لتطوير مشروع “الدرعية”، فيما تبلغ القيمة الإجمالية للمشروع أكثر من 63 مليار دولار، ضمن ما يُسمى مدينة الأرض.
الدرعية، التي كانت قرية طينية صغيرة غرب الرياض لا يتجاوز عدد بيوتها قديما الأربعين، يُعاد اليوم إنتاجها على أنها الوجهة الثقافية والتاريخية الأولى في المملكة. لكنها، في حقيقتها الجديدة، تتحول تدريجياً إلى مشروع ترفيهي ضخم يخدم مصالح سياسية واقتصادية لنخبة السلطة، أكثر من خدمته للحفاظ على التراث المزعوم أو تطوير الواقع المعيشي للمواطن.
ما بين فنادق فاخرة تحمل أسماء مثل “فور سيزونز”، “أمان”، “أرماني”، “والدورف أستوريا”، و”ريتز-كارلتون”، ومتاحف فنية بتصميم معماري عالمي، وملاعب جولف، ومئات المتاجر والمطاعم الراقية، تحولت الدرعية من موقع تراثي إلى منتجع استثماري ضخم تُعاد من خلاله كتابة التاريخ على طريقة آل سعود.
سبق هذا المشروع عدد من الخطوات الإقصائية للهويات في الجزيرة العربية، منها تدمير حي المسورة وتحويل بيوته الأثرية إلى ركام وحطام في العام 2017. أرض المسورة بالقطيف، التي هدمت مساجدها ورُحّل أبناؤها وشردوا وارتوت الأرض بدماء أكثر من 30 شهيدا بينهم أطفال وعشرات الجرحى، وكل ذلك تحت مزاعم العمران.
مشروع “الدرعية” ليس مجرد تطوير عمراني أو استثمار سياحي، بل أداة بيد النظام السعودي لإعادة تشكيل الوعي الشعبي، وتثبيت سردية تاريخية مزورة تخدم شرعية آل سعود وحدهم، على حساب الحقائق التاريخية والثقافية الأصيلة للمنطقة. فالدرعية، التي يُضخ فيها عشرات المليارات اليوم من أموال الشعب، تحمل أبعادا أعمق، تاريخية وهوياتية وسياسية، ومحاولة ممنهجة لطمس الهوية الحقيقية للجزيرة العربية، واستبدالها برواية رسمية مصنعة، تقدم آل سعود كصنّاع تاريخ وحماة حضارة، في حين أن الوقائع تُكذّب ذلك.