“بلومبرغ”: سندالة.. جزيرة ابن سلمان الفاخرة التي أُغلقت قبل أن تبدأ
في تقرير موسع نشرته وكالة بلومبرغ، كُشف الستار عن حجم التحديات والفشل الذي يلاحق مشاريع “نيوم” العملاقة التي يتباهى بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وبينما حاولت الدعاية الرسمية إظهار هذه المشاريع كعلامات فارقة في “رؤية 2030″، تُظهر الحقائق أن مليارات الدولارات تُهدر في مشاريع استعراضية تفتقر إلى الواقعية والجدوى، من بينها جزيرة سندالة التي أُطلقت باحتفال فاخر، لكنها اليوم مغلقة وغير صالحة للاستخدام، ومشروع تروجينا الذي يروّج له كمنتجع للتزلج في قلب الصحراء، رغم افتقاده لأبسط مقومات الطبيعة. سندالة.. الجزيرة الفاخرة التي لم تُفتح للجمهور أشارت بلومبرغ إلى أن مشروع “سندالة”، الذي وُصف بأنه “أول جزء يُفتتح من مدينة نيوم”، شهد احتفالاً باهراً أواخر العام الماضي حضره ممولون وفنانون ومؤثرون عالميون. حفلٌ استعراضي حاول النظام السعودي تسويقه على أنه بداية مرحلة جديدة من “الانفتاح” و”التطور السياحي”. لكن خلف هذه الصورة البراقة، تكشف الوكالة أن الجزيرة لا تزال حتى الآن مغلقة أمام الجمهور، بعد أن تبيّن أنها لا تلبي المعايير التي وضعها ولي العهد نفسه. وتنقل بلومبرغ عن مصادر مطلعة أن مشاكل تصميمية خطيرة وعيوباً هيكلية في البناء كانت من أبرز أسباب تجميد المشروع بعد الافتتاح التجريبي. بمعنى آخر: لم يصمد “الإنجاز” المعلن أكثر من بضعة أسابيع قبل أن يُحكم عليه بالفشل. الجزيرة التي كان يُفترض أن تكون بوابة “نيوم” إلى العالم، تحولت إلى مثال صارخ على التسرع، وسوء التخطيط، والإصرار على الترويج لإنجازات وهمية تخدم صورة ابن سلمان في الخارج أكثر مما تخدم الشعب السعودي. تقرير بلومبرغ يؤكد أن هذه المشاريع ليست مجرد إخفاقات تقنية، بل إنها تمثل نزيفًا ماليًا خطيرًا على المملكة. فقد بلغت القيمة الإجمالية لـ”نيوم” نحو 1.5 تريليون دولار، أي ثلاثة أضعاف الرقم الذي أُعلن عند إطلاقها عام 2017. وفي ظل انخفاض أسعار النفط، لم يجد صندوق الاستثمارات العامة مفرًا من خفض قيمة “المشاريع العملاقة”، بما فيها “نيوم”، بمقدار 8 مليارات دولار. الأرقام تكشف مأزقًا حقيقيًا: “السعودية” تحتاج إلى أن يكون سعر برميل النفط 94 دولارًا لتغطية نفقاتها الحكومية، و111 دولارًا إذا احتُسبت استثمارات الصندوق في مشاريع ابن سلمان. لكن أسعار النفط الفعلية لا تتجاوز في الوقت الحالي 66 دولارًا، مما يعني أن الفجوة المالية تزداد اتساعًا، في وقت يتسارع فيه إنفاق النظام على الفعاليات والمهرجانات والمشاريع الوهمية. نيوم.. مدينة الأحلام التي تتهاوى لا يقتصر الفشل على “سندالة”. بلومبرغ تكشف أن أجزاء أخرى من “نيوم” تعاني مشاكل مماثلة: “ذا لاين”، المشروع الأيقوني الذي وعدوا أن يمتد 170 كيلومترًا، جرى تقليصه إلى 2.4 كيلومتر فقط بحلول بداية العقد المقبل. المشاريع الرياضية الموعودة، مثل ملعب كرة القدم المعلق على ارتفاع 350 مترًا فوق “ذا لاين”، لا تزال في طور الخيال الورقي. أما مشاريع السياحة الأخرى، مثل “ماجنا” على خليج العقبة، فتعاني من انكماش حاد في التمويل، بعد أن هبطت العقود الممنوحة من 12.6 مليار دولار في 2023 إلى 20 مليون دولار فقط في 2025، حسب بيانات ميد التي أوردتها بلومبرغ. هذا الانحدار يعكس هشاشة ما يسمى بـ”رؤية 2030″، التي يُفترض أن تقلل اعتماد المملكة على النفط، لكنها عمليًا عمّقت النزيف المالي وربطت اقتصاد السعودية بمدى قدرة ابن سلمان على تسويق أوهام ضخمة لم تُختبر على أرض الواقع. من “سندالة” إلى “تروجينا”.. أحلام على الرمال وتختم بلومبرغ تقريرها بالإشارة إلى مشروع “تروجينا”، الوجهة الجبلية التي تعهّد ابن سلمان بأن تستضيف دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029. المشكلة الجوهرية هنا أن المنطقة شبه خالية من الثلوج، ما يفرض الاعتماد على ثلج صناعي يُنتَج عبر ضخ مليارات الجالونات من المياه إلى بحيرة اصطناعية تكلف وحدها 5 مليارات دولار. مصادر تحدثت للوكالة أكدت أن المشروع يواجه صعوبات تقنية هائلة، فضلاً عن مخاوف من عدم إنجازه في الوقت المحدد، الأمر الذي قد يضطر المملكة إلى مواجهة فضيحة دولية إذا اضطرت للتنازل عن استضافة البطولة أو تقليصها. ورغم محاولات المسؤولين السعوديين إظهار الثقة، فإن كل المؤشرات تدل على أن “تروجينا” قد تتحول إلى نسخة أخرى من “سندالة”: مشروع استعراضي ضخم لا يخدم سوى وهم العظمة الذي يسعى ابن سلمان إلى تسويقه، بينما يترك المملكة غارقة في عجز مالي متزايد ومشاريع متعثرة.
