ملف| النظام السعودي وإخوان اليمن: الحكاية من الداخل
منذ القراءة الأولى لطبيعة العلاقة التي جمعت النظام السعودي بالإخوان المسلمين، سنجد أن ثمة اتصالًا وجدانيًا عقائديًا ربط الجانبين، فارتسمت لهما وحدة المسار. على أن النظام السعودي جعل له أهدافًا تتجاوز أحيانًا البعد العقائدي إلى تهيئة الظروف المساعدة للحفاظ على شكل نظام الحكم، ولأجل هذا الغرض كان لا يتوانى عن التمرد على هذه العلاقة، حين يكون في الأمر نقاط يمكن كسبها من الداعم الأجنبي. في البدء، حملت الحركة الوهابية القديمة عام 1911 اسم “إخوان من طاع الله” أو “إخوان نجد”، و”الإخوان” هو الاسم الذي وجد فيه حسن البنا ضالته للتعبير عن الوحدة الإسلامية لكل المنتمين للحركة، تيمّنًا بالأسبقية الوهابية في هذا. ولذلك، ما إن ظهر حسن البنا بحركته عام 1928 حتى لقيت قبولًا وتفاعلًا لدى النظام السعودي الذي كان يتأسس حينها. ومنذ ذاك الحين، أي منذ نشأة حركة الإخوان المسلمين، حظيت علاقتها بـ”السعودية” بالاحتضان الكامل، والتوافق، والدعم بين الطرفين. من هنا نجد أن الأمر ارتبط بإرث الدولة “السعودية”، وهو الإرث الذي حدد لها الرؤية المستقبلية لنمو الدولة، بالاتكاء على العلاقة مع “الإخوان المسلمين” لكسب ثقة المجتمع المسلم، الذي سينفتح بطبيعة الحال على أي نظام يقوم على التوجه الديني، ثم لجهة خلق ما يمكن وصفه بجدار صد ضد القومية العربية التي سيتبين كيف أنها كانت تمثل تهديدًا لاحقًا للنظام السعودي. بالتالي، تحالف التياران الوهابي والإخواني ضد عدو مشترك، هو القومية العربية ممثلة بالناصرية في مصر والبعثية في سوريا. ومثّل ذلك الإرث أساسًا موضوعيًا لعلاقة ممتدة إلى الوقت الراهن، حتى مع ظهور ما يُعرف بإعلان أو بيان هيئة علماء “السعودية” ضد “الإخوان”، الذي قوبل بالكثير من “الاستغراب”، باعتباره يناقض الحقائق، وعدّه الكثير محاولة لترسيخ قناعة جديدة لدى العالم عن حضورها في مشهد الرفض للإخوان. في هذه القراءة، تحاول “مرآة الجزيرة” الوقوف على هذه الحقائق، سواء أكانت بصيغتها المباشرة أو تلك التي تكوّنها المعطيات كخلاصات. كما تحاول هذه القراءة سبر أغوار العلاقة التي جمعت النظام السعودي بـ”إخوان اليمن”، من خلال إعطاء صورة واضحة لهذا الإرث الذي يثبت حقيقة هذه العلاقة. ربما تمثل فترة سلمان بن عبدالعزيز الأعلى صوتًا في التعبير عن سوء العلاقة مع “الإخوان”، إلا أنها أيضًا الأوسع انتشارًا في هذه العلاقة، وإن كانت تُقدَّم تحت عناوين تعاون استراتيجي لدفع الخطر. ومنذ البداية، قامت العلاقة على هذا الأساس، ولا يمكن اعتبار ذلك سندًا ضعيفًا عند الحديث عن هذه العلاقة. كما أن هناك حالة من التشابك تكشف عنها هذه القراءة الموجزة، فالنظام السعودي قد يغيب هنا مع تيار إسلامي، لكنه يحضر هناك بالضرورة مع تيار إسلامي آخر، الأمر الذي يكشف أن مرتكز المصلحة كان ولا يزال هو المحدد لهذه العلاقة، كما أنه يؤكد على أنه لا توجد قطيعة بائنة يمكن أن يعمد إليها النظام السعودي في هذه العلاقة. تكشف هذه القراءة عن حالة عجيبة من التناقضات في هذا المسار بين ما هو مُعلن وما يجري تحت الطاولة، استنادًا كما سبقت الإشارة إلى مرتكز المصلحة. من خلال تتبّع طبيعة العلاقة من جهتها البنيوية القائمة على معطيات موضوعية ومنطقية ومبنية على نسق تاريخي، سيتبين أن الحكاية أبعد وأكبر من بيان تُصدره هيئة العلماء في “السعودية”، وأكبر من مجرد تصنيف أو إعلان قطيعة، بل هي براغماتية اعتمدتها “السعودية” منذ اللحظة الأولى لنشأتها. تركّز القراءة أيضًا على المصيرية التي ربطت النظام السعودي بـ”إخوان اليمن/ حزب الإصلاح”، الحزب الذي قامت علاقته بالنظام السعودي على أساس من التبعية، كما أوضح ذلك محللون ومراقبون وجرى الإشارة إليه في هذه القراءة، التي تكشف أيضًا كيف أن النظام السعودي “عمل على محاولة تغيير البنية المذهبية التقليدية في اليمن بشقيها الزيدي والشافعي، وإحلال الوهابية في التعليم الأساسي والجامعي والخطاب الديني الرسمي وأجهزة الإعلام”.
