تطبيق “حضوري” لمراقبة الأساتذة: فصل جديد من فصول انتهاك الخصوصية
مع إعلان وزارة التعليم السعودية عن اعتماد تطبيق “حضوري” لمراقبة حضور وانصراف جميع منسوبي المدارس من معلمين ومعلمات وكوادر إدارية، اُثيرت موجة من التعليقات المتباينة، كان الجانب السلبي منها لافتاً، ومُظهراً عدم رضا شريحة واسعة من الناس عن هذه الخطوة. فقد أظهرت ردود الفعل أن هناك شعوراً بالاستياء من التركيز المفرط على جانب “الرقابة” في مهنة التعليم، مع شعور عام بأن هذه الإجراءات قد لا تؤدي إلى تحسين حقيقي في جودة التعليم، بل قد تزيد من الضغوط على المعلمين. كما يثير تطبيق “حضوري” إشكاليات سياسية وقانونية وحقوقية تتجاوز مجرد كونه أداة تقنية لضبط حضور المعلمين. فالتجربة تُظهر أن استخدام بيانات حساسة مثل بصمات الوجه والصوت ومواقع الـGPS يجري في بيئة تفتقر إلى الشفافية الكافية حول كيفية جمع هذه البيانات أو تخزينها أو التعامل معها، ما يفتح الباب أمام انتهاكات محتملة للحق في الخصوصية. وبالرغم من وجود نظام حماية البيانات الشخصية في “السعودية”، إلا أن غياب آليات واضحة للحصول على موافقة حرة وصريحة من المعلمين يجعل المسألة أقرب إلى الإلزام الإداري منه إلى الإطار القانوني المتوازن. سياسيًا، يبدو “حضوري” انعكاسًا لنهج رقابي متشدد يركز على الضبط والمراقبة بدلاً من بناء الثقة، في وقت تعاني فيه المنظومة التعليمية من أولويات أكثر إلحاحًا مثل تطوير المناهج وتحسين بيئة العمل. وهو ما يُضعف صورة “الدولة” باعتبارها حامية للحقوق، ويعزز الانطباع بأن التكنولوجيا تُستخدم كأداة للسيطرة الإدارية لا كوسيلة للتحديث والإصلاح. كما أن التباين بين الخطاب الرسمي حول التمكين والحداثة، وبين واقع فرض أنظمة مراقبة حيوية دون حوار مجتمعي، يكشف عن تناقض سياسي يمكن له أن يعكس صورة سلبية عن “الحكومة السعودية” داخليًا وخارجيًا، خاصة في ظل المقارنات الدولية التي تبرز الفجوة بين ما يجري في “السعودية” وبين المعايير العالمية لحماية الخصوصية وحقوق العمال. وهكذا، فإن “حضوري” لا يُختزل في جدل تقني، بل يتحول إلى ملف سياسي وحقوقي بامتياز، يثير تساؤلات حول التوازن بين السلطة والحقوق الفردية، وحول طبيعة العلاقة بين الدولة ومعلميها، في ظل رفض مجتمعي واسع ومخاوف حقيقية من تغول المراقبة على حساب الكرامة المهنية والإنسانية. كانت واحدة من النقاط التي انتقدها المعلقين هو مبدأ التركيز على المظهر بدلاً من الجوهر، الذي يعمل التطبيق تبعاً له: رأى العديد من المعلقين أن هذه الخطوة تركز على جانب شكلي وهو “الحضور والانصراف” بدلاً من التركيز على جودة العملية التعليمية نفسها. علّق حساب باسم “فارس” بأن العبرة ليست بـ “البصمة والالتزام الشكلي”، بل بما يُقدَّم داخل الفصل، وطالب بتقييم المخرجات وتوفير بنية تحتية جيدة للمدارس من ناحية أخرى، شبّه بعضهم بيئة التعليم ببيئة طاردة بسبب المبالغة في الرقابة. أشار حساب “أحمد البراهيم” إلى أن التركيز منصب على “حضور، انصراف، تحركات، خريطة حرارية” بدلاً من تطوير المناهج وتحسين المباني. واعتبر أن هذا النوع من الرقابة يجعل المهنة غير جاذبة. كما طغت لهجة ساخرة على بعض التعليقات، حيث شبّه البعض هذا التطبيق بالرقابة المفرطة. علّق حساب باسم “قوت” قائلاً: “ودي أشوف الحلقة الأخيرة وش تبون بالضبط”، في إشارة إلى أن هذه الإجراءات لا تنتهي. بينما سخر حساب آخر قائلاً إن الأستاذة “شهرين نايمين ومايبون البصمة عشان يكملون نومهم”. ورأى البعض أن هذه الخطوة تعكس عدم ثقة في المعلم. علّق حساب باسم “الأعرابي القديم” باستغراب: “بصراحة لا أعرف لماذا هذا التشدد ضد المعلمين؟”. واعتبر أن التطور الحقيقي يكون بتطوير المناهج وليس بمراقبة المعلم. إلى ذلك، كان القرار بابا لانتقاد أنظمة الرقابة بشكل عام، حيث اعتبر أحد الحسابات أن هذه الأنظمة “مخجلة”، وتكلف وقتاً ومالاً، وتنتهك الخصوصية، مقترحاً بدلاً من ذلك قياس الإنتاجية بالكمية والإنجاز. هذا وتتزايد المخاوف من القوة التي قد يكتسبها الذكاء الاصطناعي إذا تم توظيفه من قبل أنظمة سلطوية. فالسعودية، التي سبق أن وُجّهت إليها اتهامات باستخدام أدوات رقمية للتجسس على معارضيها والتعدي على خصوصية مواطنيها، قد تجد في التقنيات المتقدمة المتاحة عبر الاتفاقات الجديدة وسيلة لتوسيع قدراتها الرقابية. ومن بين التطبيقات المحتملة لهذه التكنولوجيا تقنيات التعرف على الوجه، التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تحديد هوية الأفراد عبر مسح ملامحهم ومقارنتها ببيانات ضخمة في قواعد المعلومات، وبسرعة ودقة تفوق الإمكانات التقليدية للأجهزة الأمنية. ومع أن هذه التقنية مستخدمة بالفعل في مدن عدة حول العالم، إلا أن توسع “السعودية” في تطبيقها قد يتيح لها تعقب الأفراد ليس فقط عبر الكاميرات، بل أيضاً عبر تحليل نشاطهم في وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف المنصات الرقمية. وقد خلص تقرير لإحدى المنظمات إلى أن سجل “النظام السعودي” الحافل بالممارسات الرقابية يبرهن على أنه ليس طرفاً مسؤولاً، وبالتالي لا ينبغي أن يُمنح وصولاً إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وأشار تقرير صادر عن منظمة أميركيون من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، إلى أن رفض “السعودية” فرض تنظيمات صارمة على سوق التقنية، بهدف جذب الاستثمارات، أدى إلى شراكات جديدة مع الولايات المتحدة، لكن في ظل غياب الأطر القانونية المناسبة يُرجَّح أن يُستغل هذا التطور لتعزيز القمع وتكريس انتهاك الخصوصية. وفي السياق نفسه، صرّح الباحث الأسترالي في الثقافة الرقمية لوك مون لمجلة AI and Ethics أن المبادئ الأخلاقية المعتمدة في مجال الذكاء الاصطناعي أثبتت عجزها وفشلها في الحد من الأضرار العرقية والاجتماعية والبيئية المترتبة على هذه التقنيات
