السعودية والخداع السياسي: حملة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تحت المجهر
عبدالله الشيخ
طرحت المؤسسة الإعلامية الألمانية في تقرير لها سؤالًا حول الأسباب التي تقف وراء محاولة النظام السعودي تنظيم جهود دولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأضاف: “هل تقوم الدولة الخليجية الغنية بالنفط بذلك لأسباب إنسانية، أم لدوافع سياسية تتعلق بمصالحها الخارجية؟” لفت التقرير إلى وجود “من يصف التحرك السعودي بأنه درس في الدبلوماسية، يمنح فرصة حقيقية للسلام في الشرق الأوسط، بينما يراه آخرون خطوة أنانية واستعراضًا دعائيًا لتحسين صورة بلد كثيرًا ما يُنتقد بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان”. ما الذي يدفع “السعودية” لقيادة حملة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية؟ تقرير التلفزيون الألماني أشار تباين المواقف إلى أن “بداية الجهود السعودية الحالية لتشجيع المزيد من الدول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بدأت قبل نحو عام. ففي سبتمبر 2024، أعلنت “السعودية”، إلى جانب النرويج، عن إطلاق التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، وعقدت الاجتماعين الأولين لهذا التحالف في الرياض.” وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجددًا لتأكيد أن معظم دول العالم ترى في حل الدولتين السبيل الأمثل لحل النزاع بين “إسرائيل” والفلسطينيين. ومؤخرًا، ترأست “السعودية” وفرنسا مؤتمرًا حول القضية، وخلاله أعلنت عدة دول – من بينها فرنسا وكندا ومالطا والمملكة المتحدة وأستراليا – أنها إما ستعترف رسميًا بالدولة الفلسطينية أو أنها تدرس ذلك بجدية. وقد صرّحت بريطانيا بأنها تعتزم الاعتراف بفلسطين إذا لم توقف إسرائيل الحرب. كما أسفر الاجتماع عن إصدار وثيقة من سبع صفحات تُعرف بـ”إعلان نيويورك”، وقّعت عليها جميع دول جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ونحو 17 دولة أخرى. تحدّد الوثيقة خارطة طريق تدريجية نحو حل الدولتين، وتدعو حركة حماس إلى نزع سلاحها، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين، والتخلي عن قيادة غزة. كما ورد في الإعلان: “ندين الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، والحصار والتجويع، والتي أدت إلى كارثة إنسانية مدمّرة”. وقد اعتُبر توقيع جميع الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية على الإعلان اختراقًا دبلوماسيًا، إذ إنها المرة الأولى التي تُدين فيها العديد من هذه الدول حماس علنًا بهذا الشكل. ونُسب “الفضل” في إنجاح هذا الإجماع إلى “السعودية” وفرنسا، بحسب التقرير. ونقل التقرير عن كريستيان كوتس أولريشسن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس، ادعاءه مبررًا بأنه: “نظرًا لمكانة السعودية في العالمين العربي والإسلامي، ولإشرافها على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، فإن أي خطوة تتخذها تحمل ثقلًا وتأثيرًا كبيرًا”. وحول التوقيت السعودي، يجيب التقرير بأنه قبل “هجمات حماس” في أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة، كان هناك حديث واسع عن احتمال تطبيع العلاقات بين “السعودية” و”إسرائيل”. لكن مثل هذا التطبيع كان يُنظر إليه على أنه سيتم دون الاكتراث بالقضية الفلسطينية، التي طالما كانت عقبة أمام العلاقات الجيدة بين “إسرائيل” وجيرانها. لذلك، وبحسب التقرير، “كثيرًا ما نُظر إلى السعودية من قبل شعوب عربية أخرى على أنها خائنة للقضية الفلسطينية. وهذا ما دفع بعض المنتقدين إلى اعتبار تحركات السعودية الأخيرة في الأمم المتحدة محاولة لتعديل هذه الصورة السلبية في العالمين العربي والإسلامي”. ونقل التقرير عن المحلل “السعودي” عزيز الغشيان من مركز “منتدى الخليج الدولي” في واشنطن، تأكيده على أن أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة يتمثل في أن “الاستعداد السعودي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أمر جديد، بينما هو في الواقع يعود إلى أواخر الستينيات”. وأشار كوتس أولريشسن إلى أن الخطط السعودية لحل الدولتين تعود لعقود، إذ طرح عبد الله آل سعود – وكان آنذاك ولي العهد – عام 2002 مبادرة السلام العربية، التي أُعلنت في قمة بيروت، وتنص على أن الدول العربية ستعترف بـ”إسرائيل” وتُطبّع العلاقات معها إذا انسحبت من الأراضي المحتلة ووافقت على قيام دولة فلسطينية. لكن هذه المبادرة فشلت لاحقًا لأسباب متعددة، منها الخلافات حول حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتغيّر أولويات المنطقة بعد الربيع العربي، ثم توقيع “اتفاقيات أبراهام” بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية. مع ذلك، استمرت “السعودية” باعتبار المبادرة العربية موقفها الرسمي حتى عام 2020 على الأقل، بحسب التقرير. وأضاف أولريشسن: “الوضع الكارثي في غزة وتزايد العنف في الضفة الغربية ربما دفع السعودية إلى حساب أن الصمت لم يعد ممكنًا”. ووصف بعض المحللين “إعلان نيويورك” الأخير بأنه بمثابة إحياء لمبادرة السلام العربية بقيادة سعودية. وأشار خبراء للتلفزيون الألماني إلى أن “قيادة النظام السعودي لحملة الاعتراف بفلسطين تخدم مصالحه أيضًا. فاستقرار المنطقة يُعد أمرًا بالغ الأهمية لإنجاح خطط السعودية الاقتصادية، وعلى رأسها رؤية 2030 التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط”. وتابع: “كما أن الدبلوماسية السعودية تتيح لها تعزيز أهداف سياستها الخارجية. وقد أدت الحروب في المنطقة إلى تعطيل الاستثمارات الأجنبية في مشاريع سعودية كبرى، مثل مركز الترفيه والسياحة الضخم “القدية”، كما أنها تُهدد عائدات السعودية النفطية”. وعن حظوظ نجاح المبادرة السعودية-الفرنسية، أكد أولريشسن أنه من المبكر قول ذلك، لكنه أشار إلى أن صدور بيانات من بريطانيا وكندا حول الاعتراف المشروط بفلسطين دليل على أن المبادرة بدأت تؤتي ثمارها. وبعد اجتماع نيويورك الأخير، دعا وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان المزيد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لدعم “إعلان نيويورك” قبل انعقاد الجمعية العامة المقبلة في أوائل سبتمبر. وعلى الرغم من الزخم المعلن للمبادرة، إلا أنها تواجه معارضة كبيرة من “إسرائيل” وحليفتها الولايات المتحدة. فقد قاطعت الدولتان الاجتماع، ووجهتا انتقادات شديدة له. ووصفته إدارة ترامب بأنه “استعراض دعائي”، بينما اشتكى السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة من أن “منظمي المؤتمر يناقشون أفكارًا بعيدة تمامًا عن الواقع”.