رؤية 2030: عندما يصفق الصهاينة لمسيرة “الإصلاح” السعودية
لا يُعد غريبًا أن تنشر صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” مقالًا تمجيديًا يصف “رؤية 2030” لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنها “تحول جريء وشجاع”. فالمقال ليس مجرد قراءة اقتصادية أو اجتماعية، بل هو محاولة صريحة لتقديم سردية سياسية تخدم مصالح الكيان الصهيوني. يرى كاتب المقال أن دعم محمد بن سلمان هو “ضرورة استراتيجية” للولايات المتحدة، وهو ما يكشف بوضوح عن تقاطع المصالح بين “إسرائيل” وواشنطن والنظام السعودي. إن هذا المديح الصريح، الذي يصل إلى حد وصف “حروب إسرائيل ضد إيران” بأنها “خدمة جليلة للمنطقة”، ليس غريبا من نوعه كما أنه لا يخرج عن السياق العام للعلاقات بين الكيانين، لكن يمكن أن يُستنتج منه حجم التنازلات السياسية التي يرى الصهاينة أنها باتت ممكنة بفضل هذه “الرؤية”. كما أن هذا الثناء الصهيوني يثير تساؤلات جدية حول ماهية الإصلاحات التي تخدم أجندة إسرائيلية، وتُظهر أن التحول السعودي ليس مجرد شأن داخلي، بل هو جزء من ترتيبات إقليمية جديدة تتجاوز حدود “المملكة”. يحتفي المقال بما يعتبره إنجازات اجتماعية وثقافية، مثل تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل والسماح لها بقيادة السيارة. لا يمكن إنكار أن هذه التغييرات قد حدثت بالفعل، لكنها تأتي في سياق يغيب فيه أي حديث عن الحريات السياسية أو حقوق الإنسان الأساسية. في الوقت الذي يُسمح فيه للنساء بالقيادة، تُسجن الناشطات اللواتي طالبن بهذا الحق لسنوات. وفي الوقت الذي تروج فيه الرياض للمهرجانات الفنية والحفلات الموسيقية، تُكمم الأفواه وتُقمع المعارضة بأشد الأساليب. يبرر المقال هذا القمع الصريح، واصفًا محمد بن سلمان بـ”الاستبدادي” الذي “يحتاج” أن يكون كذلك لتنفيذ إصلاحاته. هذا التبرير يربط صراحة بين التقدم الاجتماعي والقبول بالاستبداد، وهو ما يتنافى مع أبسط قيم العدالة والحرية، لكنه بالفعل ينطبق على أفكار الكيان الصهيوني. كما أن التغييرات الاجتماعية التي يصفها المقال بأنها “تحولات هيكلية عميقة” ليست سوى واجهة تُستخدم لتجميل صورة النظام في الخارج، بينما يظل جوهر الحكم قائمًا على القمع والسيطرة المطلقة. إن الإشارة إلى أن الإصلاحات تحظى “بشعبية” في المملكة، وتحديدًا بين الشباب، يتجاهل حقيقة أن هذه الشعبية لا يمكن قياسها بشكل دقيق في ظل غياب أي حريات سياسية أو إعلامية. يروج المقال لطموحات “رؤية 2030” الاقتصادية، ويصفها بأنها ستحول المملكة إلى “مركز مالي عالمي”. لكن هذه الطموحات تواجه تحديات حقيقية يقر بها المقال نفسه، ولكنه يقلل من شأنها. فمشاريع ضخمة مثل مدينة نيوم المستقبلية، التي يصفها المقال بأنها رمز التحول، عانت من تأخيرات وتجاوزات في التكاليف، مما أثار قلق المستثمرين. يلمح المقال إلى أن الفشل في تحقيق هذه الأهداف قد يُفسر على أنه فشل للخطة بأكملها. كما أن محاولة بناء مركز مالي في الرياض لتجاوز دبي وأبو ظبي أمر صعب، ويواجه منافسة شرسة. هذه الطموحات العملاقة، التي تُغفل تفاصيلها وتكاليفها الحقيقية، قد تكون مجرد سراب دعائي يهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي، دون أن يكون لها أساس اقتصادي متين على أرض الواقع. التطبيع مع الاحتلال: الثمن الحقيقي لمشاريع 2030 النقطة الأبرز في مقال رافائيل بينارويا، الناشط في قضايا الأمن القومي المتعلقة بالولايات المتحدة و”إسرائيل”، هي الحديث الصريح والمباشر عن التطبيع مع “إسرائيل”. يرى كاتب المقال أن إسرائيل “أسدت خدمة جليلة” للمنطقة بتقويض النفوذ الإيراني، وأن هذا يمهد الطريق لإقامة علاقة رسمية مع السعودية. هذا الطرح لا يمثل وجهة نظر سعودية، بل هو رؤية صهيونية خالصة ترى في التطبيع مع النظام السعودي مكافأة على “إصلاحاته”. يضع الكاتب صراحة التطبيع كأحد أهداف “الرؤية” هو إشارة واضحة إلى أن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية تأتي بثمن سياسي باهظ، يتمثل في التخلي عن القضايا القومية والدينية الأساسية في المنطقة، وهو ما حذّر منه العديد من المراقبين، سيّما مع ظهور المؤشرات المتزايدة على الوجود الإسرائيلي في مشاريع ابن سلمان. يُمثل التقارب المتزايد بين مصالح إسرائيل ومشاريع محمد بن سلمان، لا سيما مشروع مدينة نيوم، نقطة تحول جيوسياسية واقتصادية لافتة في مسار حكام آل سعود الزاعم دعم القضية الفلسطينية. فبينما تسعى إسرائيل إلى توسيع نفوذها الاقتصادي وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، تجد في مشروع نيوم فرصة مثالية للاستثمار في التقنيات المتقدمة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الروابط التجارية. من جانب آخر، يُدرك ولي العهد السعودي أن تحقيق رؤية 2030، التي تُعد نيوم جوهرها، يتطلب استقطاب خبرات عالمية وتقنيات حديثة، وهنا يبرز الدور المحتمل لإسرائيل كشريك أساسي في مجالات مثل الأمن السيبراني، والتكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، وإدارة المياه، وهو ما يطمح إليه ابن سلمان.