تقرير: شبكة فساد واسعة تكشف عن تواطؤ في صفقة أسلحة بريطانية-سعودية
استنادًا إلى تقرير مفصّل لصحيفة “الغارديان” البريطانية، تتكشف شبكة فساد منظمة استمرت لسنوات، تتعلق بصفقة أسلحة ضخمة بين المملكة المتحدة و”السعودية”. القصة، التي خرجت إلى النور بفضل جهود مخبر بريطاني، لا تسلط الضوء فقط على ممارسات شركة بريطانية مشبوهة، بل تكشف عن تواطؤ مباشر من جانب “مسؤولين سعوديين”. كانت القضية تدور حول برنامج “سانغكوم” (Sangcom)، وهو عقد دفاعي استراتيجي ضخم تبلغ قيمته حوالي 2 مليار جنيه إسترليني. الهدف من هذا العقد كان تزويد الحرس الوطني السعودي بمعدات اتصالات متطورة. الحرس الوطني، الذي يمثل مؤسسة عسكرية وأمنية أساسية في “السعودية”، كان المستفيد المباشر من هذه الصفقة، مما يجعل أهمية البرنامج تتجاوز مجرد التبادل التجاري إلى عمق العلاقات الأمنية بين البلدين. الشركة المسؤولة عن تنفيذ هذا العقد، “GPT لإدارة المشاريع الخاصة”، كانت تعمل كجزء من برنامج تديره الحكومة البريطانية. هذا التداخل بين القطاع الخاص والحكومة جعل شبكة الفساد أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف. وفي خضم هذا الترتيب، تم تعيين العميد السابق إيان فوكسلي في عام 2010 للإشراف على جزء من العقد في الرياض، ليبدأ رحلته في كشف خيوط الفساد. الآلية السرية للرشوة والتورط السعودي اكتشف فوكسلي أن الشركة كانت تستخدم آلية معقدة لإخفاء مدفوعات غير مشروعة. فبدلاً من تقديم فواتير شفافة، كانت تضيف رسومًا وهمية بنسبة 16% تحت مسمى “خدمات مشتراة”. هذه الأموال لم تكن تذهب لخدمات حقيقية، بل كانت تُحوّل إلى شركة وهمية تُدعى “سيميك” في جزر كايمان، وهي ملاذ ضريبي مشهور بتسهيل مثل هذه العمليات. التقرير يؤكد أن وظيفة “سيميك” كانت بمثابة وسيط لتمرير هذه الأموال، التي كانت في حقيقتها رشاوى، إلى “مسؤولين سعوديين”. هذا الكشف هو جوهر القصة، لأنه يكشف عن وجود طرف متلقٍ للرشوة من الجانب السعودي، وهو ما يثبت أن شبكة الفساد لم تكن مجرد فعل من طرف واحد، بل كانت تتطلب تواطؤًا من الجانبين. المثير للإهتمام في هذه القضية هو أن هذا المخطط لم يكن جديدًا. فقد أشار التقرير إلى أن محاسبًا في الشركة، يدعى مايكل باترسون، كان قد أثار مخاوف بشأن هذه المدفوعات منذ عام 2007. لكنه قوبل بالتجاهل والعقاب بدلاً من الاستماع إليه، مما يدل على أن نظام الفساد كان متجذرًا ومصممًا ليحمي الأطراف المتورطة على مدار سنوات. إلى ذلك، فإن القصة لم تكن لتُكشف لولا شجاعة إيان فوكسلي، المخبر الذي تعرض لضغوط من قِبل رئيسه بسبب تحريه عن القضية، حتى ضغط عليه الأخير للاستقالة. تحدث فوكسلي مع باترسون الذي زوده بملف كامل وموثق بالأدلة. أقدم فوكسلي على القيام بتمرير هذا الملف سراً إلى وزارة الدفاع البريطانية، مما أدى في النهاية إلى فتح تحقيق رسمي ووفقا للصحيفة البريطانية، فإن هذه الخطوة لم تكن سهلة، حيث تسببت في تهديدات لفوكسلي وعائلته، مما يؤكد مدى حساسية وحجم المصالح المتورطة. تشير “ذا غارديان” في مقالها إلى أن استخدام الشركات الوهمية في جزر كايمان، والمصطلحات الغامضة مثل “خدمات مشتراة”، كلها وسائل كانت تهدف إلى جعل عملية الكشف عن الفساد شبه مستحيلة. لكن إصرار المخبرين كشف النظام المعقد الذي كان يربط بين مصالح تجارية بريطانية وأطراف حكومية سعودية. تداعيات القضية على العلاقات الثنائية تثير هذه الفضيحة أسئلة جدية حول الشفافية والمساءلة في صفقات الأسلحة بين المملكة المتحدة و”السعودية”، وهي علاقة تعود لعقود. ففي حين أن التقرير يركز على المخبر والشركة البريطانية، فإن وجود “مسؤولين سعوديين” متلقين للرشاوى يكشف عن جانب آخر للقصة: الحاجة إلى إصلاحات شاملة لمكافحة الفساد في كلا البلدين. تأتي فضيحة برنامج “سانغكوم” لتسلط الضوء على نمط متكرر من قضايا الفساد التي تورط فيها مسؤولون سعوديون على مر العقود. فبينما يركز التقرير على حالة محددة، فإنها لا تمثل حدثًا معزولًا، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من المزاعم والتحقيقات التي طالت شخصيات رفيعة المستوى داخل عائلة آل سعود، بمن فيهم أمراء وموظفون حكوميون. إن قضية “سانغكوم”، والتي كشفها مخبر بريطاني، تتماشى مع هذه الصورة الأوسع للفساد. فوجود وسطاء وشركات وهمية وملاذات ضريبية لم يكن يهدف فقط إلى إخفاء مدفوعات من جانب الشركة البريطانية، بل كان يهدف أيضًا إلى حماية هوية المتلقين السعوديين لهذه الرشاوى. هذا يدل على أن آليات الفساد كانت جزءًا من منظومة أوسع، وليست مجرد تصرفات فردية.