“إنكفاء” إسرائيلي عن التطبيع مع “السعودية”؟
تواصل المواقف الإسرائيلية إظهار توجهات متباينة، لكنها غالبًا ما تشير إلى تحديات كبيرة أمام مسار التطبيع المحتمل مع “السعودية”، مع ثبوت أن لا “السعودية” مهنية بالقضية الفلسطينية ولا الإسرائيلي يحيل تلك الأهمية لتطبيع علاقاته رسميا مع الكيان السعودي. تُبرز تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ميلًا نحو تهميش أهمية إقامة دولة فلسطينية كشرط مسبق لأي اتفاق تطبيع. فقد أشارت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شارين هاسكل، إلى أن التطبيع مع السعودية “ممكن” حتى دون التزام “إسرائيل” بإقامة دولة فلسطينية. وترى هاسكل أن الفلسطينيين رفضوا فرصًا سابقة لإقامة دولتهم، مفضّلين “إزالة دولة إسرائيل”، وهو ما يعكس وجهة نظر إسرائيلية تقلل من أهمية حل الدولتين وتضع كامل اللوم على الجانب الفلسطيني. هذه الرؤية الإسرائيلية لا تقتصر على تجاهل القضية الفلسطينية فحسب، بل تمتد لتنتقد المبادرات الدولية الداعمة لحل الدولتين. فقد وصفت هاسكل مؤتمرًا فرنسيًا-سعوديًا محتملًا لدعم الدولة الفلسطينية بأنه “محاولة لكسب الاهتمام الدولي لن تغير الواقع”، بل وقد تكافئ حركة حماس. ودعت السعودية إلى اتخاذ خيار مماثل لدول عربية أخرى طبعت علاقاتها مع كيان الاحتلال، في إشارة إلى ضرورة تجاوز الشروط الفلسطينية. وأما من ناحية شعبية، فقد كشف استطلاع إسرائيلي أن 58% من المستوطنين يعارضون إقامة دولة فلسطينية حتى لو كان ذلك مقابل تطبيع العلاقات مع السعودية. في حين أيّد 24% إقامة الدولة شرط الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ونزع سلاح الفلسطينيين، فيما أيد 8% فقط إقامة دولة فلسطينية غير مشروطة. القضية الفلسطينية ك”عقبة” رئيسية من جانب آخر، يرى روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن نهاية حرب غزة قد تمثل “مفتاحًا أساسيًا” لتحريك مسار التطبيع مع السعودية، وربما تخفيف بعض الشروط السعودية المتعلقة بالدولة الفلسطينية. ومع ذلك، تبقى القضية الفلسطينية حجر الزاوية في أي اتفاق. في هذا السياق، حذّر ساتلوف من أن ضم الضفة الغربية دون اتفاق مع الفلسطينيين “سيوقف مسار التطبيع مع السعودية”. ويُعتقد أن أي خطوة إسرائيلية نحو ضم أراضٍ في الضفة الغربية دون اتفاق مع السلطة الفلسطينية ستضع “علامة توقف، ضوءًا أحمر ساطعًا في مسلك التطبيع بين السعودية وإسرائيل”. بالتوازي مع هذه التطورات، جاء تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، ليعزز الانطباع بأن الأولوية الإسرائيلية قد تحولت نحو فرض السيادة على الضفة الغربية، حتى لو كان ذلك على حساب التطبيع مع السعودية. فقد صرح كوهين بوضوح أن إسرائيل “ستتنازل عن التطبيع مع السعودية لأن الأولوية هي فرض سيادتنا على الضفة الغربية”. يعكس هذا التصريح رؤية ترى في السيطرة على الأراضي الفلسطينية هدفًا أعلى من المكاسب الدبلوماسية التي قد يجلبها التطبيع. هذه الأولويات الإسرائيلية قد تلقي بظلالها على أي محاولات للتقدم في مسار التطبيع، وتضع تحديًا أمام الشروط التي وضعتها الرياض في هذا الصدد. إنها تظهر أن الموقف الإسرائيلي لا يزال يميل نحو تحقيق أهداف معينة على حساب ما يُنظر إليه كحلول قائمة على التنازلات المتبادلة في القضية الفلسطينية. كما أن هذا الموقف الإسرائيلي الصريح يضع على المحك جدية أي شروط مسبقة كانت قد وضعتها “السعودية”، لإتمام أي اتفاقيات تطبيع. فإذا كان كيان الاحتلال يعلن جهارًا نهارًا أنها ستتنازل عن التطبيع في سبيل تحقيق أهدافها التوسعية، فهذا يكشف هشاشة الموقف الذي يراهن على “شروط” لا تحظى بأي اعتبار على الطاولة الإسرائيلية.
