منظمة العفو الدولية: عمليات إعدام “مروعة” في “السعودية”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 579
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

اتهمت منظمة العفو الدولية النظام السعودي بتنفيذ عدد “مروع” من أحكام الإعدام في السنوات الأخيرة، خاصة في قضايا تتعلق بالمخدرات. وفي تقرير جديد أصدرته المنظمة أمس، كشفت أن “السعودية” أعدمت 1816 شخصًا بين كانون الثاني/ يناير 2014 وحزيران/ يونيو 2025، موضحة أن واحدًا من كل ثلاثة من هؤلاء أعدموا بسبب جرائم تتعلق بالمخدرات، والتي لا تستوجب حكم الإعدام بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقالت المنظمة إن جل عمليات الإعدام تستهدف الأجانب في قضايا مخدرات، إضافة إلى “سعوديين” من الأقلية الشيعية. وأفاد التقرير أن 597 شخصًا أُعدموا خلال هذه الفترة في قضايا مخدرات، كان نحو 75 بالمئة منهم من الأجانب، في وقت تفتقر فيه محاكماتهم إلى ضمانات المحاكمة العادلة. وقالت كريستين بيكرلي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن “استخدام السعودية لعقوبة الإعدام بلا هوادة ولا رحمة، وبعد محاكمات جائرة، لا يُظهر فقط استخفافًا مرعبًا بحياة البشر، بل يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي”. وأضافت: “نا نشهد اتجاهًا مرعبًا حقًا حيث تنفذ عقوبة الإعدام بوتيرة مروعة في المواطنين الأجانب عقابًا على جرائم ما كان ينبغي أبدًا أن يعاقب مرتكبها بالإعدام. ويفضح هذا التقرير الواقع القاتم والمميت الكامن وراء الصورة التقدمية التي تحاول السلطات إظهارها للعالم”. وسجل التقرير أن عام 2024 شهد تنفيذ 345 حكم إعدام في “السعودية”، وهو أعلى رقم ترصده المنظمة في البلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود. كما أوضحت أن 122 من هذه الإعدامات كانت في قضايا مخدرات، وهو أعلى معدل سنوي في هذا النوع من الجرائم منذ بدء رصد المنظمة في 1990. وخلال النصف الأول من عام 2025، أي حتى حزيران/ الماضي، أعدمت “السعودية” 180 شخصًا، بينهم 46 في شهر يونيو/حزيران وحده، من بينهم 37 في قضايا مخدرات، أي بمعدل يفوق إعدام شخص واحد يوميًا في مثل هذه القضايا. ومن بين من أُعدموا في هذا الشهر، 34 من الأجانب ينتمون إلى جنسيات عدة منها إثيوبيا، الأردن، باكستان، سوريا، الصومال، مصر، ونيجيريا. وأكدت المنظمة أن “السعودية” تراجعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 عن وقف مؤقت في تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا المخدرات كان قد أُعلن عنه في يناير/كانون الثاني 2021. ومنذ ذلك الحين، نفذ النظام السعودي 262 حكم إعدام في قضايا مخدرات، أي ما يقرب من نصف الإعدامات المتعلقة بهذه الجرائم خلال السنوات العشر الأخيرة. وأشارت المنظمة إلى أنها تستند في تقريرها إلى تحليل كمي شامل لعمليات الإعدام المُبلّغ عنها على مدى أكثر من عشر سنوات، وإلى دراسة متعمقة لقضايا مواطنين أجانب أُعدموا. ورأت أن الواقع يثبت وجود تناقض صارخ مع ما سبق أن أدلى به محمد بن سلمان من تصريحات علنية تفيد بأن “السعودية” تحد من عقوبة الإعدام في جرائم التعزير، ولفتت إلى أن “هذا التحليل يكشف عن نمط يتمثل في ممارسة القضاة لسلطتهم التقديرية في تشديد العقوبات وتوقيع أحكام الإعدام، حتى في قضايا جرائم غير القتل العمد، بدلًا من أن يستخدموا هذه السلطة التقديرية في الحد من فرض عقوبة الإعدام”. ويظهر تحليل منظمة العفو الدولية أن 122 من أحكام الإعدام التعزيرية التي صدرت في جرائم تتعلق بالمخدرات قد نفذت خلال عام 2024 وحده، وأن 118 من هذه الأحكام قد نفذت خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025. وسلّط التقرير الضوء على التمييز الذي يتعرض له الأجانب في النظام القضائي السعودي، بما في ذلك نقص التمثيل القانوني، الحواجز اللغوية، غياب الدعم القنصلي، وعدم توافر الترجمة الكافية، إضافة إلى مزاعم تعذيب لانتزاع اعترافات، استخدمت لاحقًا كأدلة في المحاكمات. يبرز التقرير كيف يُعاقب المواطنون الأجانب بالإعدام بمعدل مروع على جرائم تتعلق بالمخدرات؛ وتشمل جنسيات من أعدموا على مدى العقد المنصرم بوجه خاص الباكستانيين (155)، والسوريين (66)، والأردنيين (50)، واليمنيين (39)، والمصريين (33)، والنيجيريين (32)، والصوماليين (22)، والإثيوبيين (13)، إلى جانب مواطنين من جنسيات أخرى؛ ولا يزال عشرات آخرون من المواطنين الأجانب معرضين لخطر الإعدام الوشيك. ويواجه المواطنون الأجانب تحديات إضافية في تلقيهم محاكمات عادلة في “السعودية”؛ فهي ليست بلدهم الأصلي، ونظام العدالة الجنائية فيها يفتقر للشفافية بطبيعته. فقد قال أحد الأقارب لمنظمة العفو الدولية: “لا نعرف إن كان لديهم وثائق المحكمة الخاصة بهم… ولا نستطيع الحصول على اي وثائق قضائية لأننا ليس لدينا أحد داخل البلد يدعمنا في القضية، كممثل قانوني؛ وهناك أيضًا حاجز لغوي. اعتُقل شقيقي في غضون أسبوع منذ رحيله عن إثيوبيا، أثناء عبوره الحدود اليمنية؛ لم يكن يدري شيئًا عما كان سيواجهه على الحدود السعودية”. وبالتعاون مع منظمتين شريكتين هما المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة جاستس بروجكت باكستان (Justice Project Pakistan)، وثقت منظمة العفو الدولية قضايا 25 من المواطنين الأجانب من إثيوبيا، والأردن، وباكستان، والصومال، ومصر، من المدانين بجرائم تتعلق بالمخدرات، وقد أعدم بعضهم بالفعل ولا يزال الآخرون مسجونين في السعودية حاليًا في انتظار تنفيذ عقوبة الإعدام فيهم. واستنادًا لمقابلات معمقة مع عائلات 13 من هؤلاء الخمسة والعشرين شخصًا، ومع أفراد من المجتمع المحلي، ومسؤول قنصلي، ودراسة وثائق ومستندات قضائية، خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن المستوى التعليمي المحدود لهؤلاء المواطنين الأجانب المحكوم عليهم بالإعدام، وخلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية التي تتسم بالحرمان، قد جعلتهم أكثر عرضة للاستغلال أثناء هجرتهم، وزادت من صعوبة حصولهم على التمثيل القانوني في السعودية. ويوضح التقرير بالتفصيل أوجه الإخفاق الممنهجة في ضمان حقهم في محاكمة عادلة، بما في ذلك عدم إمكانية الحصول على التمثيل القانوني، ونقص الدعم القنصلي، وعدم تيسر ترجمة شفهية وافية، من جملة أمور أخرى. وتضمّنت أربع على الأقل من القضايا الموثقة أفرادًا أفادوا أنهم تعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء احتجازهم على ذمة المحاكمة بهدف انتزاع “اعترافات” منهم؛ فقد تراجع مثلًا حسين أبو الخير، وهو أب لثمانية أولاد يبلغ من العمر 57 عامًا؛ عن “اعترافه” المشوب بالتعذيب مرات عديدة أثناء إجراءات محاكمته، قائلًا إنه تعرض للضرب لدرجة أنه لم يعد قادرًا على الإمساك بقلم؛ ومع ذلك، استخدم القاضي أقواله التي يدين فيها نفسه كدليل لإدانته. ومثل هذه الممارسات تخلُّ بالتزامات السعودية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، فضلًا عن الضمانات الدولية الأخرى التي تكفل حماية حقوق من يواجهون عقوبة الإعدام. ووصف الأقارب لمنظمة العفو الدولية ما كابده المحكوم عليهم بالإعدام وعائلاتهم من المعاناة والعذاب النفسي الهائل؛ فقد ظل الكثيرون منهم لا يعلمون مآل الطعون التي قدموها في الأحكام الصادرة ولا التاريخ المحتمل لإعدامهم؛ بل في بعض الحالات، لم يبلغهم مسؤولو السجن بموعد تنفيذ الإعدام إلا قبل يوم واحد من تنفيذ الإعدام. وعلمت بعض العائلات بتنفيذ أحكام الإعدام عن طريق محتجزين آخرين أو عبر تقارير وسائل الإعلام. وفي جميع الحالات التي وثقتها منظمة العفو الدولية، احتفظت السلطات السعودية بجثامين المعدمين، فحرمت أقاربهم من حقهم في نعيهم ودفنهم وفقًا لممارساتهم الدينية – وهذا مسلك نددت به هيئات الأمم المتحدة باعتباره شكلًا من أشكال سوء المعاملة. وقالت زينب أبو الخير، شقيقة حسين الذي أعدم في السعودية في مارس/آذار 2023: “كنا منهارين، خاصة في غياب جثمان نرثيه ونودّعه. ولا جنازة نقيمها… في عمّان، جلس أفراد أسرتي بصمت في غرفة المعيشة عندما سمعوا الخبر، وصاروا يصرخون كالمجانين. هذا المشهد مزّق قلبي”. كما أشار التقرير إلى أن الأقلية الشيعية، التي تشكّل نحو 10-12% من السكان، كانت مستهدفة أيضًا بالإعدامات، حيث شكّلت نحو 42% (120 من أصل 286) من إجمالي عدد من أعدموا بتهم تتعلق بـ “الإرهاب” خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني 2014 ويونيو/حزيران 2025؛ وينعكس في هذه النسبة القمع السياسي الذي تتعرض له طائفة طالما عانت من التمييز المجحف، حيث كثيرًا ما تلاحق السلطات المنخرطين في المعارضة السلمية باعتبارها “إرهابًا”. ورغم مزاعم الإصلاحات القانونية التي أعلن عنها النظام، وثّقت المنظمة أن سبعة شبان يواجهون الإعدام حاليًا، بعضهم كان دون سن 18 عامًا وقت ارتكاب الجرائم المزعومة، وهو ما يعد خرقًا صارخًا لاتفاقية حقوق الطفل التي تعدّ “السعودية” طرفًا فيها، بحسب وصفها. وذكرت المنظمة أن توقيع عقوبة الإعدام على أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عامًا وقت ارتكاب السلوك الجنائي المنسوب إليهم محظور حظرًا باتًا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل التي تعد السعودية من الدول الأطراف فيها. واختتمت بيكرلي بقولها: “إن عقوبة الإعدام هي أقصى العقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة، ولا ينبغي استخدامها تحت أي ظرف”. ودعت إلى “وقف فوري لتنفيذ أحكام الإعدام مؤقتًا، تمهيدًا لإلغائها بالكامل”، وحثت المجتمع الدولي على ممارسة ضغوط جدية على السلطات السعودية من أجل وقف ما وصفته بـ”فورة الإعدامات” والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.