محاولات سعودية لاستمالة قرارات الهيئة الدولية للمناخ

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 413
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لطالما ساد اعتقاد راسخ بأن العلم والسياسة يجب أن يبقيا منفصلين تمامًا، لكن هذا الاعتقاد يواجه تحديًا خطيرًا داخل أروقة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي تُعد المرجع العلمي الأبرز والأكثر نفوذًا في قضايا المناخ على مستوى العالم. ففي هذه المؤسسة الحيوية، باتت مصالح النفط تتنافس بضراوة على الهيمنة، مهددةً بذلك جوهر استقلاليتها ونزاهتها العلمية. تجد الهيئة نفسها اليوم غارقة في سلسلة من الصراعات الداخلية الحادة والمحتدمة خلف الأبواب المغلقة. هذه الصراعات لا تنشأ من فراغ، بل تُغذيها بشكل مباشر وممنهج الدول المنتجة للوقود الأحفوري، وفي طليعتها “السعودية”. وتزداد حدة هذه التوترات وتأثيراتها السلبية مع تراجع مشاركة الولايات المتحدة، التي كانت في السابق لاعبًا رئيسيًا ونشطًا، مما يترك فراغًا يمكن استغلاله. تُركز الخلافات الحالية، والتي من المتوقع أن تبلغ ذروتها في الأسابيع القادمة، على عملية بالغة الأهمية: اختيار المؤلفين الرئيسيين لقسم حيوي من التقرير الرئيسي القادم للهيئة، وهو تقرير سوف يقدم توصيات سياسات مباشرة للحكومات حول كيفية تخفيض انبعاثات الوقود الأحفوري، التي تُعد المحرك الأساسي لأزمة المناخ العالمية. ولأن نتائج الهيئة تشكل حجر الزاوية في فهم البشر لتغير المناخ، وتوجه قرارات الحكومات والمستثمرين المستقبلية، فإنها تخضع لتدقيق علمي وسياسي مكثف، مما يجعلها عرضة للضغوط والنفوذ الخارجي. ما أثار جدلاً واسعًا وصدمة بين الأوساط العلمية والمراقبين هو ترشيح مصطفى بابكر، الخبير الاقتصادي السوداني، مسؤول سابق في شكرة “أرامكو” النفطية، ليكون واحدًا من ثلاثة مؤلفين رئيسيين منسقين لهذا الفصل الحاسم. وما زاد من خطورة هذا الترشيح هو أن بابكر يحمل في سجله المهني ثمانية عشر عامًا من الخبرة كموظف في شركة أرامكو السعودية، عملاق النفط العالمي الذي تسيطر عليه “الحكومة السعودية” بشكل شبه كامل. يخشى العلماء والمراقبون، وفق ما تنقله صحيفة “بوليتيكو”، أن يُضر هذا الترشيح، الذي يحمل في طياته تضاربًا واضحًا في المصالح، بمصداقية الهيئة ويقوّض ثقتها كمرجع عالمي موثوق به في علم المناخ. وقد وصفه البعض بأنه “استحواذ سياسي” من قبل صناعة النفط. على الرغم من تأكيد الوفد السعودي الرسمي على احترام البلاد لعمل الهيئة ونزاهتها، ومحاولاته تبديد المخاوف، فإن هذه التصريحات لم تفلح في تهدئة الانتقادات المتزايدة. فالسعودية، كأكبر مصدر للنفط في العالم، لديها مصلحة اقتصادية مباشرة في إبطاء وتيرة التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وتشير التقارير إلى أن ملك النوري، المستشار الأول في وزارة الطاقة السعودية وأحد نواب رئيس اللجنة، هو من أبلغ ترشيح بابكر، مما يربط بشكل مباشر بين “الحكومة السعودية” وعملية اختيار المؤلفين في الهيئة. هذا الارتباط الوثيق بين المسؤولين الحكوميين في دول منتجة للنفط وعملية صياغة تقارير المناخ يثير تساؤلات جدية حول مدى استقلالية الهيئة وقدرتها على مقاومة الضغوط. تُظهر هذه التطورات جهودًا ممنهجة من الدول المنتجة للنفط للتأثير على مخرجات الهيئة. فلم يقتصر الأمر على ترشيح شخصيات مرتبطة بالصناعة، بل امتد ليشمل محاولات لتغيير مسار العمل العلمي. فالسعودية، على سبيل المثال، سعت لتغيير عنوان ونطاق الفصل الذي قد يقوده بابكر، في محاولة واضحة لتخفيف حدة التوصيات أو توجيهها بما يخدم مصالحها الاقتصادية. وقد عارضت دول أخرى، مثل السويد، هذه المحاولات بشدة، مما يكشف عن حجم الصراع الدائر داخل الهيئة. كما كشفت المذكرات الداخلية التي تناولتها “بوليتيكو”، عن تجاهل عشرات المرشحين المؤهلين الآخرين عند ترشيح بابكر، ومن بينهم خبراء بارزون مثل يان مينكس، المتخصص في تحليل نتائج سياسات المناخ. هذا التجاهل يثير تساؤلات حول الشفافية ومعايير الاختيار، ويشير إلى أن الضغوط السياسية قد أثرت على عملية اختيار الخبراء. ورغم التنازلات التي قُدمت في النهاية لتهدئة المخاوف السعودية، فإن هذه التدخلات تثير تساؤلات جدية حول استقلالية الهيئة وقدرتها على تقديم تقييمات علمية محايدة في مواجهة المصالح الاقتصادية الضخمة. “بوليتيكو يختم تقريره بالإشارة إلى أن “ما يحدث داخل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ليس مجرد خلافات فنية، بل هو معركة حقيقية على مستقبل السياسات المناخية العالمية، حيث تحاول قوى النفط فرض نفوذها وتوجيه مسار الأبحاث والتوصيات بما يخدم مصالحها القائمة على الوقود الأحفوري، مما يضع علامة استفهام كبيرة على نزاهة هذه المؤسسة الحيوية”.