كيف تحوّلت أنظمة السير السعودية إلى أدوات نهب ومراقبة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 700
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لا يأتمن المواطن في شبه الجزيرة العربية على حقوقه في ظل حكم آل سعود في أبسط المجالات، وهذه القاعدة تنطبق حتى في الطرقات التي يرتادها المارة والسائقين. وعليه فتشكل على سبيل المثال الكاميرات المروعة في الطرقات التي توضع عادة لضبط الأمن، لا ينظر لها المواطن من هذه الزاوية، ففي دولة بوليسية وقامعة لا يتوقع المواطن من هذه الكاميرات إلا أن تكون مصدر معلومات استخباراتي إضافي للجهات الحكومية تمكّنها من زيادة وسائل قمعها. أيضا من ضمن الأمور التي لا يُنظر لها نظرة إيجابية، الضرائب التي تُفرض على كل كبيرة وصغيرة يقوم بها السائق. تُفرض الغرامات المرورية في “السعودية” من قِبل الإدارة العامة للمرور (مورور) تحت إشراف وزارة الداخلية، ووفقا للأخيرة “تهدف هذه الغرامات إلى تعزيز سلامة الطرق، وتقليص الحوادث، وتنظيم سلوك السائقين، وتُسجل عبر نظام “ساهر” (لمراقبة الآليات بالكاميرات) وعبر أشخاص ضباط المرور، مع ذلك يرى النقاد أن هذا النظام، أكثر من كونه أداة للسلامة، يشكل آلة لتوليد الإيرادات والضغط على الناس. هذه الغرامات وضعت السائقين تحت ضغط كبير؛ فمثلا، غرامة ١٥١ ريال لعدم ربط الحزام تمثل جزءا كبيًرا من دخل عامل براتب 2000 ريال. يقول النقاد إن “ساهر” أقرب إلى فخ لتوليد الإيرادات منه إلى تعزيز السلامة، إذ تظل الطرق السيئة والتدريب الضعيف المشاكل الأساسية. ومن جهة أخرى، يرى المؤيدون أنه رفع مستوى النظام على الطرق، لكن الشفافية في إنفاق هذه الغرامات ضعيفة. لا يمكن نكران ضرورة فرض قوانين صارمة للحفاظ على أمن الطرقات والسائقين كما المارّة، إلا أن كثير من الوقائع الأخرى تثبت عدم جدية هذه القوانين بما يتعلق بالأمانة العامة. فحالة طرقات العديد من المناطق المهمشة كفيل بأن يعكس مدى جدّية السلطات في هذا الأمر، حيث تعاني طرقات العديد من المناطق، سيّما التي تقع في “المنطقة الشرقية” من الإهمال المتعمد وهو ما ينبئ بأن الغرامات التي تُفرض في هذا المجال ما هي إلا أداة تعبئة للخزينة. فالغرامات الباهظة على مخالفات بسيطة، مثل السرعة بزيادة ١١ كيلومتر في الساعة أو الوقوف في مكان دون علامة واضحة، تحولت بسرعة إلى مصدر إيرادات ضخم. وتُظهر تقارير أن “ساهر” يجمع مليارات الريالات سنويا من جيوب السائقين، لكن هل تُنفق هذه الأموال فعلا على تحسين الطرق أو تدريب القيادة؟ يعتقد النقاد أن هذه الإيرادات تتدفق أكثر نحو مشاريع استعراضية ونفقات غير ضرورية للنظام بدلا من سلامة الناس الحقيقية. من أبرز الإنتقادات الموجهة للغرامات في “ساهر” هو تجاهل الأوضاع الإقتصادية للمواطنين، فالغرامات التي تبدأ من ١٥١ ريال وتصل إلى 2000 ريال للمخالفات المتكررة قد تكون تافهة للأثرياء، لكنها بالنسبة للعامل وسائقي التاكسي والأسر منخفضة الدخل تمثل ضربة قوية لميزانياتهم الشهرية. يقول النقاد إن هذه الغراما تُفرض دون مراعاة التناسب مع دخل الأفراد، ولا يوجد آلية فعالة للإعتراض أو التخفيف، مما يكشف عن تجاهل النظام للعدالة. يشكو العديد من المواطنين من أن نظام “ساهر” صمم بطريقة تجعل السائقين يقعون في الفخ لزيادة جمع الغرامات. وتُركَّب الكاميرات أحيانًا في أماكن تفتقر الى لوحات تحذيرية كافية، أو تتغير حدود السرعة فجأة دون أن يتسنى للسائقين التكيف. فعلى سبيل المثال، في بعض الطرق، تنخفض السرعة المسموحة من ٢١ إىل ٦١ ا كيلومترا في الساعة دون علامة واضحة، وتسجل الكاميرات المخالفة فورا، ويرى النقاد أن ذلك مقصود، وأن الهدف ليس تصحيح سلوك السائقين، بل تضخيم عدد الغرامات، علاوة على ذلك، هناك تقارير عن أخطاء تقنية تصدر غرامات غير صحيحة، لكن عملية الاعتراض معقدة ومرهقة لدرجة أن الكثيرين يفضلون دفع الغرامة على الخوض في البيوقراطية. لا يقتصر نظام “ساهر” على تسجيل المخالفات؛ فهذه الشبكة الواسعة من الكاميرات والتقنيات الرقابية تتبع تحركات المواطنين في أنحاء البلاد. وفي هذا السياق، تجري السلطات السعودية عملية تركيب 2000 كاميرا مراقبة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي في الدمام، ضمن خطة تشمل تركيب 4000 كاميرا في مختلف أنحاء المنطقة الشرقية. ورغم ترويج السلطات للمشروع كخطوة لتحسين جودة الحياة وتعزيز السلامة، بالإضافة إلى تنظيم الحركة المرورية، إلا أن مراقبين يرون في هذه الخطوة أداة جديدة لتوسيع نطاق القمع وملاحقة المواطنين ، خصوصًا في المناطق التي تعاني من التهميش. الكاميرات، التي توزعت في الشوارع والميادين والواجهات البحرية، تنقل بيانات مباشرة إلى غرفة تحكم تعمل على مدار الساعة، ما يثير مخاوف من التتبع المستمر والتضييق على الحريات العامة. تأتي هذه الخطوة ضمن منظومة أمنية أوسع تستخدم التكنولوجيا، فبحسب سجل النظام السعودي لا يستخدم التقنيات لتحسين جودة الحياة وإنما لفرض القبضة الأمنية، وهو ما يعد انتهاكًا للخصوصية، خاصة في هكذا بلد تُقيّد فيه الحريات الفردية بشدة. رغم سنوات عمل “ساهر”، الذي انطلق منذ عام 2010، يقول النقاد إنه لم يكن له تأثير كبير في تقليص حوادث السير فعليا. فلا تزال إحصاءات الحوادث على الطرق في البلاد مرتفعة، وتعود الكثير من الحوادث إلى عوامل مثل سوء الطرق، ونقص تدريب السائقين، وثقافة القيادة العدوانية، وليس فقط السرعة. ويرى النقاد أنه بدلا من الإستثمار في هذا النظام الباهظ، كان بإمكان النظام تخصيص الميزانية لتحسين البنية التحتية، مثل إنارة الطرق، أو تركيب حواجز حامية، أو فرض تدريب إلزامي للسائقين. “السعودية” والإمارات: تنافس على المراقبة أمام التنافس المتصاعد بين “السعودية” والإمارات، وفي ظل ما تمثّله الإمارات من نموذج ناصع لكيف تحكم السلطات الحكومية قبضتها على الداخل من خلال الأساليب الاستخباراتية المتطورة، لا يمكن النظر لأساليب المراقبة المبطنة التي تعتمدما “السعودية” إلا في سياق رفع حدة القمع ضد مواطنيها. وفي تقرير صدر مؤخرا عن منظمة بحرانية، فيه رصد لكيف يمكن للأنظمة الاستبدادية استخدام التكنلوجيا الحديثة في إحكام قبضتها على مواطنيها وكل من يتواجد على أراضيها. وكما هو مخطط لمدينة نيوم، حيث يخطط لأن تحتوي “ذا لاين” على نظام المراقبة المدعوم بالذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. أيضا في الإمارات يدمج برنامج “عيون” في دبي أكثر من 300 ألف كاميرا مزودة بخاصية التعرف على الوجه، مما يتيح مراقبة فورية للسكان والزوار. وبالمثل، يوفر نظام “عين الصقر” في أبوظبي مراقبة شاملة في جميع أنحاء المدينة، مما يعزز قدرة الحكومة على تتبع تحركات الأفراد. وفي تعدادها للآثار المترتبة على حقوق الإنسان، تذكر المنظمة: المخاطر على الخصوصية؛ حرية التعبير وتكوين الجمعيات؛ إساءة استخدام تقنيات المراقبة مثل برنامج بيغاسوس الذي طورته مجموعة NSO الإسرائيلية، لمراقبة المعارضين ومن يُنظر إليهم على أنهم معارضون محليًا ودوليًا. في التوسع حول نقطة المخاوف على الخصوصية، تنوّه المنظمة إلى قدرة تقنيات مراقبة الذكاء الاصطناعي في الأماكن العامة على مراقبة وتحليل السلوكيات الشخصية باستمرار دون موافقة أفراد المجتمع، بما يشكّل انتهاكًا للحق في الخصوصية المنصوص عليه في المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقد تؤدي هذه المراقبة المكثفة إلى الرقابة الذاتية، إذ قد يُغير الأفراد سلوكهم لإدراكهم أنهم مُراقَبون باستمرار. وسبق أن تناول الفيلم الوثائقي “مراقب” لرونان فارو الانتشار العالمي لبرامج التجسس وتأثيرها على الديمقراطية والحرية، مشددًا على ضرورة وضع لوائح دولية لتنظيم استخدام هذه التقنيات التطفلية. تخلص adhrb إلى أن إدخال تقنيات المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة، وكما هو الحال في “السعودية، سيما مع مشاريع رؤية 2030 المرتقبة، يعكس اتجاهًا عالميًا حيث تسعى الدول إلى استخدام أدوات تكنولوجية متطورة لتعزيز إدارة الأمن والحكومة. ومع ذلك، فإن غياب الضمانات الكافية قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعدي على الخصوصية وحرية التعبير وحرية التجمع.