السعودية وصراع البقاء

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2555
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أسامة فاروق خلف
بوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة ضمن حدود المملكة العربية السعودية، أخذت المملكة مكانة دينية مرموقة، ومع توافد الملايين من المسلمين سنوياً من أجل أداء فريضة الحج والعمرة، ساهم في إنعاش اقتصاد المملكة، ومع اكتشاف النفط داخل حدود المملكة انتقلت السعودية نقلة نوعية في الرفاهية، فكانت نعمة تساق إلى أصحاب الأرض، ومالاً إذا قسم بل لو وزعت أموال زكاة هذا المال على سكان المملكة لتحول كل سكان المملكة إلى أصحاب الملايين، ولكن نعمة النفط قادت معها نقمة الجشع والطمع، فحبس خيرات المملكة عن مواطنيها، وأصبحت حكراً بيد قلة، ونظام الحكم القائم في الأساس على مفهوم الأبوية، يجعل من الحاكم المالك الفعلي لكل ما يوجد داخل حدود مملكته، فقوله مرسوم لا يرد، وأمره واجب تنفيذ، وإذا ما أعجب بشيء يجب أن يعجب به الجميع، وإذا ما غضب يجب أن يغضب الجميع، وإذا أعطى وجب شكره فهو الواهب المانح، وإذا حجب فلا يجب أن تسأل أو تطالب، فالمواطن لا يتعدى كونه أحد رعايا المملكة.
لم يشتكِ سكان المملكة من النظام الأبوي، خاصة أن معظم سكان المملكة من أصل قبائلي، ما زالت العشيرة والقبيلة هي أساس التعاملات اليومية، ولكن في العشرين عاماً الماضية ظهرت مجموعة من المعارضين لنظام الحكم داخل المملكة، معلنين اعتراضهم على نظام الحكم بالفساد السياسي والاقتصادي، فكيف لدولة يدخل عليها يومياً أموال بمئات ملايين الدولارات وتجد بها أناساً يسكنون الصفيح، وشباباً لا يملكون مقومات الحياة، فلا بيوت لهم ولا يقدرون على الزواج، ومع أن القضايا التي تناولها المعارضون حقيقية، ومعاناة يشعر بها كل مواطن، الآن العادات والتقاليد، والولاء للحاكم جعل حتى المتأذي من سياسات آل سعود بأن يصمت، ومن لم تقنعه العادات والتقاليد والعشيرة، وجد ضالته في غياهب سجون ودهاليز المعتقلات، مما أجبر المعارضين لنظام الحكم على الهروب خارج المملكة.
استمر هذا الوضع حتى مطلع 2008 عندما بدأت مجموعات منظمة تتجرأ على محاولة حشد المواطنين في الساحات العامة، والسعي لتشكيل اعتصامات وإعلان العصيان المدني، ورغم نجاح النظام في وأد جميع المحاولات قبل خروجها إلى الشارع، فإن الدعوات ما أن تفتر حتى تعود، وتأتي الدعوة الجديدة المقررة في 15 سبتمبر/أيلول من العام الحالي الأكثر خطورة، فالمملكة تعيش حالة من التردي السياسي، والاقتصادي، وتعيش في حالة من الحرب الفعلية في الجنوب ضد الحوثيين، وخسرت العديد من الحلفاء السياسيين والدول المركزية مثل تركيا، وباكستان، كما أن المملكة صرفت المليارات من أجل كسب الولاءات في بعض الدول مثل تمويل انقلاب مصر وتمويل حفتر في حربه بليبيا، وتشكيل تحالف عربي لمحاربة الإرهاب والمشاركة الفعلية بضرب الحركات المصنفة إرهابية في سوريا، ولا يخفى على أحد كيف أثر النزاع داخل البيت الخليجي وحصار قطر على اقتصاد المملكة سلباً، وكيف أصبحت سلطنة عمان أكثر حذراً في تعاملاتها مع السعودية.
في ظل الوضع المتأزم للمملكة الذي لم تمر به من قبل، يحق للجميع أن يتساءل هل ستتمكن السعودية من تخطّي الأزمة؟
حقيقة هذا سؤال حتى آل سعود لا يملكون جواباً شافياً عليه، وأصبح عملهم متخبطاً ومخالفاً لكل القيم والمعتقدات التي تدين بها المملكة، فقد تناقلت بعض مواقع التواصل اتصالاً هاتفياً بين أمير سعودي والمعارض الدوسري يهدد به الأمير السعودي الدوسري بالقتل بشكل علني، مما أثار حملة تعاطف واسعة داخل السعودية بشكل غير مسبوق، مما يدل على أن سياسة القمع بدأت تفقد مكانتها، وأصبح المواطن أكثر جرأة على الكلام وتحدي أنظمة الحكم، وإعلان موقفه بدون تردد، وما أكد أن السعودية أصبحت تتخبط وتخشى هذه الدعوات قيام المملكة باتصال في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة إيجاد خطوط اتصال وتطوير العلاقات وفتح أفق للسلام بين العرب ودولة الاحتلال.
إن زيارة أمير سعودي إلى تل أبيب بشكل سري أو علني، مهما حملت من أفكار من أجل السلام العربي الإسرائيلي، إلا أنها تحمل في طياتها أبعاداً كثيرة، فمعظم من يتصل بإسرائيل ويحاول أن يكوّن علاقات معها يكون له أهداف سياسية وعسكرية، فالجميع يذكر كيف كانت دولة الاحتلال تغذي متمردي جنوب السودان، وكيف بنت لهم المطارات ومدتهم بمدربين وعتاد عسكري، وكيف لعبت نفس هذا الدور مع أكراد العراق وأكراد تركيا والآن بعض أكراد سوريا.
وببحث صغير تجد أن دولة الاحتلال تمد ميانمار بالسلاح والتدريب في حربهم ضد مسلمي أراكان، وتتعامل بالمثل مع تايلاند ضد مجموعات أبو سياف الإسلامية، مما يطرح تساؤلاً جديداً هل تسعى السعودية إلى الخبرات الإسرائيلية لقمع الحراك القادم في 15 سبتمبر/أيلول، أم أنها تريد أن تشعل جبهة جديدة مع إيران الدولة التي تتراشق معها السعودية بالكراهية والتحديات القائمة على الخلافات الطائفية، وتتفق كل من السعودية وإسرائيل على خطورة إيران على أمنهم وسلامهم الداخلي.
مهما كان الهدف من الاتصالات بين السعودية ودولة الاحتلال، تبقى الحقيقة واحدة: السعودية تعيش حالة من التردي السياسي والاقتصادي، وتعيش حراكاً داخلياً يهدد بقاء المملكة وتماسكها، ومع وجود نية غربية لرسم شرق أوسط جديد بمواصفات خاصة يشمل تفتيت بعض الدول، وإنشاء أخرى لم تكن موجودة، ومع محاولة تمرير صفقة القرن التي تقوم بالأساس على إنهاء وجود الفكر الإسلامي ومنع وصوله إلى الحكم في المستقبل القريب أو البعيد، يُطرح سؤال: هل ستغض الدول الغربية الطرف عن الحراك الداخلي وتسمح بانهيار المملكة العربية السعودية؟