وجود الجبير في واشنطن يعكس حدوث تغيير في خريطة الأولويات السعودية ويبرز المخاوف من فوز ترامب..
ما هي هذه المخاوف؟ وهل باتت الملفات السورية والعراقية واليمنية تحتل مرتبة اقل في هذه الخريطة؟ ولماذا التركيز على مجلسي الشيوخ والنواب؟
تشعر السلطات السعودية بحالة من القلق من جراء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية الأخيرة، لان الرجل اظهر اثناء حملته الانتخابية عدم الود تجاهها، وشدد على عدم استيراد نفطها، وطالب بتسديدها حوالي ربع مدخولاتها النفطية مقابل الحماية التي تقدمها لها بلاده، وهذا القلق دفعها الى الاقدام على خطوتين رئيسيتين مهمتين في محاولة لتقليص الخسائر اذا لم يتم فعلها:
الأولى: ايفاد السيد عادل الجبير وزير الخارجية، والسفير السابق في واشنطن، الى الولايات المتحدة في مهمة “استباقية” الهدف منها تطويق أي اضرار يمكن ان تلحق بالمملكة من جراء فوز ترامب، وتعزيز التحالف السابق بين البلدين الذي استمر حوالي ثمانين عاما.
الثانية: التعاقد مع اكثر من 12 شركة علاقات عامة، وتوظيف العديد من الشخصيات الامريكية الفاعلة مثل الوزراء والدبلوماسيين السابقين للدفاع عن مصالحها في وسائل الاعلام والمؤسسات السياسية والاقتصادية الامريكية.
بالنسبة الى النقطة الأولى يمكن القول انها انعكست في زيارة السيد الجبير للكونغرس الأمريكي مرتين في غضون ثلاثة أيام على رأس وفد ضم السيد محمد آل شيخ وزير الدولة، حيث التقى بشخصيتين على درجة كبيرة من الأهمية والنفوذ هما جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب، والسناتور اوروين هاش، رئيس لجنة الشؤون المالية في مجلس الشيوخ، وكان لافتا ان السفير السعودي في واشنطن الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود لم يكن ضمن الوفد.
اما على صعيد النقطة الثانية، فجرى توظيف شخصيات مثل دينيس روس، مبعوث الشؤون الشرق الأوسط السابق، وزلماي خليل زادة السفير الأسبق في العراق ليكونا رأس حربة في حملة العلاقات العامة المضادة للرئيس ترامب.
تركيز السيد الجبير على مجلسي الشيوخ والنواب خطوة مهمة، وان جاءت متأخرة، لان المجلسين هما اللذان كسرا “فيتو” الرئيس باراك أوباما الذي صدر لمنع قانون “العدالة ضد رعاية الإرهاب”، او “جستا” الذي يعطي شرعية للمتضررين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر لمقاضاة المملكة العربية السعودية بسبب دعمها لـ”الإرهاب”.
مهمة السفير الجبير قد تكون صعبة لان الجمهوريين يسيطرون حاليا على المجلسين، ويملكان الأغلبية فيهما، وهؤلاء يصطفون خلف الرئيس الجمهوري الجديد، ويعلمون جيدا ان السلطات السعودية والقطرية، كانت تدعم السيدة هيلاري كلينتون في سباق الرئاسة، وقدمت أموالا لدعم حملتها الانتخابية بصورة غير مباشرة، وكشفت رسائل السيدة كلينتون التي تم الكشف عنها في حسابها الخاص على الايميل انها تلقت مليون دولار تبرعا من دولة قطر لصندوق كلينتون الخيري عندما كانت وزيرة للخارجية.
النقطة الأخرى اللافتة للنظر ان زيارة السيد الجبير لواشنطن في ظل التطورات الخطيرة التي طرأت أخيرا على الملفات السورية والعراقية واليمنية، حيث معركة حلب في ذروتها في الملف الأول، والموصل كذلك في الملف العراقي، وزيارة جون كيري نظيره الأمريكي الى مسقط ولقائه مع وفد من الحوثيين في اطار مساعيه لوقف الاعتداءات في اليمن تمهيدا لاستئناف المفاوضات، هذا الغياب للسيد الجبير عن هذه التطورات المتسارعة، يوحي بأن القيادة السعودية بدأت تنسحب منها تدريجيا، وتضع علاقاتها مع الإدارة الامريكية الجديدة على قمة أولوياتها.
السيد الجبير يملك خبرة عميقة في الشؤون الامريكية، اكتسبها عندما عمل دبلوماسيا، ثم سفيرا لبلاده في واشنطن قبل ان يتولى منصبه الحالي، لكن ضخامة التحديات التي يواجهها في مهمته الحالية، وتتمثل في وجود عداء مستحكم لبلاده في اكبر مؤسستي حكم امريكيتين، أي مجلسي الشيوخ والنواب من ناحية، ومؤسسة الرئاسة من ناحية أخرى يجعل احتمالات النجاح محدودة، ولكن لا بأس من المحاولة.
“راي اليوم”