عمّان تحت العباءة السعودية: لا بدّ من الرياض...

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 774
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أنبأت زيارة محمد بن سلمان إلى الأردن، والحفاوة البالغة التي استُقبل بها هناك، بانفتاح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدَين، على رغم بقاء عدد من المسائل العالقة، ومن بينها قضية باسم عوض الله التي يبدو أنها ستكون محلّ مساومة. والظاهر أن ما يحفّز إنهاء القطيعة هو العمل الجاري على إعادة ترتيب خريطة التحالفات في المنطقة، ورصّ صفوف «شركاء» الولايات المتحدة في وجه إيران، التي لن يكون الأردن مستثنى من أيّ مشروع مُوجَّه ضدّها

عمّان | على رغم انتهاء زيارة وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الأردن، حيث استُقبل بحفاوة بالغة، لا تزال الزيارة تَشغل الأوساط الإعلامية، ولا سيما منها تلك المحسوبة على القصر، والتي خصّصت مساحات واسعة لكيْل المديح للمملكة، والثناء على العلاقات الثُنائية وحجم التبادل الاقتصادي. وأنبأت تلك الحفاوة بوجود تَوجّه لدى القصر، عكَسه كُتّابه ومنظّروه وأبرزهم فهد الخيطان (الذي انفرد إبّان أحداث «قضية الفتنة» بالغمز من قناة الرياض لتورّطها في القضية، قبل أن يُعيَّن بعد ذلك مديراً لإدارة الإعلام والاتصال في الديوان الملكي)، لتجاوُز هذا الخلاف، الذي تأخَّر ابن سلمان عن ردمه أكثر من عام، خلافاً لرئيس الإمارات، محمد بن زايد، الذي تداركَه مبكراً، وسارع إلى ترميم العلاقة مع عبد الله الثاني.
وسبقت زيارةَ ابن سلمان تحرّكاتٌ لعبد الله ووليّ عهده حسين، الذي يجري العمل على تلميع صورته منذ «أحداث الفتنة»، وتحضيره بشكل جيّد للخلافة، خصوصاً في اللقاءات مع الخليجيين والمصريين، وهو ما بدا واضحاً في «زيارة العمل» - كما وصفها الديوان الملكي - التي قام بها الرجلان، واستمرّت لساعات فقط، إلى شرم الشيخ، حيث التقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين حمد بن عيسى آل ثاني. وحمل هذا اللقاء رسائل متعدّدة، لعلّ أبرزها اثنتان: أولاها، إعادة إحياء فكرة «تحالف الشام الجديد» (الذي اقترحه السيسي ويضمّ مصر والأردن والعراق)، بأبعاده الأمنية خصوصاً، وهو ما لا يمكن بغدادَ الانخراط فيه بسهولة، حتى لو لم تكن لديها ممانعة مبدئية حياله، فيما الرسالة الثانية هي الانزياح المصري الكامل نحو المموِّل السعودي، على نحوٍ يستلهم بشكل أو بآخر النموذج البحريني. ويعني ذلك، أخذاً في الاعتبار أيضاً أن جميع الأطراف التي اجتمعت في شرم الشيخ هي أطراف مُطبِّعة مع إسرائيل بشكل رسمي وعلى علاقة طيّبة مع السعودية، وأن عودة ابن سلمان إلى المسرح باتت واجبة، في ظلّ التغييرات الكثيرة منذ خروج دونالد ترامب من المكتب البيضاوي، وحالة الفراغ التي خلّفتها إدارة جو بايدن في المنطقة، والتي تحدّث عنها عبدالله بصراحة في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، حيث ألمح إلى وجود رؤى لدى دول المنطقة للتحرّك، خصوصاً على خطّ القضية الفلسطينية التي أهملتها الإدارة الأميركية منذ عامين. وفي خضمّ ذلك، لا تغيب «الحرب» المتواصلة بشكل أو بآخر بين إيران وإسرائيل، التي أجرى مستشارها للأمن القومي، إيال حولاتا، زيارة إلى الأردن قبل يوم واحد من وصول وليّ العهد السعودي إليه، في ما لا يمكن فصله عن الجولة المرتقبة لبايدن في المنطقة، وعودة التركيز على إيران بعدما استحوذت أوكرانيا لوقت على كامل المشهد.

على المستوى الاقتصادي، أجرى الوفد الضخم المُصاحب لابن سلمان، الذي جرى تقليده أرفع وسام أردني (وسام الشريف الحسين بن علي)، لقاءات متعدّدة في وقت قياسي في مجالات متنوعّة كالبيئة والنقل والطاقة وغيرها، في ما أنبأ بطيّ صفحة شدّ العصب بين عمّان والرياض، والعودة الأردنية إلى الحضن السعودي. ولكن خلافاً للمساعدات المالية الواضحة لمصر، لم يوقّع الجانبان الأردني والسعودي أيّ مذكّرات تفاهم، ما يعني أن أوان استئناف الدعم لم يَحِن بعد، خصوصاً إثر فترة انقطاع استُبدلت فيها المشاريع التنموية بالمِنح النقدية، مع التذكير هنا بأن ثمّة ورقة يمكن لعمّان «اللعبُ» بها في هذا الإطار، وهي ورقة رئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله - الذي عمل سابقاً مستشاراً لابن سلمان أيضاً -، المعتقَل في الأردن على خلفيّة تورّطه في أحداث «الفتنة».
بالنتيجة، يمثّل الأردن محطّة لا يمكن تجاوزها بالنسبة إلى السعودية، خصوصاً في ظلّ الحديث عن حلف أمني ضدّ إيران، لا مناص من أن تكون المملكة الهاشمية حاضرة فيه بجغرافيّتها السياسية، بحُكم تواجد القوات الأميركية على أراضيها في كامل قواعدها العسكرية ونقاطها الحدودية، بعد توقيع «معاهدة التعاون الدفاعي» بين الولايات المتحدة والأردن، إضافة إلى استعداد الأخير لاستضافة أكبر مناورات أميركية في المنطقة، هي «الأسد المتأهّب»، مجدّداً، بعد انقطاع بسبب جائحة «كورونا». وما لم يَذكره الإعلام الأردني أن قائد القيادة المركزية الأميركية، الفريق أوّل إريك كوريلا، أعلن، خلال زيارته عمّان في الثلث الأخير من أيار الماضي، عودة المناورات في أيلول المقبل، إنّما على نحو استثنائي، حيث ستشهد، للمرّة الأولى، مشاركة قوّات عسكرية إسرائيلية في تدريبات علنية في الأردن. والجدير ذكره، هنا، أن عبدالله استقبل كوريلا أيضاً، قبل ساعات من استقباله ابن سلمان.