بتواطؤ حكومي: معاناة عاملات أجنبيات في “السعودية”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 153
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أجرت صحيفة “نيويرك تايمز” تحقيقاً يتناول قضية النساء المهاجرات من جنوب آسيا بقصد العمل في “السعودية”، ظروف قاسية يواجهها المهاجرون والنساء بشكل خاص، وأنظمة ووكالات توظيف يُصرّ على الإبقاء عليها لارتباطها بـ”أمراء”، وغيره يكشفه التحقيق الذي نُشر حديثاً. لقي ما لا يقل عن 274 كينياً حتفهم في “السعودية” خلال السنوات الخمس الماضية، معظمهم من النساء. وفي العام الماضي وحده، توفي 55 كينياً على الأقل، أي ضعف عدد الوفيات في العام الذي سبقه. تشريح جثث بعض من لقوا حتفهم خلال تواجدهم في “السعودية” أثار المزيد من التساؤلات، حيث ظهرت على جثة امرأة من أوغندا كدماتٌ واسعة وعلامات صعق كهربائي، ومع ذلك وُصفت وفاتها -في التقريرالطبي الصادر من “السعودية”، بأنها وفاة “طبيعية”. كما وجد التحقيق “عددًا مفاجئًا من النساء اللواتي سقطن من أسطح المنازل أو الشرفات، أو في إحدى الحالات، من فتحة مكيف هواء”. التحقيق يقول أنها لم تكن هذه “تجارة” غامضةً ينشط فيها أشخاصٌ غير معروفين: ولكن تُجنّد آلاف النساء من شرق أفريقيا، ويُدرَّبن في شركاتٍ عريقة، ثم يُرسَلن إلى “السعودية” عبر عمليةٍ مُنظَّمةٍ ومعتمدةٍ من قِبَل حكومات أوغندا وكينيا والسعودية. وإلى جانب قوانين العمل السعودية الظالمة، هناك تواطؤ مباشر من حكومات الأطراف المنضوية في عملية “التجارة” هذه. الصحيفة الأميركية أجرت مقابلات مع أكثر من 90 عاملاً وعائلاتهم، وقامت بتحليل عقود العمل بعناية، حتى تبيّن أن النساء من كينيا وأوغندا يتم إغراءهن بالقدوم إلى “السعودية” بوعود بأجور وفرص أفضل. تقدم وكالات التوظيف ووسطائها معلومات مضللة حول الأجور وتجبر العمال على توقيع عقود لا يستطيعون قراءتها. بعض الوكالات تُسوّق النساء كمنتجات: مواقع الوكالات الإلكترونية تعرض عاملات “للبيع” للعملاء السعوديين. رأينا إحداها تُتيح خيار “انقر للاستلام”. وهو بالفعل ما يتم معاملة العاملات وفقا له: “التملّك”. عند وصول النساء إلى “السعودية”، غالبًا ما يصادر أصحاب العمل جوازات سفرهن وممتلكاتهن. تعمل مدبرات المنازل الكينيات في السعودية مقابل حوالي 250 دولارًا أمريكيًا شهريًا. لكن العديد من النساء أخبرن أن رؤساءهن الجدد قللوا من أجورهن أو حرموهن منها، قائلين: “لقد اشتريتكِ”. “أمراء” يغطّون على مراحل الجريمة وباستخدام عقود العمل، أو تقارير الشرطة أو الوثائق القانونية، للوقوف على الشركات التي تستفيد من هؤلاء النساء، تبيّن أن من يقف خلف هذه الشركات هم من كبار المسؤولين سواء في “السعودية” أم في كينيا وأوغندا، حيث ظهر أنهم وأسرهم يمتلكون حصصاً في وكالات التوظيف. في “السعودية”، كان أفراد “العائلة المالكة”، بمن فيهم أحفاد الملك فيصل، من كبار المستثمرين في وكالات توظيف العمالة المنزلية. كما يشغل كبار المسؤولين السعوديين مناصب رفيعة في وكالات التوظيف. على صعيد الدول المنشأ لهؤلاء العمّال: فابيان كيول مولي، على سبيل المثال، عضو في البرلمان الكيني، ويملك وكالةً تُرسل النساء إلى السعودية. وهو نائب رئيس لجنة العمل البرلمانية، وهو منصبٌ يُخوله سنّ قوانين لحماية العمال. وقد كانت اللجنة في بعض الأحيان من أشدّ الداعمين لإرسال المزيد من الأشخاص إلى السعودية، ونفت تعرض العمال للأذى هناك. العاملات أفدن بأصناف التعذيب والإهانة التي تعرّضن إليها خلال عملهن في شبه الجزيرة العربية، ومن الشهادات التي أفدن بها للصحيفة، كان الحرمان من الطعام، الاغتصاب، الاعتدايء عليهم بأدوات التنظيف المؤذية، وحتى “الطعن”! في حين تدّعي الحكومة السعودية أن أجهزة إنفاذ القانون والمحاكم تحمي العمال من الإساءة وتساعدهم على طلب التعويض،  إلا أن النساء أخبرن الصحيفة بأنهن لم يتمكنّ من الوصول إلى هذه الموارد، وأعادتهن الشرطة إلى أصحاب عمل مسيئين أو إلى منشآت حكومية تُشبه السجون. فيما يضطر العديد من العمال المعنفين إلى دفع تكاليف عودتهم إلى أوطانهم، رغم أن اللوائح تنص على عدم وجوب ذلك. وقد وجدت تقاريرنا أن العمال اليائسين غالبًا ما يعودون إلى أوطانهم مفلسين، ومعاقين، ومُفكّرين في الانتحار. وفي حالات الإصابات الخطيرة أو الوفاة، تضطر الأسر إلى التعامل مع شبكة من البيروقراطية واللامبالاة والإفلات من العقاب. يخبر زوج إحدى الضحايا الأوغنديات التي لقت حتفها في “السعودية”، أنه علم بوفاة زوجته من اتصال من صاحب العمل الذي أعطاه خيارًا: “جسدها أو أجرها البالغ 2800 دولار”. بعض الدول المصدّرة للعمالة تتخذ خطوات عمليّة لا تغني العمّال يقع العامل الفارّ من انعدام الفرص في بلده بين مقصلة حكومته وسنداد القوانين السعودية، فلا تتعدا الخطوت التي تقدم عليها حكوماتهم مستوى تعليق ترحيل العمالة إلى دول الخليج للحدّ من حالات الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنيها، إلا أنها تتهرب من الحل الأنسب وهو مواجهة الحكومة السعودية، التي يبدو أنها تشتري صمت هذه الحكومات نظرا لحاجتهم لما يدرّه عليهم العمالة الخارجية. ففي بنغلاديش على سبيل المثال، يعتمد اقتصادها اعتمادًا كبيرًا على أسواق العمل الخارجية. ويعمل حوالي 70% من عمال بنغلاديش المغتربين، البالغ عددهم أكثر من 15 مليون عامل، في دول الشرق الأوسط، ويساهمون بأكثر من 22 مليار دولار سنويًا في التحويلات المالية، أي ما يقارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. تحت عنوان “حماية العمال المهاجرين” نُشر تحقيق في موقع newagebd في السابع عشر من مارس، بيّن المعاناة التي يعيشها العمال البنغلادشيون مع هجرتهم إلى دول الخليج لا سيما “السعودية” التي تستضيف أكثر من مليوني عامل بنغلادشي، بما في ذلك فساد نظام التوظيف الذي يضطر فيه العامل لدفع رسوم مبالغ فيها، من دون تأمين حماية حقوقه. وهو ما يجعل العمال البنغلاديشيين مثقلين بالديون قبل أن يصلوا إلى وجهتهم. التحقيق أشأر إلى أنه عند وصول العمال إلى دول الخليج، يتعرضون للسرقة، وظروف عمل غير آمنة، من دون أن يتمكنوا من اللجوء إلى القانون، حيث يعتبر البنغلاديشيون من بين الأكثر تعرضًا للخطر بسبب ضعف الحماية الحكومية لهم. لا تعطي حكومات العمّال ردود الفعل المتناسبة مع ما يتعرض له مواطنيهم في “السعودية”. إندونيسيا واحدة من الدول التي فرضت في السابق حظرًا على إرسال عمالها إلى دول الشرق الأوسط بسبب المخاوف المتعلقة بسوء المعاملة، بما في ذلك السعودية. فقد تعرض العمال إلى الاحتجاز وحرموا من العلاج وبالتالي منذ وصولهم إلى بلادهم تولت السلطات معاينتهم صحيًا. إلى جان بذلك، أعلن وزير حماية العمال المهاجرين الإندونيسيين عبد القادر كاردينغ، مؤخرا، إعادة 738 عاملاً إلى وطنهم من السعودية، فيما لا يزال هناك 468 عاملاً لم يعودوا بعد، بذريعة انتهاك مدة الإقامة، أو الزعم بأنها فترة عمل زائدة عنه الفترة التي تعاقدوا عليها ثم رفض أصحاب العمل تجديد إقامتهم. في المقابل، تبحث إندونيسيا توقيع اتفاقًا مع الرياض خلال مارس الحالي لرفع الحظر الذي دام عقدًا من الزمن على إرسال مواطنيها للعمل في السعودية، وهو ما يعكس خطوة أتت متضاربة مع واقع الحال. كما تتحرك بعض الحكومات في الردّ على إقدام “السعودية” على اعتقال العمال الوافدين رغم أنهم لا يدخلون الأراضي السعودية إلا بموجب نظام الإقامة المحدد من قبل السلطات ومع ذلك يتعرضون للاعتقال والتعذيب. وفي مسعى لإعادة العاملين المحتجزين في السعودية، بذلت الحكومة الميانمارية جهودًا لإعادة مواطنيها الذين يواجهون صعوبات في العودة، من خلال التنسيق مع القنصلية العامة الميانمارية والسفارة السعودية لضمان عودتهم الآمنة إلى وطنهم. مانين نين كيت، هي إحدى العاملات اللواتي واجهن صعوبات في تبوك، وقد تم نقلها من الرياض في 10 مارس ووصلت يانغون صباح 13 مارس. يُذكر أن حدّة المخاوف على ظروف عمل العمال المهاجرين تفاقمت مع مشاريع رؤية 2030، إلى جانب حصول “السعودية” على حق استضافة مونديال 2034، حيث تضاعفت حاجتها إلى عمال أجانب. ومع انعدام الجهات المحايدة التي يحق لها مراقبة وحماية ظروف العمال، تستمر الحكومة السعودية في تهميش حقوق هؤلاء بظروف عمل طبيعية، حيث تحرمهم في كثير من الأحيان من أبسط حقوقهم، سواء طعام أم مسكن مريح وحتى حرمانهم من أجهزة التبريد وجبرهم على العمل في طقس مميت.