التحوّلات تؤرّق حكّام الخليج: معاً في «السراء والضراء»

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1238
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ليس التغيير الذي يعصف بالخليج، هذه الأيّام، بسيطاً مثل بساطة الملابس «السبور» التي ارتداها محمد بن سلمان وتميم بن حمد وطحنون بن زايد في لقائهم الثلاثي في منتجع سعودي على البحر الأحمر الأسبوع الماضي، علماً أنّ الرجال الثلاثة حاولوا إضفاء الطابع المريح على علاقات دولهم التي عاشت، حتى الأمس القريب، أزمة طاحنة كادت تفجّر الخليج بأكمله. ما يجمع الثلاثة تحدّيات داخلية لكل منهم، في عالم لم يَعُد من الممكن العيش فيه وفق قواعد الماضي، القائمة على «المَونة» والإرضاء (الرشوة)، ولا عادت الأنظمة التي أصابها الترهُّل قادرة على الاستجابة للمتطلبات المتزايدة للناس، إنْ في الاقتصاد أو في السياسة. فلا تكفي الثروة وحدها لحلّ هذه المشكلة، خاصّة وأنها موزّعة توزيعاً ظالماً على الشرائح الأوسع منهم. وحتى عندما تبحث هذه الأنظمة عن مواقع نفوذ لها في الخارج، فلإضفاء مغزى على وجودها تستخدمه في الداخل، كون هذه الأنظمة قائمة أصلاً نتيجة علاقاتها بالخارج.
أنظمة الخليج، بلا استثناء، تقف أمام استحقاقات كبرى باتت تطرح عليها أسئلة لمّا تعثر على أجوبة عليها بعد، خلّفها التغيير الجذري في السياسة الأميركية تجاهها. تأخذ حماية هذه الأنظمة مرتبة متأخّرة في هذه السياسة عمّا كانت عليه سابقاً. وصار يتعيّن عليها التكيّف مع غياب المظلّة السياسية ـــ الأمنية الأميركية، ما يعني أنها ستخضع، للمرّة الأولى في تاريخها لقانون الجاذبية. فالأنظمة هذه، لم يسبق لها العيش بقوّتها الذاتية منذ توليها الحكم مع نشوء الدول التي تحكمها، برعاية بريطانية. وربّما هذا ما حدا بأحد منظّري نظام ابن سلمان تركي الفيصل إلى استجداء الأميركيين إبقاء تلك المظلّة فوق المملكة، بعد سحب دفعة من صواريخ «الباتريوت» قبل أسابيع قليلة، قائلاً إن المملكة «تريد الاطمئنان». لكن ليس الجميع في نظام ابن سلمان يشاركون الفيصل الرأي، فكثير من أفراد حاشية وليّ العهد، ولا سيما أولئك الذين وسمتهم إدارة جو بايدن بالمارقين لتورّطهم في قتل جمال خاشقجي، يدفعون الأخير إلى سبر خيارات أخرى، من مثل الانفتاح على القوى العالمية والإقليمية الكبرى، بعيداً من الولايات المتحدة. حتى إنهم يحاولون اللعب على التناقضات بين واشنطن وحلفائها، كما أظهر التهليل السعودي للغضب الفرنسي على الولايات المتحدة، بعد إعلان تحالف «أوكوس» بينها وبين كل من بريطانيا وأستراليا.
المأزوم الأوّل في الثلاثي، هو ابن سلمان الذي ما زال يتعيّن عليه قطع مرحلة انتقالية قبل وراثة أبيه، في ظلّ استهداف أميركي يتعرّض له على المستوى الشخصي، يصل إلى حدّ مقاطعة السعودية على مستوى زيارات المسؤولين من وزير فما فوق، منذ تولي إدارة بايدن السلطة. ووليّ العهد يسعى إلى فكّ الحصار الأميركي عنه، من طريق فتح خيارات أخرى، منها التفاوص مع إيران، وتوقيع اتفاقات عسكرية مع روسيا والتقرّب من الصين التي تطمح إلى أن تكون السعودية شريكاً أساسياً لها، لحاجتها الماسة إلى النفط. لكنه محاصَر أيضاً من معارضة داخلية متزايدة، يسبّبها التململ من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضرائب المرتفعة، والاحتقان الذي يؤدي إليه التعامل مع المعارضين السياسيين الموزعين بين السجون والمنافي.

المأزوم الثاني، هو نظام أبناء زايد الضائع بين الخيارات. فقد بالغ في الرهان على إسرائيل لتعويض التغيير في السياسة الأميركية، فإذا بهذا الرهان يرتدّ عليه، معمّقاً الهوة بينه وبين مواطنيه من جهة، وبين إمارات الدولة من جهة ثانية، حيث تختلف أبو ظبي ودبي، مع بعض الإمارات التي يعارض حكّامها سياسة التطبيع. أبو ظبي، إضافة إلى مشكلتها المعروفة مع الدوحة بسبب دعم الأخيرة لـ«الإخوان المسلمين»، وحساسيّة نظامها إزاء هذا الملفّ، تواجه أزمة دور مع الرياض، أساسها سعي ابن سلمان إلى استنساخ نموذج دبي ونقله إلى المملكة عبر مدن مثل نيوم، وإجراءات مثل فرض نقل المقرّات الرئيسة للشركات التي تعمل في السعودية إلى المملكة.
أما بالنسبة إلى تميم، وعلى رغم أنه يتمتّع بمرونة أكبر من نظيرَيه في السعودية والإمارات، ولديه تنويعة من الخيارات أكبر بكثير من تلك التي لديهما، سواء في ما يتعلّق بالعلاقة مع الأميركيين، أو مع القوى الفاعلة الأخرى في الشرق الأوسط، كإيران وتركيا، وصولاً إلى حركة «طالبان»، إلّا أن ذلك لا يعني أن الأُسرة الحاكمة في قطر لا تعيش القلق نفسه الذي تعيشه أُسر الحكم الأخرى. والانتخابات التي ستُجرى في هذا البلد، في الثاني من تشرين الأوّل المقبل، تؤكد هذه المقولة لا تنفيها. فهي انتخابات قاصرة عن أن تكون ديموقراطية، ويمكن أكثر وضعها في خانة تجمع بين الفولكلور الديمقراطي والمشاركة الشعبية المحدودة، خاصّة أن قبائل مثل آل مرة وغيرها تشعر بأنها ظُلمت جرّاء قانون الانتخابات الذي يقصر حقّ الترشح على القطريين «الأصليين»، أي أحفاد المواطنين الحاصلين على الجنسية قبل عام 1932، ويحرم قطريين آخرين من حقّ الترشّح، وفئة ثالثة من حقَّي الترشّح والتصويت معاً. والمجتمع القطري منقسم سياسياً إلى قسمين، أحدهما مع السعودية، مثل بعض القبائل المتضرّرة من حكم آل ثاني، والآخر ضدّها، ويمثّل بشكل أساسي أنصار الأمير، وهي الصبغة السياسية الوحيدة الظاهرة حتى الآن للتنافس في الانتخابات القطرية. لذا، فإن تحسين العلاقة مع السعودية يخفّف الاحتقانات القبلية في قطر، والتي زادت منها الانتخابات، فضلاً عن «كفّ شرّ» ابن سلمان الذي أوصل الأزمة إلى حافّة التدخل العسكري لإطاحة تميم، لولا أن جرى الضغط على دونالد ترامب لمنْع حليفه السعودي من المضيّ في تلك المغامرة، هذا فضلاً عن تجربة حصار السنوات الأربع المرّة التي عاشتها قطر.
لا يعني اللقاء نهاية الخلافات حول الملفّات العالقة بين الدول الثلاث. فهذا النوع من الاجتماعات يصلح أكثر لبحث هموم مشتركة تتعلّق بمستقبل أنظمة الحُكم، وكيف يمكنها أن تتبادل المساعدة في حماية نفسها، وهي مرنة بما يكفي لفعل ذلك، فالخلافات ليست عقائدية، وليست نهائية، وإنما هي صراع على النفوذ. أكثر من ذلك، يمكن هذه الدول أن تواجه تهديدات حدودية تنطوي على خطر تفكّكها، وهذا صنو التهديد للأنظمة المرتبط مصيرها ارتباطاً وثيقاً بتلك الحدود. وعليه قد يجد الثلاثة الكثير مما يجمعهم، بعدما فرّقتهم عداوات الأمس.
المعارضة الحقيقية في الخليج، هي «الإخوان»، والسلف، بشقّيهم الجهادي وغير الجهادي، وقطر لا تواجه خطراً فورياً من مثل هذه المعارضات، لكنها ليست في مأمن منها بالكامل. وإذا كان لقطر فضل على «الإخوان» وبحدّ أقلّ على السلف من خلال حماية رموزهم ودعمهم سياسياً ومادياً، وحتى بالسلاح في حالات معيّنة، فهذا لا يعني أن الدوحة ستتمكّن من حماية جملة مفارقات، من بينها الجمْع بين استضافة أكبر قاعدة للقيادة الأميركية الوسطى خارج الولايات المتحدة، وبين العلاقة مع قوى تعتبر الولايات المتحدة عدوّاً. فهل تستطيع الدوحة التي دعمت المعارضة السورية، ومنها التابعة لتنظيم «القاعدة» بالسلاح، أن تقدِّم رصاصة واحدة لحركة «حماس»؟