تداعيات سعي بايدن لإنهاء الحرب باليمن على العلاقات مع السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1373
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بدت مسألة إنهاء الحرب في اليمن وكأنها ليست على قائمة أولويات الرئيسين الأمريكيين السابقين "دونالد ترامب" و"باراك أوباما".

إذ دعم "أوباما" (2009-2017) التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والذي يقاتل نيابة عن الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين، لكنه كان قرارا إرضائيا يهدف إلى تخفيف حدة الغضب السعودي بشأن الاتفاق النووي الذي توصل إليه مع إيران عام 2015.

ثم جاء "ترامب" (2017-2021)، الذي قاوم الدعوات لتقليص الدعم الأمريكي للحرب، وبدلا من ذلك، وقع صفقات أسلحة ضخمة مع السعودية.

لكن الرئيس "جو بايدن"، الذي تقلد منصبه رسميا في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، وعد بانتهاج مقاربة مختلفة إزاء اليمن، ففي خطاب هام ألقاه من مقر وزارة الخارجية في 4 فبراير/شباط الجاري، استنكر "بايدن" الحرب في اليمن، التي دخلت عامها السابع، وقال إنها "سببت كارثة إنسانية واستراتيجية".

ولم يكن هناك غلو في وصفه، فقد قُتل أكثر من 112 ألف شخص جراء تلك الحرب، ومع الدمار الاقتصادي الناجم عنها، بات 4 من كل 5 يمنيين يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، كما أدى انهيار أنظمة الرعاية الصحية والصرف الصحي إلى تفش متواصل منذ سنوات لوباء الكوليرا، فيما تحذر الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة.

وإذا قبلنا بصدق ما قاله "بايدن"، فإن أمريكا لن تكون متواطئة في هذه الحرب بعد الآن، وستواصل فقط بيع أسلحة دفاعية للسعودية، التي استهدفها الحوثيون عشرات المرات بطائرات مسيرة وصواريخ، بما في ذلك هجوم في 10 فبراير/شباط استهدف مطار أبها جنوب غربي المملكة.

وتعهد "بايدن" بإنهاء "كل دعم أمريكي للعمليات الهجومية في الحرب باليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة"، كما أنه تراجع عن القرار الذي اتخذته إدارة "ترامب" في اللحظة الأخيرة لتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وعين الدبلوماسي المخضرم "تيموثي ليندركينج" مبعوثا خاصا له إلى اليمن.

لكن الكثير من النتائج ستعتمد على تفاصيل سياسته، فإذا قامت أمريكا بإيقاف تدفق القنابل "الذكية"، يمكن للسعوديون الاعتماد على القنابل التقليدية.

وإذا ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد يُعرقل آلة الحرب السعودية، فبين عامي 2015 و2019، كانت المملكة أكبر مستورد للسلاح في العالم، وفقا لأرقام جمعها "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (سيبري)، وحوالي ثلاثة أرباع هذه الواردات جاءت من أمريكا و13% أخرى من بريطانيا.

وتمكنت المملكة، كحصيلة سنوات من الإنفاق الباذخ، من امتلاك كل الدبابات والطائرات الحربية التي تحتاجها، لكنها لا تزال بحاجة إلى أشياء أخرى من أمريكا، مثل الذخائر وقطع الغيار.

وقد أوقف "بايدن" بالفعل صفقة بقيمة 478 مليون دولار لشراء 7500 قنبلة دقيقة التوجيه تم الإعلان عنها في الأيام الأخيرة لإدارة "ترامب".

ولا يزال السعوديون يعتمدون على المساعدة الأمريكية في كل شيء من تحديد الأهداف في ساحة المعركة إلى صيانة معداتهم، وإذا توقفت أمريكا عن صيانة الطائرات السعودية، فقد تتأثر 50% من القوة الجوية للمملكة، حسب تقديرات "توم بيكيت" من "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، وهو معهد أبحاث بريطاني في مجال الشؤون الدولية.

لكن في أفضل الأحوال، من شأن ذلك أن يخفف من حدة الصراع في اليمن، الذي وصل إلى طريق مسدود على أي حال، وكانت الإمارات الشريك الأكثر فاعلية في التحالف العربي، لكنها انسحبت إلى حد كبير من الحرب عام 2019، تاركةً السعوديين في حالة من الفوضى ضد عدو عنيد.

كان الحوثيون يقاتلون الدولة اليمنية منذ عقود، ولم يظهروا سوى القليل من الرغبة في التسوية، كما تتنافس الجماعات اليمنية الأخرى على السلطة، ولم تنجح أشهر من محادثات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في التوصل لاتفاق سلام في هذا البلد.

قد يكون تغيير نهج أمريكا بشأن اليمن أكثر أهمية بالنسبة لمستقبل شراكتها مع السعودية، فالشراكة بين البلدين، التي تأسست عام 1945 عندما التقى الرئيس "فرانكلين روزفلت" بالملك "عبدالعزيز آل سعود" على متن طراد أمريكي في منطقة البحيرات المرة بمصر، أصبحت غير فعالة منذ مطلع القرن.

وأدت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي أشرف عليها زعيم تنظيم "القاعدة" الراحل السعودي "أسامة بن لادن"، وكان معظم خاطفي الطائرات فيها سعوديين، إلى قيام العديد من الأمريكيين بالربط بين السعودية والإرهاب.

وبعد ذلك بـ18 شهرا، غزا "جورج بوش الابن" العراق، على الرغم من اعتراضات بعض المسؤولين السعوديين الذين خشوا، وكانوا صائبين فيما ذهبوا، أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار المنطقة.

ومع ذلك، ظل السعوديون ودودين مع "بوش الابن"، ولم يكن الأمر كذلك مع خليفته "أوباما"، فقد غضبوا من "أوباما" عام 2011 ، عندما دعا ديكتاتور مصر "حسني مبارك" إلى التنحي على خلفية ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

إذ بدا موقف "أوباما" من "مبارك" للسعوديين خيانة متسرعة لشريك أمريكي قديم؛ ما جعلهم قلقين بشأن وضعهم الخاص.

وحدث صدع أكبر بكثير في عام 2015، عندما وقع "أوباما" الاتفاق الذي كبحت إيران بموجبه برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات.

بالنسبة لـ"أوباما" كان هذا إنجازا، وبالنسبة للسعوديين، كان ذلك بمثابة دفعة متهورة لخصمهم اللدود، دفعة قدمت لإيران احتمالية الشرعية والنمو الاقتصادي.

وليس من المستغرب إذن أن السعوديين كانوا سعداء برؤية "أوباما" يغادر البيت الأبيض، ولم يدخروا جهدا في سحر خليفته، فعلى غير المعتاد بالنسبة لرئيس أمريكي، كانت الرياض وجهة "ترامب" بأول رحلة خارجية له؛ حيث احتفل معه مضيفوه برقصة العرضة التقليدية، وقوبل قرار "ترامب" بالانسحاب من الاتفاق النووي بترحيب من السعوديين.

وبعد اغتيال "جمال خاشقجي" عام 2018، الصحفي السعودي الذي قتله عملاء سعوديون وقطعوا جثمانه داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، ساعد "ترامب" في حماية حكومة المملكة من العواقب.

ومع ذلك، لم يكن "ترامب" شريكا موثوقا به أيضا، فقد صُدم السعوديون (ودول الخليج الأخرى) عام 2019 عندما لم يفعل شيئا للرد على هجوم إيراني على منشآت نفطية بالمملكة.

كما أن احتضان "ترامب" للسعوديين عرضه لهجوم سياسي في واشنطن؛ إذ طالب العديد من الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين، بمعاقبة المملكة على المذبحة في اليمن ومقتل "خاشقجي"، وقال "بايدن" نفسه في مناظرة رئاسية، إبان حملته الانتخابية، إنه سيعامل السعودية على أنها "منبوذة".

لكن هذا غير محتمل، فقد يكون الأمريكيون غاضبين من المملكة، لكنها لا تزال منتجا كبيرا للنفط، وشريكا استخباراتيا مفيدا، فـ"بايدن" لا يستطيع قطع العلاقات مع السعودية ببساطة.

ومع ذلك لا يمكنه تجنب المواجهة، إذ يخطط "بايدن" لإعادة الدخول في الاتفاق النووي مع إيران.

ومن المحتمل أنه سيواصل انتقاداته لسجل حقوق الإنسان في المملكة؛ حيث يبدو أنه أسفر عن نتيجة: إطلاق سراح الناشطة النسوية "لجين الهذلول"، في 10 فبراير/شباط الجاري.

وسيكون التحدي الذي يواجهه "بايدن" هو العثور على مسار لا ينغمس في أسوأ دوافع المملكة، ولا يعزز أسوأ مخاوفها.

 

المصدر | ذي إيكونوميست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد