هل نجَحَت الحمَلات الهُجوميّة السعوديّة بتشويه تركيا وثني السعوديين عن زيارتها؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1297
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وهل تستطيع الدراما المحليّة مُنافسة “إبهار” نظيرتها التركيّة؟.. لغة الأرقام والوسوم التفاعليّة تتكلّم وحرب الإشاعة وتفنيدها ساحة مُواجهة بين البلدين.. وهل من استراتيجيّةٍ جديدةٍ لمُواجهة “المَمنوع المَرغوب” التّركي؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
 لا تبدو التّصريحات السعوديّة الرسميّة مُتناسقةً مع حالة العداء الصّريح الواضحة على الأقل في الصحافة والإعلام، ومنصّات التواصل الاجتماعي، ضد تركيا، ورئيسها رجب طيّب أردوغان، فوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفي مُقابلته مع صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنيّة، أكّد على أهميّة العلاقة مع الدول الإقليميّة الإسلاميّة، وتجنّب صراحةً مُهاجمة الأتراك، وبخُصوص قضيّة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، فقد طالبهم ولو مُبطّناً تقديم الأدلّة التي يمتلكونها بالخُصوص، وللقضاء السعودي، الذي يتّهمه الغرب بعدم الحِياد، والخُضوع للسلطات السعوديّة.
على عكس حالة الود التي أظهرها الأمير بن سلمان ولو جُزئيّاً تُجاه تركيا، هُناك حملات مُتوالية، يشنّها الإعلام السعودي، ومنصّات اجتماعيّة تقودها ما يُعرف باسم الجيوش الإلكترونيّة ضد تركيا، وهدفها التُركيز في جلّها على تشويه السياحة، ومنع السعوديين من زيارتها، كما مُقاطعة الدراما التركيّة، ومُهاجمة الرئيس رجب طيّب أردوغان، كما العودة إلى الماضي، ونبش حكايا التاريخ، كان آخرها حكاية “سفر برلك” والتي تقول السعوديّة أنها كانت مأساة تهجير طالت العرب من مكّة قسراً، وفي مُحاولة تركيّة لصد اندلاع الثورة العربيّة الكُبرى، وكان لشاشة قناة “العربيّة” التي تُمثّل سياسات المملكة، صولات وجولات في تتبّع حكاية “سفر برلك”، وتقديمها كحالة إدانة دمويّة وتاريخيّة بحق العثمانيين.
الصحافة السعوديّة حريصةٌ هذه الأيّام على التحذير من السفر إلى تركيا، وتنقل عن مصادرها مجهولة المصدر، حوادث تقول إنّ السعوديين يتعرّضون لها خلال تواجدهم في تركيا، وضمن حملة يتم استهدافهم فيها كونهم سعوديين على وجه التحديد، وكانت وسائل إعلام سعوديّة، وإماراتيّة، قد روّجت لحادثة اعتداء مواطنة تركيّة على سيّدة عربيّة مُحجّبة، لكن تبيّن لاحقاً أنّ السيّدة تركيّة مُحجّبة تم الاعتداء عليها كونها ترتدي الحجاب فقط، وقد قدّمت شكواها في حينها للشرطة.
بالنّظر إلى الواقع، لا تبدو أنّ الحملات السعوديّة، قد أعطت أوكلها، أو أفضت إلى ترجمةٍ واقعيّةٍ، سواء بمُقاطعة السياحة، أو حتى مُشاهدة الدراما، وإن كانت قد التزمت بعض القنوات السعوديّة بعدم بث المُسلسلات التركيّة، فبالعودة إلى مُؤشّر المُشاهدات لأشهر المواقع المعنيّة بالمُسلسلات التركيّة، والأفلام، تجد أنّ أكثر الزوار، والمُتابعين، وحتى المُتفاعلين، هُم من السعوديين، الذين بات نجوم الدراما التركيّة مصدر جذب، وتعلّق، وجولة قصيرة في “تويتر” كما رصدت “رأي اليوم”، لها أن تُخبر عن تصدّر وسوم لمسلسلات تركيّة بعينها في السعوديّة، كان آخِرها المُسلسل الأشهر “أرطغرل”.
التّراجع عن مُشاهدة الدراما التركيّة سعوديّاً، قد لا يبدو منطقيّاً في سياق الخِلاف السياسي المُحتدم بين تركيا، والسعوديّة، وإن كان يبدو صعب التحقّق بحُكم أرقام المُشاهدات السعوديّة للدراما المذكورة، والخلاف السياسي يأتي لأسبابٍ عديدةٍ تتعدّى مُعضلة الدراما الذي تعتبرها السعوديّة من أوراقها، وهي كما يرصد مراقبون، التّنافس على زعامة العالم السنّي، والوصاية على المُقدّسات وإدارتها في كُل من مكّة، والمدينة، وأخيراً قضيّة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بالإضافة إلى سعي كُل من السعوديّة، والإمارات، إلى مُحاربة الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المُسلمين، والدعم الذي تُقدّمه تركيا، ومن خلفها قطر لهما، بل إنّ من أحد أسباب مُقاطعة الأخيرة، الطلب منها الكف عن دعم “الفكر الإخواني”.
السعوديّة أو وزارة إعلامها تقول إنها استطاعت أن تحرف أنظار السعوديين عن دراما تركيا، بدلالة حجم التفاعل مع إنتاجات محليّة مثل مسلسل “العاصوف” الذي تناول فترة “احتلال” الحرم من قبل جماعة جهيمان العتيبي السلفيّة، لكن نقّاداً سعوديين يقولون إنّ مُعدّل إنتاجات الدراما التركيّة كثيف، وطِوال العام، ولا يُمكن أن تنجح السعوديّة في مُنافسته.
عين السعوديّة ليست مُوجّهةً كما يقول مُوالون لسياساتها، نحو الإضرار بالإنتاج الدرامي التركي، بقدر اهتمامها بثني السعوديين عن إفادة خزينة الاقتصاد التركي، جرّاء الرحلات المُتوالية إلى إسطنبول وباقي المُدن التركيّة، وتحديداً في موسم الصيف الجاري، حيث ترتفع درجات الحرارة فيه، ويضطرّ السعوديّون إلى مُغادرة بلادهم فترة الإجازات.
من غير المعلوم تماماً إذا كانت السعوديّة تُريد ثني السعوديين عن زيارة تركيا، والإضرار بسياحتها، تحت عناوين حملات إلكترونيّة مثل “مُقاطعة السياحة التركيّة” أو “صيفنا بتركيا أخطر”، بقدر ما تحرص كما يقول صحافي سعودي لرأي اليوم، على تنشيط السياحة الداخليّة، والإعلان عن وجهات أقل سِعراً، كما مُعاملة السيّاح السعوديين في بلادهم داخليّاً مُعاملةً أفضل، وأكثر أمناً على حياتهم، ومُمتلكاتهم، والسؤال المطروح فيما إذا كانت السعوديّة تستطيع رفد خزينتها من خلال إعلانها عن السماح بمنح فيزا سياحيّة، وما إذا كانت المُدن السعوديّة، ستكون مكاناً جاذباً للأتراك، وغير الأتراك في المُستقبل المنظور.
بكُل الأحوال، يُقدّر مراقبون، فشل الحملات السعوديّة المُتوالية، عن ثني مُواطنيها عن السفر لتركيا، أو على الأقل مُقاطعة الدراما، فالأرقام على الصّعيدين لا تُؤشّر إلى إضرارٍ بالاقتصاد التركي، وبحسب بيانات وزارة السياحة والثقافة التركيّة، فإنّ الشهرين الأوّلين من عام 2019، زار ما مجموعه 20.200 سائح سعودي تركيا، وهو رقم أقل قليلاً فقط من ذات أرقام السياح السعوديين قبل الحملات، حيث ارتفع عدد السياح بشكل عام في هذين الشهرين بنسبة 9.38 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2018.
الصحافة السعوديّة بدورها تقول إنّ عدد السياح السعوديين، والإماراتيين، كما القطريين، الزائرين لتركيا قد انخفض، وتُشير صحيفة “الرياض” على سبيل المثال إلى الأسباب التي أدّت إلى ذلك التراجع، فتُرجعه الصحيفة إلى الإساءة التي يتعرّض لها السيّاح الخليجيين على وجه الخُصوص، والخطر الذي قد يصل إلى بيعهم إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، وهو ما تصفه الصحافة التركيّة بالأكاذيب، والترويج المُضلّل.
تبقى التساؤلات مطروحةً، حول ما إذا كانت العربيّة السعوديّة، ستختار طريق المُهادنة مع تركيا، والتوقّف عن استخدام “الأسلوب التويتري” في معركتها ضدها، وإذا ما كانت لغة الأرقام المُوثّقة والوسوم التفاعليّة، أو الأقل التي لا يجد من يُفنّدها، حول أعداد المُتابعين للدراما التركيّة أو المُسافرين إلى بلادها من السعوديين، ستدفع الحكومة السعوديّة إلى تغيير استراتيجيّة المُواجهة مع الأتراك ضمن خطّة أكثر إحكاماً، وعلى فرضيّة أنها لا تزال من الخُصوم، وكما هو معروف عربيّاً “الممنوع مرغوب”، وهو حال السعوديين بالنسبة لتركيا، يتساءل مراقبون.