«صفقة القرن» بين رفض الشارع… وجيوب الأنظمة العربية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1861
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

صحف عبرية
 كتبت في الأسبوع الماضي عن مفارقة العلاقات بين واشنطن ورام الله عشية نشر مشروع السلام الأمريكي. فمبعوثو ترامب يعرضون على الفلسطينيين مخططاً لحل تاريخي للنزاع، وفي الوقت نفسه يشهرون بهم تحت كل شجرة باسقة. وتبين هذا الأسبوع أن السلطة ليست وحدها، فصديقة أبو مازن المخلصة، المملكة السعودية، تتلقى هي أيضاً اللذعات أحياناً من ترامب.
ففي خطاب ألقاه في فيسكونسين، الأحد، وصف الرئيس الأمريكي مكالمة هاتفية أجراها مؤخراً إلى الملك سلمان بن عبد العزيز. فقال: «السعودية دولة غنية جداً. نحن نحميها. ندعمها. ليس لديهم شيء غير المال. صحيح؟ هم يشترون منا الكثير. يشترون بـ 450 مليار دولار».
وواصل ترامب فقال: «أنتم تعرفون. أراد الناس قطع العلاقات معهم. ولكنهم وضعوا 450 مليار دولار! وأنا لا أريد أن أفقدهم. الجنرالات قالوا إننا ندعم السعودية. اتصلت بالملك. أنا أحب الملك. قلت، يا ملك! نحن نفقد عجيزتنا كي نحميك، وأنت تملك الكثير من المال. وهذا صحيح. قال لماذا تتصل؟ لم يتصل أحد قبلك هكذا. قلت لأنهم كانوا أغبياء. وبالتالي فإننا نعمل على صفقة مع السعودية. أقول لكم هذا أسهل بكثير من تحصيل 113.57 دولار من ساكن في مكان عادي في نيويورك. وهذا حتى مضمون أكثر».
هناك العديد من السبل لبحث هذا المقطع من خطابه. مشكوك في أن يكون حصل في أي مرة أن لاقت اللعبة الدبلوماسية الكبيرة لغة الشارع بهذا الشكل. ومشكوك في أن يكون الملك رحب بمكالمة ترامب، كما يعرضها هو أو أنه سعى بالعكس.. أن يشكو من طلبه. وفي خطاب هو في أساسه اتصالات مع صديقة خلف البحار، ينجح ترامب في أن يهزأ من مستأجري الشقق في نيويورك. في السطر الأخير أراد الرئيس أن يري كيف انتزع من السعوديين مليارات الدولارات. ولكنه عرضهم كأناس قابلين للابتزاز وطائعين لكلمته.
السعودية حجر أساس في اتفاق السلام المستقبلي الذي سيضعه الأمريكيون أمامنا. بسبب مكانتها الإقليمية والدينية، ولكن بالأساس بسبب مالها. فصفقة القرن تقوم على أساس إعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني (في القطاع أيضاً) بمليارات الدولارات. على هذا المال أن يأتي من أحد ما. وجيوب الشيوخ في الرياض هي آلة سحب طبيعية لهذا الغرض. طبيعية، طالما لا يذكرونهم بأنهم كذلك ويطالبونهم بحزم أن يكونوا بقرة حلوب.
لقد فهم السعوديون منذ زمن بعيد أن ترامب يتوقع منهم أن يكونوا الممول الأساس لخطة السلام موضع الخلاف، وهم لا يسارعون إلى المساهمة. هم لن يعترفوا بذلك ولن يلمحوا، ولكن لفترة طويلة أمل حكام الرياض ألا تعرض الخطة. فلماذا يحتاجون وجع الرأس هذا.
كيف سيشرحون للجماهير بأن لا بأس في أن تبقى القدس الشرقية بسيادة يهودية. جيرانهم وأخوانهم في اتحاد الإمارات يفكرون بذات الطريقة. هم أيضاً ردوا بعصبية على الطلب الأمريكي بفتح محفظتهم.

ترامب في خطاب: صفقاتنا مع السعودية أسهل من تحصيل أجرة نيويوركيّ

في القاهرة لا يحبون مبعوثي ترامب على نحو خاص، لذات الأسباب وبسبب أسلوبهم. أما الأردنيون فقد أعلنوا منذ الآن بأن السلام بدون القدس الشرقية لن يكون، ولكن إعلانهم يخفي تخوفاً آخر؛ فهم قلقون بأن لترامب خططاً لتوطين مزيد من اللاجئين الفلسطينيين في أراضيهم، أو أن يقضم من أراضي المملكة ليعطيها للدولة الفلسطينية. ومثل الآخرين، فإنهم يخافون من أن يهز احتجاج الشارع النظام.
هل في يوم الأمر ستهجر هذه الأنظمة المبادئ، وتبيع فلسطين فقط لأن البيت الأبيض يفقد عجيزته من أجلهم؟ في الخيال كان بعضهم معنيين بأن يتخلص من هذا العبء الذي يسمى القضية الفلسطينية، ولكن الشارع لن يسمح لهم، والشارع العربي في عصرنا هو مسدس موجه لرأس حكامه. ليس بينهم واحد اليوم من الكويت وحتى المغرب لا يتعاطى مع أبناء شعبه بقفازات من حرير. وبالتالي، فقبل أن يولد يعاني مشروع الشروع لتأييد محدود من شركائه الطبيعيين.
97 ألف عامل فلسطيني عملوا في إسرائيل في العام 2018 بمكانة قانونية. هكذا نشرت هذا الأسبوع جمعية «خط للعامل»، التي تعمل على حماية كل العمال المطلوبين. هذا رقم قياسي. ارتفاع 17 في المئة مقارنة بالسنة التي سبقتها وارتفاع 300 في المئة مقابل المعطى في بداية العقد. نحو 35 ألف عامل فلسطيني آخرين يتسللون كل يوم إلى إسرائيل ويعملون فيها بلا تصريح. من هاتين المجموعتين تتكون قوة العمل الفلسطينية التي تعد أكثر من 130 ألف شخص. شروط عملهم قاسية وأحياناً يكونوا مستغلين، ولكن هذا موضوع لمقال خاص بحد ذاته.
هؤلاء العمال هم اللاعبون المخفيون من خلف أزمة المال النقدي الحادة بين رام الله والقدس. عن كل واحد من بين العمال بتصريح يفرز أرباب عمله ضريبة للسلطات في إسرائيل. ولم كانت الضريبة من العامل الفلسطيني تدخل إلى المالية الفلسطينية، حسب الملحق الاقتصادي لاتفاقات أوسلو، تلتزم إسرائيل بجمع أموال الضريبة هذه من أرباب العمل وتنقلها إلى صندوق السلطة. وفي السنوات الأخيرة يصل المبلغ المتراكم كل شهر إلى 700 مليون شيكل. وهو يشكل نحو نصف ميزانية السلطة.
عدة معان للأمر: عمل العمال هو فرع التصدير رقم 1 للسلطة الفلسطينية. وإسرائيل تمسك بالاقتصاد الفلسطيني من رقبته وتسيطر عملياً على ميزانية السلطة. ولما كان هؤلاء العمال يرتزقون على أساس يومي، فإن كل يوم من الإغلاق على الضفة، أو الانخفاض في تشغيل العمال بسبب الركود أو التوتر الأمني يقتطع دخلاً من الاقتصاد الفلسطيني.
كيف يرتبط كل هذا بالأزمة الحالية؟ قررت إسرائيل أن تقتطع من هذه المبالغ أموال السجناء. كل شهر، منذ شباط تبقي في أيديها بالمتوسط 35 مليون شيكل تدفعها السلطة لعائلات السجناء والشهداء. وتؤخذ هذه الملايين من ضرائب العمال.
تقف إسرائيل الآن أمام جبهتين مقلقتين. في غزة هددوا هذا الأسبوع بالعودة إلى إشعال الحقول الزراعية خلف الحدود، إذا لم تسرع إسرائيل الاتصالات للتهدئة. أما في رام الله بالمقابل فيعانون من أزمة مالية حادة تهدد بانهيار الاقصاد. هذا الصيف يلوح كموسم مثير للاهتمام على نحو خاص.

جاكي خوجي
معاريف 3/5/2019