كيف هزت أسرار مقتل خاشقجي الشراكة السعودية الأمريكية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2016
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 مر ما يقرب من 6 أشهر منذ مقتل "جمال خاشقجي" بوحشية داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول، لكن الهزات الارتدادية مستمرة، حيث هزت شراكة الدفاع والاستخبارات بين السعودية والولايات المتحدة، ويبقى مستقبل هذه العلاقة معلقا، في انتظار الإجابات القادمة من الرياض.
ولم تفسر السعودية رسميا كيف ولماذا تم قتل كاتب العمود في "واشطن بوست"، لكن المصادر السعودية والأمريكية بدأت في الكشف عن معلومات جديدة حول الأشخاص والأحداث المحيطة بزيارة "خاشقجي" القاتلة إلى إسطنبول. وقد أوضحوا، بأوضح التفاصيل حتى الآن، كيف انتهت العملية التي بدأت باختطاف "خاشقجي" إلى موت الصحفي وهو يستغيث لأنه "لا يستطيع التنفس".
وتبقى الأسئلة الأساسية، كما كانت في أكتوبر/تشرين الأول عندما تم قتل "خاشقجي"، هي كيف تم تدريب فريق عملية إسطنبول؟ وما هي الأدوار التي لعبها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ومساعدوه المقربون في عملية القتل؟ وما هي الضوابط الجديدة التي يمكن تنفيذها، في كل من الرياض وواشنطن، للتأكد من ألا يحدث مثل هذا القتل المروع لأحد الصحفيين مرة أخرى؟ والأهم من ذلك، هل سيتم محاسبة أي شخص؟
وكانت الأكاذيب الأولية للمملكة حول القتل قد انهارت بعد فترة وجيزة من اختفاء "خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول. لكن "بن سلمان" لم يتحمل المسؤولية عن عملية القتل التي تم تنفيذها نيابة عنه وربما بأوامره. وإلى أن يقدم إجابات حقيقية، من المرجح أن تظل الشراكة العسكرية والاستخباراتية السعودية الأمريكية، المهمة لأمن البلدين، في حالة من التوتر.
وتعد هذه الحالة شخصية لنا في "واشنطن بوست". فقد كان "خاشقجي" زميلنا وصديقنا لمدة 15 عاما. ولفهم كيف حدث اغتياله الشنيع، وما إذا كان من الممكن إعادة بناء العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، قابلت أكثر من 10 مصادر أمريكية وسعودية مطلعة، كشفت بعض التفاصيل التي كانت سرية في السابق، لأنهم يأملون في وضع قواعد جديدة للحفاظ على تلك العلاقة. لكن المصادر طلبت عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية المعلومات.
وخلاصة القول هي أنه ما لم يأخذ ولي العهد هذه القضية على محمل الجد، ويتقبل اللوم عن أعمال القتل التي تم ارتكابها باسمه، فسوف تبقى علاقته بالولايات المتحدة مقطوعة. ويزعم المسؤولون السعوديون أن "بن سلمان" قام بتغييرات، حيث قام بإقالة "سعود القحطاني"، منسق العمليات السرية السابق. لكن آلة القمع السعودية لا تزال بكامل قوتها، ويديرها الكثير من الأشخاص أنفسهم الذين عملوا مع "القحطاني". ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من يصبح ولي العهد الشاب نسخة سعودية من "صدام حسين"، ويقوم بممارسة الاستبداد باسم "التحديث".
واتخذ "بن سلمان" خطوة صغيرة نحو استرضاء منتقديه الخميس، عندما أعلنت المملكة إطلاق سراح 3 ناشطات في مجال حقوق الإنسان من السجن أثناء انتظار المحاكمة. لكن لا تزال 10 نساء أخريات مدافعات عن حقوق المرأة رهن الاحتجاز.
وناقش "خالد بن سلمان"، الأخ الأصغر لولي العهد، السفير السابق في واشنطن ونائب وزير الدفاع الآن، العلاقات السعودية الأمريكية في مقابلة أجريت معه في واشنطن الخميس. وقال إنه يأمل أنه على الرغم من الانتقادات الشديدة في الكونغرس في أعقاب مقتل "خاشقجي"، أنه يمكن إصلاح الشراكة، قائلا: "العلاقة لم تبدأ في يوم، ولن تنتهي في يوم كذلك".
وقد التقى "خالد بن سلمان"، الخميس، بوزير الخارجية "مايك بومبيو". وترغب إدارة "ترامب" في الحفاظ على علاقات جيدة مع السعوديين، لكنها تواجه بعض المقاومة القوية في الكونغرس

أدوات خطيرة
وتعد قصة "خاشقجي" درسا في مدى إمكانية إساءة استخدام قدرات الاستخبارات والعمليات الخاصة التي تدعمها الولايات المتحدة من قبل دول أخرى. وهذا هو الاستنتاج الأكثر وضوحا الذي ظهر في هذا التقرير. فمن بين هذه النتائج التي لم يتم الكشف عنها سابقا والتي كشفتها لنا مصادرنا ما يلي:
أولا: تلقى بعض أعضاء المجموعة السعودية للتدخل السريع، التي تم إرسالها إلى إسطنبول لقتل "خاشقجي"، تدريبات في الولايات المتحدة، وفقا لمصادر أمريكية وسعودية. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية قد أخبرت الوكالات الحكومية الأخرى من أن بعضا من عمليات التدريب الخاصة هذه قد تتم بواسطة "مجموعة تاير 1"، وهي شركة مقرها "أركنساس"، بموجب ترخيص من وزارة الخارجية. وبدأ التدريب قبل حادثة "خاشقجي"، كجزء من الاتصال المستمر مع السعوديين، ولم يتم استئنافه بعدها.
ثانيا: توجد خطة أمريكية لتدريب وتحديث جهاز المخابرات السعودي، وهي معلقة أيضا، في انتظار موافقة وزارة الخارجية على منح الترخيص. وقد تم تطوير هذا المشروع بواسطة "كولبيربر ناشيونال للحلول الأمنية"، وهي وحدة تابعة لشركة "داين كورب"، بمساعدة بعض المسؤولين السابقين البارزين بوكالة الاستخبارات المركزية. ولم يتم القيام بأي عمل في هذا المشروع.
ثالثا: كانت إحدى جهات قنوات السعودية المعنية بالتخطيط لمشروع تدريب "كولبيبر" متمثلة في اللواء "أحمد العسيري"، نائب رئيس المخابرات السعودية، الذي يقول المسؤولون السعوديون إنه قيد التحقيق بسبب تورطه المزعوم في عملية إسطنبول.
وقد تم تحديد "مايكل موريل"، القائم السابق بأعمال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، علانية كرئيس لمجلس إدارة "كولبيبر" عام 2017، لكنه لم يعد يشغل هذا المنصب، وفقا لمصدر مطلع على شؤون الشركة. وقال مصدر ثانٍ إن "موريل" انسحب من المشروع خلال أيام من مقتل "خاشقجي"، بسبب قلقه بشأن الاتجاه الذي تسير فيه السعودية.
وتمتلك شركة "سربروس كابيتال" كلا من "تاير 1" و"داين كورب"، وهي مجموعة استثمارية مملوكة ملكية خاصة مقرها نيويورك. ولم تؤكد الشركة أو تنفي ما إذا كان أي من الـ17 مرتكبي جريمة قتل "خاشقجي"، الذين تمت معاقبتهم من قبل وزارة الخزانة، قد تم تدريبهم بموجب عقد "تاير 1". لكن مصدرا مقربا من "سبروس" قال: "نحن نعلم أن هذا الحادث المروع قد وقع"، وأن "الشركات يجب أن تعيد تأكيد سياسات التقييم الأخلاقي الصارمة في ضوء هذا الحدث".
رابعا: يعد "ستيفن فاينبرج"، الرئيس التنفيذي المشارك لـ "سربروس"، أيضا رئيس المجلس الاستشاري للاستخبارات التابع للرئيس، والذي يقدم مشورة مستقلة في مسائل الاستخبارات. وعندما تم تعيينه في منصبه، جادل النقاد أنه قد يكون هناك تضارب في المصالح. وقال المصدر المطلع على أنشطة الأعمال في "سربروس" إنه عندما تولى "فاينبرج" المنصب في دائرة الرئيس، قلل من اهتمامه بجميع الشركات في محفظة "سربروس" التي تشارك في مسائل الدفاع والاستخبارات، بما في ذلك "تاير 1" و"داين كورب". وقال المصدر المقرب من الشركة إن عملية الانسحاب من الاستثمارات حدثت قبل مقتل "خاشقجي"..
خامسا: قامت مجموعة "إن إس أو"، وهي شركة إسرائيلية تقدم أدوات متطورة لاختراق الهواتف المحمولة، بمراجعة وتعديل علاقتها مع المملكة العربية السعودية، وفقا لمصدر سعودي. وقد استنتجت الشركة، التي استحوذت عليها مؤخرا شركة للأسهم الخاصة مقرها لندن تدعى "نوفالبينا كابيتال"، بعد مراجعة داخلية، أن تقنية المراقبة الخاصة بها لم تسهم بشكل مباشر في تتبع "خاشقجي"، وبالتالي مقتله. لكن الشركة جمدت طلبات جديدة من المملكة، وفقا للمصدر السعودي، بسبب المخاوف من إساءة استخدام تقنيتها.
وكما توضح هذه الأمثلة، فقد أثر قتل كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" في محيط العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. ولقد كانت هذه الشراكة مفيدة لأمن كلا البلدين، وهي مهمة بشكل خاص الآن، في وقت تتحدى فيه إدارة "ترامب" التدخل الإيراني في المنطقة. لكن العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة يعتقدون أنه بدون وجود قواعد واضحة ومساءلة، فإن الشراكة قد لا تكون مستدامة، خاصة في ظل معارضة شديدة من العديد من أعضاء الكونغرس.

ولادة فريق العملية
ويبدأ فهم كيفية وقوع الجريمة في إسطنبول بـ"بن سلمان" و"القحطاني". وابتداء من عام 2015، عندما تولى الملك "سلمان" العرش، وبعد بضعة أشهر من تثبيت ابنه "محمد" في خط الخلافة الملكية، بدأ "القحطاني" في استخدام الديوان الملكي لقمع المعارضة. وكانت قاعدة عملياته هي مركز الدراسات والإعلام، لكن خلف هذه الجبهة الرنانة، بدأ "القحطاني" بتجميع فريق من أجهزة الاستخبارات والجيش وبدأ في شراء أدوات مراقبة من "إن إس أو" والبائعين الآخرين.
وسمحت شبكة المراقبة لـ"بن سلمان" بالتجسس على المسؤولين الرئيسيين الآخرين في المملكة. وابتداء من أواخر عام 2015 أو أوائل عام 2016، تم الحصول على إذن من "محمد بن نايف"، ولي العهد آنذاك ووزير الداخلية، لإجراء "اعتراضات قانونية" للاتصالات عبر الديوان الملكي، وفقا للمصادر الأمريكية والسعودية. وشملت التنصتات اللاحقة، من خلال قنوات مختلفة خفية، "محمد بن نايف" نفسه، ومستشاره الرئيسي في المخابرات "سعد الجابري"، وفقا لمصادر أمريكية وسعودية.
ونظرا لأن "القحطاني" متخصص في حملات وسائل التواصل الاجتماعي ضد منتقدي "بن سلمان"، فقد أصبحت أهدافه تميل بشكل متزايد نحو المعارضين السياسيين والصحفيين مثل "خاشقجي". وبحلول عام 2017، كان "القحطاني" قد وضع قائمة بأكثر من 20 اسما، من بينهم "خاشقجي"، لأشخاص قد يكونون عرضة للاعتقال أو الاحتجاز. وقال المصدر إن 4 فقط من الأسماء تم وصفهم بأنهم "أعداء" خطرين.
وقام "القحطاني" بتطوير قدرات العمليات الخاصة لفريقه الذي تحول لاحقا إلى مجموعة التدخل السريع التي تم إرسالها إلى إسطنبول لاختطاف أو قتل "خاشقجي". وتوضح السير الذاتية لـ3 أعضاء مزعومين في الفريق، عاقبتهم وزارة الخزانة، كيف تم تشكيل المجموعة.
وكان قائد فريق إسطنبول المزعوم، "ماهر مطرب"، عقيدا في المخابرات السعودية، وعضوا في عائلة سعودية ثرية ومحترمة. وقال مصدر سعودي إنه عمل في لندن من عام 2002 إلى عام 2007. وقال المصدر إنه كان خبيرا في مجال الاستخبارات الإلكترونية، وكان يقدم المشورة في بعض الأحيان إلى الأصدقاء السعوديين الذين عملوا في السفارة في لندن حول أمن الكمبيوتر وكيفية تجنب المتسللين. وعندما عاد "مطرب" إلى المملكة عام 2007، كان جهاز المخابرات يرسله بانتظام إلى الخارج، إلى الولايات المتحدة وأماكن أخرى، لمزيد من التدريب.
وذكر المصدر السعودي أن "مطرب" ذكر للأصدقاء السعوديين أنه ذهب إلى العديد من البرامج التدريبية في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي.
وربما تم اختيار "مطرب" لقيادة الفريق لأنه كان ودودا مع "خاشقجي" عندما كانا يعيشان في لندن ويعملان مع السفير آنذاك الأمير "تركي الفيصل". ووفقا لمصدر سعودي عرف "مطرب" في لندن، انضم ضابط المخابرات أحيانا إلى "خاشقجي"، وسعوديين آخرين يعملون في سفارة لندن، لصلاة الجمعة ثم تناول الشاي بعد ذلك.
وقال المصدر السعودي إن "مطرب" انجذب الى دائرة "القحطاني" عندما تمت دعوته للانضمام إلى الاتحاد السعودي للأمن السيبراني. ومع كونه متحدثا طلقا للغة الإنجليزية، سافر "مطرب" مع "بن سلمان" في رحلاته إلى الولايات المتحدة في عامي 2017 و2018. وبفضل ذكائه ومهاراته الإلكترونية، تم اختياره عام 2017 كمساعد للأمين العام في مركز "القحطاني"، وفقا لمصادر أمريكية وسعودية.
ويوضح المسار الوظيفي لـ"مطرب"، من ضابط مخابرات محترم إلى عضو مزعوم في فريق للخطف والقتل، كيف تم تغيير منهج المخابرات السعودية من قبل "بن سلمان" و"القحطاني" لخدمة أغراضهم.
وقال مصدر أمريكي إن عضوا كبيرا آخر في الفريق، ورد أنه عقيد في المخابرات السعودية، ساعد في توجيه أنشطة خاصة لمركز "القحطاني"، بما في ذلك القبض على المحتجزين واستجوابهم. وشملت قضايا المعتقلين السعوديين في هذا الوقت الناشطات وغيرهن من المعارضين. وأضاف المصدر الأمريكي أن هذا العقيد ساعد في إعداد استعدادات سرية لاعتقال نحو 200 من السعوديين البارزين في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، واحتجازهم في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض.
وكان العضو الثالث الذي تم إرساله إلى إسطنبول هو "ثائر غالب الحربي"، وهو ملازم أول في الحرس الملكي. وأصبح "الحربي" مفضلا لدى "بن سلمان" بعد أن أطلق النار بشكل قاتل على سعودي يدعى "منصور العامري" حاول اقتحام بوابة قصر السلام في جدة، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وفقا للمصادر الأمريكية والسعودية. وقال مصدر أمريكي مطلع على أنشطة الديوان الملكي إن "الحربي" ساعد في إدارة احتجاز المعتقلين في "ريتز كارليتون" وعمليات أخرى.
وكانت إحدى التفاصيل المفزعة للاستجوابات، وفقا للمصادر الأمريكية والسعودية، هي أن المعتقلين تم إجبارهم على توقيع اتفاقيات عدم إفصاح تعهدوا فيها بأنهم إذا تحدثوا عن سجنهم واستجوابهم، فسوف يتحملون "المسؤولية الكاملة" عن العواقب. ووصف مصدر أوروبي "الحربي" بأنه "حليف وثيق للغاية" لـ"بن سلمان" بسبب عمله في المسائل الأمنية الحساسة.
لقد كان أعضاء فريق إسطنبول نشطاء ميدانيين، وليسوا أصحاب قرار. وقال مسؤول سعودي: "هؤلء أشخاص يخدمون بلدهم، وعندما يطلب منهم القيام بشيء ما، فإنهم يفعلون ذلك".

تفاصيل جديدة مروعة
ويبقى ما حدث داخل القنصلية السعودية في إسطنبول غامضا، حتى بعد 6 أشهر، لأن السعوديين لم يكشفوا بعد عن الأحداث بشكل كامل.
ويقول مصدر سعودي إن ضابط أمن متمركز في القنصلية قد أخبر الديوان الملكي بأن "خاشقجي" سيكون هناك في 2 أكتوبر/تشرين الأول لاستكمال بعض الأوراق المطلوبة قبل زواجه من خطيبته التركية "خديجة جنكيز". وتم تجميع مجموعة التدخل السريع. وأمر الديوان الملكي القنصلية، عبر وزارة الخارجية، بالتعاون مع الفريق عند وصوله.
وقالت المخابرات التركية إنها تمتلك تسجيلا صوتيا يشير إلى أن الفريق كان يعتزم خطف "خاشقجي" وإعادته إلى السعودية للاعتقال والاستجواب، لكن الخطة فشلت وتم قتل "خاشقجي". ثم تم تقطيع جسده والتخلص منه.
وكما وصفها المصدر السعودي، فإن التسجيل هذا تقشعر له الأبدان، حيث يخبر فيه "مطرب" خاشقجي قائلا: "ستعود معنا". ولكن "خاشقجي" رفض واحتد عليه قائلا: "معي أشخاص في الخارج ينتظرونني "، وكان يعني بهذا خطيبته. وقال المصدر السعودي: "أصر مطرب من جديد قائلا أنت قادم معنا.. وكان يصرخ خاشقجي وهو يمسك به".
وما حدث بعد ذلك يبقى تخمينات. ويقول المصدر السعودي إن هناك ملاحظة في التسجيل تفيد بأن "خاشقجي" تم حقنه. وقال المصدر السعودي إن الحقنة كانت على الأرجح عبارة عن مهدئات قوية تم إعطاؤها بإشراف "صلاح الطبيقي"، وهو أخصائي طبي من وزارة الداخلية السعودية يُزعم أنه كان جزءا من الفريق. وقال المصدر إن السعوديين استخدموا المهدئات مع أسرى آخرين في محاولات التسليم السابقة.
ثم تم وضع غطاء فوق رأس "خاشقجي"، الذي صرخ قائلا: "لا أستطيع التنفس. أنا أعاني من الربو. لا تفعلوا هذا". ثم توفي بعد فترة وجيزة، ربما بسبب جرعة زائدة من المهدئات، أو بسبب الاختناق. وبعد وفاته، ييظهر التسجيل ضجيجا صاخبا، ربما من منشار كهربائي، حيث تم تقطيع جسده إلى أجزاء. وقد أشرف على هذه المهمة المروعة، على ما يبدو، "الطبيقي".
وربما يكون أوضح دليل على نية الخطف، على الأقل، هو أن الفريق السعودي ضم رجلا يدعى "مصطفى المدني". وكان "المدني" جنرالا في المخابرات السعودية، وأكبر أعضاء فريق إسطنبول سنا، وفقا لسجلات جوازات السفر. وكانت بنيته مشابهة لبنية "خاشقجي"، وكان من المقدر أن يرتدي ملابسه وينتحل شخصيته بعد انتهاء العملية.
وبعد وفاة "خاشقجي"، غادر شبيهه، "المدني"، القنصلية من الباب الخلفي، وتجنب أن تراه "جنكيز". ويشير وجوده بقوة إلى أن العملية، أيا كان غرضها، تم التخطيط لها بعناية، كما تتفق مع ذلك المصادر الأمريكية والسعودية.

"بن سلمان" تحت الضغط
وبعد فشل التغطية الأولية على العملية، اتهم النائب العام السعودي 11 شخصا في مقتل "خاشقجي"، وطلب عقوبة الإعدام لـ 5 منهم. ولم يكن "القحطاني" من بين الـ11، بحسب مصادر سعودية وأمريكية. ولم يكشف السعوديون عن أسماء المتهمين.
وقال مسؤول أمريكي إن "بومبيو" طلب من "بن سلمان" العام الماضي تحمل مسؤولية الأحداث بإغلاق مركز "القحطاني" ووضعه قيد الإقامة الجبرية. لكن لم يحدث ذلك في البداية. وفي يناير/كانون الثاني، ذكرت المصادر "القحطاني" كان يواصل إصدار الأوامر إلى موظفيه السابقين، وأنه بقي على اتصال مع ولي العهد.
واستكمل مركز "القحطاني" للدراسات والشؤون الإعلامية عمله عبر مركز جديد للتنبؤ، وتم وضعه تحت سيطرة "ناصر البقمي"، الذي يدير أيضا مركزا لمكافحة الإرهاب في الديوان الملكي، والمعروف باسم "اعتدال"، وفقا لمصادر أمريكية وسعودية.
لكن أنشطة رصد المعارضين لا تزال في المركز القديم، باستثناء عمليات الاختطاف والعمليات الخاصة،حسبما ذكرت المصادر. وقالوا إن العديد من نواب "القحطاني" السابقين لا يزالون يستهدفون معارضي "بن سلمان" على وسائل التواصل الاجتماعي، مع وجود بعض الأعضاء من فريق القحطاني القديم قيد الغمل.
وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن "القحطاني" قيد الإقامة الجبرية، فقد أخبرني سعوديان أنه ربما لا يزال على اتصال مع مساعديه السابقين. وقال مسؤول سعودي يعرف "القحطاني" جيدا: "إذا كنت في مثل منصبه، فأنت تريد التأكد من أنك لن تخسر كل شيء". واستشهد بمثل سعودي: "عندما يسقط الجمل، تكثر سكاكينه. والبعض يريد أن يظهر أن الجمل لا يزال واقفا".

منحدر زلق
وتتمثل معضلة مقاولي الدفاع والاستخبارات الأمريكيين في أنه سيكون من الصعب عليهم القيام بأعمال تجارية جديدة مع المملكة قبل أن يتحمل "بن سلمان" مسؤولية مقتل "خاشقجي" ويثبت -من خلال إصلاحات محددة- أن هذه الجريمة لن تتكرر. وحتى يحدث ذلك، ستواجه المملكة قيودا من وزارة الخارجية والكونغرس.
وتواجه الشركات الأمريكية التي ترغب في بيع التكنولوجيا أو الخدمات إلى المملكة أو الدول الأجنبية الأخرى عملية فحص معقدة. وينطبق هذا على كل من الصفقات الحكومية المباشرة، والمعروفة باسم "المبيعات العسكرية الأجنبية"، والعقود الخاصة المشار إليها باسم "المبيعات التجارية المباشرة". وكلا الفئتين مرخصتان من قبل إدارة الرقابة التجارية التابعة لوزارة الخارجية، وتتم مراجعة قرارات وزارة الخارجية من قبل لجنتي الشؤون الخارجية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
وقد تم حظر مسار الترخيص ببيع الأسلحة للمملكة بعد مقتل "خاشقجي"، بسبب المخاوف المتعلقة باحترام المملكة لحقوق الإنسان. وتم إيقاف طلب الترخيص المقدم من وحدة "داين كورب" التابعة لشركة "كولبيبر"، على سبيل المثال، وفقا لمصدر مقرب من الشركة، على الرغم من أن جهاز المخابرات في المملكة يحتاج بشدة إلى التدريب.
وقال لي أحد المسؤولين السعوديين: "لا يعد هذا الركود في جهود تحديث الاستخبارات السعودية جيدا لنا جميعا". لكن من غير المحتمل أن يوافق الكونغرس على التدريب دون وجود علامات حقيقية على الإصلاح.
ويفرض الكونغرس مراجعة حقوق الإنسان كشرط لمبيعات الأسلحة والتدريب من خلال عملية قانونية تعرف باسم "فحص ليهي"، والتي سميت على اسم الراعي الرئيسي لها، السناتور "باتريك ليهي". وبموجب القانون، يجب على وزارة الخارجية أن تتأكد من أن الوحدات العسكرية الأجنبية لا ترتكب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" أو حقوق المرأة، قبل أن تتلقى المساعدات. ويوضح موقع وزارة الخارجية على شبكة الإنترنت أشكال الممارسات التي تنتهك "فحص ليهي" حيث "تعتبر الحكومة الأمريكية أن التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري، والاغتصاب أمورا تستدعي تفعيل قانون ليهي".
ومن الواضح أن قضية "خاشقجي" تندرج تحت هذا السقف. ومن المفترض أنه قبل موافقة وزارة الخارجية والكونغرس على المبيعات المستقبلية، فسوف تكون هناك حاجة إلى تأكيدات جديدة بأن الجيش السعودي وأجهزة المخابرات ووكالة الأمن الداخلي قد اتخذت خطوات حقيقية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان التي تم الإبلاغ عنها.
وتواجه مجموعة "إن إس أو"، وهي شركة تكنولوجيا مراقبة إسرائيلية، مشكلة خاصة. وتبيع المجموعة للحكومات الأجنبية نظاما يعرف باسم "بيغاسوس"، يمكنه اختراق الهواتف المحمولة، والتطفل على مكالمات الأشخاص المستهدفين ورسائلهم النصية، والتعامل مع الكاميرات والميكروفونات الخاصة بهم، والتغلب على التشفير. وتتعهد الشركة في رسائل موجهة إلى مجموعات حقوق الإنسان بأنها ستسمح بترخيص هذه التكنولوجيا التطفلية فقط للحكومات التي لها سجلات مقبولة في مجال حقوق الإنسان، لأغراض الاستخبارات الشرعية وإنفاذ القانون، مثل القبض على الإرهابيين أو أباطرة المخدرات.
لكن "سيتزن لاب"، وهي منظمة لأبحاث الإنترنت مقرها في "تورونتو" بكنداا زعمت في سلسلة من التقارير أن أدوات "إن إس أو" للقرصنة عبر الهاتف قد تم استخدامها بشكل غير صحيح ضد المعارضين السياسيين في المملكة العربية السعودية والمكسيك والإمارات العربية المتحدة. ويعارض متحدث باسم "إن إس أو" نتائج ومنهج "سيتزن لاب"، لكنه لم يقدم أي تفاصيل. وأقر المحامي الذي يمثل "إن إس أو"، في مقابلة في ديسمبر/كانون الأول، بأن "من الواضح أن هناك انتهاكات أحيانا".
وقال "شاليف هوليو"، وهو إسرائيلي وأحد مؤسسي المجموعة، في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" في قناة "سي بي سي نيوز"، تم بثها في 24 مارس/آذار: "يمكنني أن أخبرك أنه في الأعوام الـ 8 الماضية من وجود الشركة، لم يكن لدينا سوى 3 حالات حقيقية من سوء الاستخدام. وأن أولئك الأطراف الذين أساءوا استخدام النظام، لم يستمروا زبائن لدينا، ولن يكونوا أبدا عملاء لدينا مرة أخرى". لكنه لم يحدد من يقصد من العملاء أو البلدان.
وقد تم بيع "إن إس أو" هذا العام عبر صندوق للأسهم الخاصة مقره الولايات المتحدة، وهو "فرانسيسكو بارتنرز"، إلى شركة "نوفالينا كابيتال"، ومقرها لندن.
وأخبرني مصدر، تحدث بشكل مكثف مع المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين السابقين الذين مثلوا "إن إس أو"، أنه بعد مقتل "خاشقجي"، قررت الشركة "تجميد جميع الطلبات المستقبلية مع السعودية". وقد التقى المسؤولون الإسرائيليون السابقون مع "القحطاني" لبيع التكنولوجيا. وأخبرني المصدر بأن "إن إس أو" اعتقدت أن المملكة احتاجت للتكنولوجيا لأهداف مشروعة. وقال المصدر إن "العسيري"، نائب رئيس المخابرات الذي ساعد في الإشراف على عملية إسطنبول، كان له أيضا تعاملات مع شركات تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية.
ويوضح بيع تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية إلى دولة سنية رائدة كيف أصبح السوق العالمي المتنامي لخدمات التجسس متشابكا مع السياسة الخارجية. وتتمتع (إسرائيل) بعلاقات استخباراتية واسعة النطاق - أغلبها غير معترف بها - مع السعودية والإمارات ومصر والأردن ودول أخرى. وتوافق الحكومة الإسرائيلية على كل عملية بيع أجنبية لتقنية ما من "إن إس أو".

زاوية ضيقة
وقد تحمل التحالف الأمريكي السعودي، المستمر منذ 75 عاما، اختبارات صارمة، من الحظر النفطي العربي عام 1973، إلى هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ومن المفاجئ، في بعض النواحي، أن مقتل "خاشقجي"، وهو صحفي واحد، كان نقطة انعطاف كبيرة في ذلك التحالف. وربما كان تأثير ذلك ناتجا عن المزيج الوحشي من القتل والتقطيع، وفشل السعودية في تقديم رواية مقبولة للتغطية على الجريمة، وحقيقة أن الضحية كان كاتب عمود في واحدة من أبرز الصحف في العالم.
ومهما كانت الأسباب، ربما يكون "خاشقجي" قد أنجز بموته ما لم يحققه عبر كتاباته، فلقد وضع "بن سلمان" في زاوية ضيقة، مما اضطره إما إلى تحمل مسؤولية أفعاله والتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، أو المخاطرة بفقدان دعم الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية الضروري لأمن المملكة.
وكان "خاشقجي"، في كثير من الأحيان، قد كتب عن رغبته الشديدة في رؤية التحديث وسيادة القانون في المملكة. وفي لحظاته الأخيرة، أقر بأنه لا يستطيع التنفس، لكن قتله ربما يعطي الأكسجين لمطالبه بالإصلاح.

المصدر | ديفيد إغناتيوس - واشنطن بوست