“حراك بني هاشم” على أرضية مقدسية.. ملك الأردن يرفع الشراكة مع نظيره المغربي فيناكف الهاشميان السعودية والامارات..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1740
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رسالة ذكية للداخل المشاغب “ولكن”.. وتقييم دبلوماسي غربي “إدارة ترامب لا تعامل عمان كدولة سياسية”.. وهل يقترن الوعيد بوقف صفقة الغاز مثلا؟
برلين ـ “رأي اليوم” ـ فرح مرقه:
 قبل أسبوع فقط، وصف مراسل صحيفة “المونيتور” ملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمن “يعيشان ذات المأزق في أزمة باب الرحمة المقدسي، حيث كلاهما لا يحتاجان للظهور بموقف الضعيف ويتمنيان أن تمرّ الأزمة بأقل الأضرار”. ولكن ما لم يقله مراسل الشؤون الإسرائيلية هو أن نتنياهو وحده من سيخضع لانتخابات بعد أقل من شهر تدعمه فيها واشنطن بما تملك ولا تملك ويحظى بأعطياتها، بينما يتأثر عاهل الأردن والوصاية الهاشمية بما بات يُعرف بصفقة القرن ويعيش تحت ضغط داخلي صعب.
القلق في الأردن من مآلات ما تقوم به الولايات المتحدة من جهة وإسرائيل من أخرى، كبير فعلاً، والأخطر أنه كلّه يُهمس به في الغرف المغلقة وفي كواليس السياسة، بينما يرفض الجميع الإعلان عنه رغبةً في تفادي مظهر التشكيك بالقيادة وخذلان النظام، وهنا يمكن استذكار الحادثة الشهيرة في البرلمان حيث صاح النائب محمد هديب بأن لا أحد يدافع عن الفلسطينيين وان الوصاية الهاشمية في خطر، فرد رئيس المجلس المهندس عاطف الطراونة بأن يذكر النائب بأنه في البرلمان الأردني وليس الفلسطيني، ويطلب النظر في عضويته ثم يبدأ المجلس بالهرج والمرج.
الحادثة ليست يتيمة بإثبات الإرباك والقلق الأردنيين، وما تصريحات الملك ولاءاته ومن ثم جولة البحث عن حلفاء جدد وتوطيد تحالفات جامدة إلا انعكاس لهذا القلق. فملك الأردن يدرك أن لديه أزمة تلحقها ازمات، وتكاد تكون- لمرة نادرة- تؤثر على شرعية العرش الهاشمي في الأردن، وهو أمر لا يؤثر فيه فقط الإسرائيليون الذين وصفهم مليك الأردن بالأعداء على الحدود، ولا واشنطن (الحليف) التي توزّع الهبات والأعطيات من الإقليم، وإنما أيضاً تلعب فيها معطيات أخرى داخلية دوراً هاماً، لا بد من متابعته بحذر قبيل سنوية الحراك الشعبي الكبير الذي أطاح بحكومة الدكتور هاني الملقي.
هل عاهل الأردن وحيداً على الجبهات؟
عاهل الأردن ومنذ عودته من واشنطن وهو يلاعب عملياً الجبهتين: الداخلية والخارجية، فبدأ اجتماعاته بالزرقاء، حيث معقل عشائر بني حسن الذين أصدر بعضهم البيانات عالية السقف، والتي حملت دعوة لتعديل الدستور وتقليص صلاحيات الملك، الأمر الذي يحمل رمزية مهمة، إلا أنه بالضرورة لا يكفي في تقليص الجبهة الداخلية الغاضبة. فلم يعد سراً أن بعض التحركات في الأطراف والمحافظات (أكثر من العاصمة) تبحث وتفكر في شخصيات تقود المرحلة القادمة وتقترح ولو بالخفاء إخراج شخصيات وإدخال أخرى من المعادلة المحلية، ولا يقف الأمر عند عشائر بني حسن.
التحركات بحد ذاتها قد تظهر كتجاوز على عاهل الأردن الذي يمسك دستوريا يزمام اختيار القيادات في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، فكيف وهي تحمل رسائل واضحة تهاجم الملك وصلاحياته، هنا تتحدث المؤسسات أن رغبة متباينة الأسباب تنمو لإضعاف نظام المملكة ولو لغاية إشغاله لمدة محددة.
الإشكال الحقيقي أن هذه التحركات في مثل هذا التوقيت لا يراها النظام هادفة لإضعافه وإنما خلخلته لو استمرت، وهو أمر لا يمكن إغفال تأثيره في الداخل الأردني وعلى شعبية الملك، الذي لا يزال يلاعبه بذكاء ودون أي رسائل قاسية تذكر عدا التلميح لمن “يُهدون الخارج رسائل سلبية عن الوطن في توقيت حساس”. الرسالة تؤكد ان الملك مدرك للأزمات الداخلية التي تسكن بلاده وهي متعددة، ولكنه بالمقابل يوحي بأنه لا يملك حل معظم الازمات، وهنا يظهر جانبٌ من فقدانه الكثير من الثقة بالأدوات في مراكز القوى.
إشكالية عمان تتكرس في “إيقاعها البطيء” داخلياً ومعالجتها نتائج الأزمات فقط أكثر من أسسها ومسبباتها، وفق ما يوصّفه عدد من الخبراء والمشتبكين القدامى مع السياسة الداخلية والخارجية في أحاديث منفصلة مع “رأي اليوم”، وهو أمر يمكن التفصيل فيه لاحقاً.
جبهةٌ هاشمية ملكيّة..
على الجبهة الخارجية، وتحديداً في المحيط العربي، تُفعّل عمان شراكات جامدة لعل آخرها الشراكة مع المغرب، في رسالة مُناكِفةٍ واضحة للجارة الجنوبية السعودية، وفي وقت يتأمل فيه كثيرون أن يبدأ عهد تنسيق حقيقي متجاوز للتبعية مع دول الخليج، كما تحدث وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة.
عاهل الأردن ذو النسب الهاشمي والذي أكّد عليه مؤخراً في إشارات تذكيره بشرعية الوصاية الهاشمية على مقدسات القدس، أكد في زيارته للمغرب على تقديره للدور الذي يقوم به ملك المغرب محمد السادس كرئيس للجنة القدس ومشاريع عبر صندوق بيت مال القدس، في إشارة ذات مغزى تعتبر القدس أرضية أولى تجمع الملكين الهاشميين (حيث ينتسب الملك محمد السادس للمملكة العلوية التي يعود نسبها للحسن ابن علي ابن ابي طالب، وكذلك نسب ملك الأردن)، ما يوجّه رسالة قاسية بكل الأحوال للجارة السعودية ومعها الإمارات اللتان توترت علاقتهما مع المغرب مؤخرا على خلفية تقاربه مع قطر.
عمان أصرّت على توجيه الرسالة بصورة واضحة، حيث لم يكتفِ ملك عمان بالتقارب على أرضية القدس، وانما تجاوز ذلك لاعلان الارتقاء بالعلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية متعددة الجوانب، وهو امر حظيت به مؤخراً أيضاً تركيا من بوابة دعم الموقف الأردني في القدس أيضاً.
إذن يستأنف ملك الأردن العلاقة مع المغرب في خطوة قد تعيد احياء أحد أجنحة نادي الملكيات العربي الذي تفكك منذ بدء ولاية المملكة السعودية الثالثة (ولاية الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان)؛ ورغم أن الخطوة قد تمنح عمان والرباط بعض القوة إلا انها لا تضمن عملياً افشال التحركات الإسرائيلية في القدس، كما لا يمكنها وحيدةً ان تمنع أعطيات واشنطن لتل ابيب.
لماذا كل هذا الحراك؟
عاهل الأردن، والذي يزور فرنسا وإيطاليا وألمانيا وتونس، يحاول طبعاً حشد المزيد من التأييد للوصاية الهاشمية، ولكن مراقبين يؤكدون أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، حيث الملك ذاته لم يعد مرتاحاً لما يمكن ان تقوم به إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تتجاهل عمان ومصالحها السياسية في مختلف المواقف وتتعامل معها ككيان تابع اقتصادي فقط، وفق تقييم دبلوماسي غربي لعلاقات إدارة ترامب الخارجية.
التقييم المثير الذي استمعت له “رأي اليوم” كان ان إدارة ترامب تقدم لعمان المساعدات المالية كجزء من استحقاقات الأردن في صفقة القرن وليس بصفته “دولة حليفة”، وهو ما يفسر العنجهية التي اتبعها موظفو الإدارة الامريكية في الأردن. قلق الأردن بالطبع لا يتوقف عند إدارة ترامب، فعمان تخشى ما يطلق عليه المفكر عدنان ابوعودة المشروع الصهيوني في الأردن، وهو ما لن يكتفي باراضي 1948 وسيبدأ باستخدام عامل الوقت لمد السيطرة اكثر وتغيير الديمغرافيا. هذه الفكرة هي ما تفسر حديث الملك الأردني عن التوطين، وهو رعب يسكن الأردنيين اساساً ويستخدمه السياسيون منذ زمن.
بكل الأحوال، قد يحتاج الملك هذه المرة لأكثر من التلويح بالرد القاسي وعقد بعض الشراكات التي لا تزال تعاني سابقاتها (خصوصا التركية) من تعقيدات وازمات سياسية، حيث ضرورة تعليق اتفاقات وتعهدات مثل اتفاقية الغاز التي تضر بالأردن سياسيا واقتصادياً وفق خبراء الطاقة، بالإضافة لاستغلال حقيقي للتباعد الدولي (والاوروبي تحديداً) مع الإدارة الامريكية لتقوية الموقف الأردني المحلي اقتصاديا وسياسيا، كما الاستثمار مع الجوار.
عمان تبدو اليوم تتموضع فعليا في شراكة مع العراق وبيروت والمغرب والكويت على قاعدة مقدسية فقط في الغالب، بينما قد تشكل العراق وبيروت محورا قريبا لإيران مثلا والاردن والمغرب محورا اخر على الصعيد الاستراتيجي؛ وهنا تكمن خطورة المحور المذكور عملياً.