لماذا ينبغي على واشنطن أن تراجع علاقاتها مع السعودية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1928
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 أثار القتل الوحشي، الذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول، غضبا دوليا وأزمة رئيسية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". لكن الجدل يطرح سؤالا أكبر حول إذا ما كانت السعودية لا تزال تهم الولايات المتحدة؟ والجواب المدهش هو، ليس كثيرا. وقد يكون التصالح مع هذا الواقع أفضل طريقة للتعامل مع التوترات الحالية في العلاقة. إنها خطوة أولى نحو نهج أمريكي مختلف جدا تجاه المملكة، فلا ينبغي الاعتماد على الحاجات الاستراتيجية للماضي، ولكن على تقييم واضح للمصالح الأمريكية الحالية والمستقبلية.
ولا تعد قضية إعادة التفكير في العلاقات مع الرياض قضية أخلاقية في المقام الأول، فلقد اضطرت الولايات المتحدة للتعاون مع أنظمة بغيضة طوال تاريخها. وكان "ستالين" حليفا ضروريا في هزيمة "هتلر". وعلى الرغم من أن القمع الذي يمارسه الأمير "محمد بن سلمان"، حاكم المملكة الفعلي الذي يبلغ من العمر 33 عاما، قد يكون قاتما، إلا أنه قد لا يضاهي قمع "فلاديمير بوتين" أو "شي جين بينغ" فيما يتعلق بسجن المواطنين واضطهاد الصحفيين.

شرق أوسط متغير
لكن هذا ليس هو الهدف. لقد تغير الشرق الأوسط بشكل هائل منذ أن أطلق الرئيس "فرانكلين روزفلت" التحالف عام 1943، معلنا أن "الدفاع عن السعودية أمر حيوي للدفاع عن الولايات المتحدة". وهذا أبعد ما يكون عن الواقع الحالي. وفي الواقع، تواجه الولايات المتحدة الآن خطر الانجرار إلى حرب دموية أخرى غير محددة في المنطقة، حيث تأخذ حليفتها موقفا متهورا وعدوانيا تجاه منافستها الإقليمية الكبرى، إيران.
وفي البداية، كان منطق التحالف واضحا؛ حيث سعى "روزفلت" إلى تأمين إمدادات النفط السعودية للمساعدة في كسب الحرب العالمية الثانية وصياغة سلام مزدهر. وخلال أعوام الحرب الباردة الطويلة، كان الرؤساء الأمريكيون ينظرون إلى السعودية باعتبارها حليفا مفيدا ضد توسع الاتحاد السوفييتي الإلحادي في الخليج العربي. ووصلت ذروة العلاقة في الفترة عامي 1990-1991، عندما أرسلت الولايات المتحدة نحو 400 ألف جندي لحماية السعودية، واحتياطياتها النفطية، بعد قيام الديكتاتور العراقي "صدام حسين" بغزو الكويت وتهديد المملكة المجاورة.
وفي أعقاب مقتل "خاشقجي"، واستنتاج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن الأمير "محمد بن سلمان" نفسه هو من أمر بالقتل، تعهد "ترامب" بالحفاظ على الشراكة مع السعودية"، قائلا: "لن أدمر الاقتصاد العالمي، ولن أدمر اقتصاد بلدنا، بافتعال حماقة ما مع السعودية". لكن هذا التبرير مشكوك فيه إلى حد كبير، فاليوم، أكبر منتج للنفط في العالم هو الولايات المتحدة، وليس المملكة العربية السعودية، أما بالنسبة للبلدان المعتمدة على النفط، فالسعوديون يحتاجون إلى بيع النفط، بنفس القدر الذي تحتاج به هذه الدول إلى شرائه.
ومع تضاؤل ​​الاعتماد الأمريكي على النفط من الشرق الأوسط، تضاءلت طموحات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة أيضا. ولقد اعتقدت واشنطن ذات مرة أنه يمكن أن تساعد في جلب موجة من التحرير والديمقراطية إلى الشرق الأوسط بعد 11 سبتمبر/أيلول، عبر الإطاحة بـ"طالبان" في أفغانستان، والإطاحة بـ "صدام حسين"، ولكنها جاءت بنتائج عكسية تماما. واليوم، تخلت الولايات المتحدة تماما عن مثل هذه الأحلام، وظلت فقط تراقب الدكتاتور السوري وهو يقتل مئات الآلاف من مواطني بلاده.

مملكة ثابتة
كما تغيرت الكثير من الأمور في المملكة العربية السعودية منذ وقع "روزفلت" والملك "عبدالعزيز بن سعود" اتفاقهما. وتنتشر الأبراج الحديثة الآن في المدن السعودية، وزاد عدد سكان البلاد، من أقل من مليون شخص معظمهم من البدو الرحل عندما تأسست المملكة عام 1932، إلى نحو 22 مليون اليوم، بالإضافة إلى 9 ملايين أجنبي.
ومع ذلك، لم يتغير شيء يذكر في أساسيات النظام؛ حيث لا تزال المملكة يحكمها نظام "آل سعود" الاستبدادي. ولا يزال لديها اقتصاد نفطي ذو بعد واحد. ولا يزال السكان السعوديون المتنامون يعتمدون إلى حد كبير على المساعدات الحكومية. ومع انخفاض دخل الفرد من النفط، أصبحت الحكومة عاجزة بشكل متزايد عن تلبية الطلبات المتزايدة لشبابها. وعبر هواتفهم وشاشاتهم، يتلقى الشباب السعوديون، العاطلون عن العمل، ثقافات الغرب، وكذلك خطب الوعاظ الجهاديين، وإغراء "الإرهابيين" العالميين.
وفي عام 2016، كشف "بن سلمان" عن مخططه "رؤية 2030" للإصلاح الاقتصادي، الذي وعد بإنهاء الاعتماد السعودي على النفط بحلول عام 2030. لكن المملكة لم تحقق أي تقدم تقريبا في تحويل المواطنين السعوديين من معالين من الحكومة إلى مشاركين نشطين في اقتصاد حديث. وقد فضل ولي العهد بدلا من ذلك أن يكرس طاقاته للمشروعات العملاقة، مثل السعي لشراء مفاعلات نووية، وبناء مدينة ذات تكنولوجيا عالية تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وصفها بشكل غير مناسب بـ"المشروع الأكثر طموحا في العالم"، في منطقة شمال غرب السعودية القاحلة.
وكما كتب "خاشقجي" قبل شهرين من وفاته: "إذا أنفقنا احتياطنا ودخلنا الثمين على مشاريع باهظة الثمن لا يمكن التحقق منها، ولا نحن ولا العالم نحتاجها، فإن ذلك قد يقود المملكة للإفلاس"، وأضاف: "نحن بحاجة إلى شكل من أشكال القيود والتوازن لضمان نجاح ولي العهد".
وحتى الآن، لم يواجه ولي العهد أي قيود من هذا القبيل. وفي الواقع، فإن العذر الرسمي هذه الأيام لسلطته المتنامية هو أن المملكة تحتاج إلى رجل قوي يقوم بالتحديث لفرض إصلاحات كبرى بسرعة. وقد أثبتت المبادرات الاجتماعية التي أطلقها "بن سلمان"، والتي وضعت حدا لعقود من الحظر على دور السينما وإلغاء الحظر الرسمي على قيادة النساء، والحد من المضايقات من قبل الشرطة الدينية، شعبيتها لدى الشبان السعوديين. لكن إصلاحاته الاقتصادية لا تزال ميتة.

إعادة النظر
ونظرا لهذه الحقائق الجديدة، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة استخدام أزمة اليوم للتراجع وإعادة النظر في العناصر الأساسية اللازمة لإعادة تعريف العلاقات الأمريكية السعودية الحالية.
أولا: القيم المشتركة، مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون والتعددية الدينية. ويتشارك الأمريكيون هذه القيم مع الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، ولكن ليس مع النظام الملكي السعودي المطلق. ومع مقتل "خاشقجي" وغيره من الأحداث الأخيرة، بما في ذلك سجن وتعذيب مثقفين وناشطات وناقدين دينيين، تبقى المملكة بعيدة جدا عن قيم أمريكا.
ثانيا: المصالح الاستراتيجية المشتركة. لقد نشأت الصفقة التي أبرمها "فرانكلين روزفلت" و"بن سعود"، أي النفط السعودي مقابل الضمانات الأمنية الأمريكية، في الأربعينيات من القرن الماضي. أما اليوم فلا تحتاج الولايات المتحدة إلى النفط السعودي، في حين أن المملكة، على الرغم من أنها اشترت مئات المليارات من الأسلحة الأمريكية المعقدة التي لا تحتاجها في الغالب ولا تعرف كيفية استخدامها بمفردها، أصبحت أكثر اعتمادا على حماية الولايات المتحدة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قال "ترامب" إن المملكة قد لا تدوم "لمدة أسبوعين بدوننا".
وحتى فيما يتعلق بالنفط، تباينت المصالح الأمريكية والسعودية. وفي محاولة يائسة لتلبية احتياجات سكانها المضطرين والحفاظ على الاستقرار الداخلي، يريد السعوديون إبقاء أسعار النفط مرتفعة. أما "ترامب"، لأسبابه الاقتصادية والسياسية الخاصة، فيريدها منخفضة.
ولا يزال الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للولايات المتحدة هو السياسة الخارجية الجديدة للمملكة. وعلى مدى عقود، فضلت الرياض العمل وراء الكواليس في الشرق الأوسط، باستخدام دبلوماسية دفتر الشيكات لتخفيف المشاكل المحتملة وشراء الخصوم. لكن الآن، وبعد أن شجعه "ترامب" وصهره "جاريد كوشنر"، تخلى "بن سلمان" عن هذا الإرث في جهد بعيد المدى إلى حد بعيد لمواجهة إيران واحتوائها.
وقد عجل السعوديون بنزاع غير مبرر مع قطر، التي تستضيف الآن القاعدة العسكرية الإقليمية الأكثر أهمية لأمريكا. ويدفع ذلك الصدع قطر إلى الاقتراب من إيران، وبث الشقاق بين مشيخات الخليج الصغيرة، التي تحتاج الولايات المتحدة إلى تعاونها في حماية ممرات الملاحة الحيوية للنفط.
وعلى الجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية، دخلت السعودية في حرب أهلية دامية في اليمن، وخلقت كارثة إنسانية باستخدام أسلحة الولايات المتحدة ضد حلفاء إيران المحليين. وهناك خطر حقيقي في تصعيد الأمور إلى حرب شاملة بين المملكة وإيران؛ حيث يحذر المسؤولون السعوديون من أن "بن سلمان" قد يميل إلى قصف طهران إذا تمكن الوكلاء الإيرانيون في اليمن من إسقاط صاروخ وإلحاق خسائر فادحة في العاصمة السعودية المزدحمة.
وتشترك الولايات المتحدة والسعودية في مصلحة احتواء إيران، وهي ثيوقراطية شيعية قمعية مع آمال في الهيمنة الإقليمية. لكن النشاط الإقليمي الجديد للمملكة، بما في ذلك التدخل في السياسة اللبنانية، ساعد إيران على توسيع نفوذها دون أي تكلفة. والأسوأ من ذلك، أن الحرب في اليمن، مثل الإنفاق العسكري السعودي بشكل عام، قد استنزفت الموارد التي كان يمكن للمملكة أن تخصصها بدلا من ذلك لدعم الإصلاح الاقتصادي الذي كانت هناك حاجة ماسة إليه.

حليف متقلب
كما أثبتت السعودية أنها حليف متقلب في الأعوام الأخيرة. وتتدخل روسيا مرة أخرى في الشرق الأوسط، والسعوديون، بعيدا عن سعيهم لإعاقة توجهات موسكو كما فعلوا أثناء الحرب الباردة، يتعاونون بشكل متزايد مع "بوتين". و تنسق الرياض مع موسكو في إنتاج النفط وتسعيره. وتتحدث المملكة الآن عن شراء الأسلحة الروسية، ولم تفعل سوى القليل أمام التدخل الروسي أو الإيراني في سوريا.
ويبدو أن الرئيس "ترامب" وصهره "كوشنر" يأملان أن يساعد السعوديون على قيادة العالم العربي بصنع السلام مع (إسرائيل). ولقد حلم العديد من الرؤساء السابقين بهذا الحلم. لكن شرعية المملكة تعتمد على دور العائلة المالكة باعتبارها خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ولا يستطيع "آل سعود" التخلي عن مطالبات المسلمين بثالث أقدس موقع في الإسلام، القدس، وليس من المرجح أن تتخلى أي حكومة إسرائيلية عن أي جزء من القدس لاتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني. ولن تغير صداقة "كوشنر" مع "بن سلمان" أيا من هذه الحقائق.
ويبقى العامل الثالث الذي يربط التحالف بين البلدين هو المعاملات التجارية المتبادلة. وقد أشار "ترامب" إلى صفقة سعودية بقيمة 110 مليار دولار الشراء الأسلحة الأمريكية، وهم يزعم أنها ستخلق "مئات الآلاف من الوظائف" للأمريكيين. وهذه مبالغة شاسعة. وتبلغ القيمة الإجمالية لمشتريات الأسلحة السعودية في ظل إدارة "ترامب" 14.5 مليار دولار، ما باقي الرقم فهم مجرد نوايا معلنة لمغازلة ترامب أو الرؤساء الأمريكيين المستقبليين.
ومع ذلك، فبالكاد يستطيع السعوديون تلبية احتياجاتهم العسكرية من أي مكان آخر في هذه المرحلة. ومن شأن شراء أنظمة أسلحة روسية أو صينية ضعيفة لا تعمل مع الترسانة الأمريكية في الرياض أن يضر بالأمن السعودي. وكان يجب أن تنتهي اللعبة القديمة.
وتعد الحجة الأكثر إقناعا لأهمية المملكة العربية السعودية المستمرة بالنسبة للولايات المتحدة حجة سلبية؛ وهي أنه بدون عائلة "آل سعود" الحاكمة، قد تسوء الأمور داخل المملكة. وأنه لا يمكن الاستعاضة عن "آل سعود" إلا بنسخة من "تنظيم الدولة" أو فوضى من ذلك النوع الذي يجتاح سوريا.، وأن أيا من تلك السيناريوهات سيؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وتهديد الأسواق، وتعريض (إسرائيل) للخطر.
لكن هذا المنطق "فاشل تماما"، ولا يمكن أن يصبح أساسا لعلاقات مستقرة. وينبغي على الولايات المتحدة أن تشعر بالقلق تجاه استقرار حليفها وآفاقه المستقبلية، ولكن هذا يعني الحاجة لتشجيع الإصلاح الداخلي في المملكة، وليس المناورات الإقليمية المتهورة.
وعلى الرغم من أن "بن سلمان" يقول إن أولويته لا تزال هي إصلاحات "رؤية 2030"، فإنه يبدو أنه يجد فيها مادة للترويج على الساحة العالمية، وليس صراعا حقيقيا لإصلاح مجتمع أفسدته 70 عاما من المساعدات. وبالكاد بدأت مسيرة العمل الشاق لاستبدال الاقتصاد الذي تديره الدولة بقطاع خاص مزدهر في المملكة.
وبدلا من إسناد القرارات الأمريكية في المنطقة إلى الرياض، ينبغي كون "ترامب" والكونغرس الجديد أكثر حكمة في مساعدة القيادة السعودية على التركيز على ترتيب البيت الخاص بهم. ومن شأن سياسة الولايات المتحدة الإيجابية والواقعية أن تشجع استثمارات القطاع الخاص في المملكة، وتساعد في نقل المعرفة التجارية والفنية الأمريكية التي تشتد الحاجة إليها إلى القطاع الخاص الوليد في البلاد. وليس من شأن هذا فقط أن يتوافق بشكل أفضل مع القيم الأمريكية، ولكن قد يساعد أيضا في تثبيط ولي العهد عن الانخراط في سلوك استفزازي ضد إيران. وسوف تكون المملكة العربية السعودية المزدهرة اقتصاديا حصنا أفضل ضد الطموحات الإيرانية في الخليج.
وما لا ينبغي على الولايات المتحدة فعله هو منح الضوء الأخضر للمغامرات السعودية في اليمن وأماكن أخرى، أو أن تشجع أوهام السعودية لمجاراة طموحات إيران النووية. ولا ينبغي ابتزاز الولايات المتحدة لدعم ولي العهد المتشدد بغض النظر عن تجاوزاته. ومن المرجح أن يظل الأمير "محمد" في السلطة بعد أن يتلاشى الغضب حول "خاشقجي"، لكن الكثير من الأمراء الآخرين قد يكونون مستعدين لشغل مكانه، وربما يثبت أحدهم أنه أكثر موثوقية وحذرا.
وفي عام 1964، قام رجال سعوديون بعزل عم "بن سلمان"، الملك "سعود"، الذي أفلس المملكة وأثار شرارة الاقتتال الداخلي داخل العائلة المالكة. وكما أوضح أحد كبار الأمراء في ذلك الوقت، "فضلنا التضحية بـ سعود بدلا من البلاد".

المصدر | وول ستريت جورنال