معهد واشنطن: معظم السعوديين يدعمون تحالفًا فعليًا مع إسرائيل ضدّ إيران والإرهاب وباتوا ينظرون إليها من منظورٍ براغماتيٍّ عوضًا عن منظورٍ إيديولوجيٍّ أوْ إسلاميٍّ

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1015
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
 رأى الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ديفيد بولوك، أنّ الخوف السعوديّ من نفوذ إيران المتزايد والانزعاج من التخاذل الأمريكيّ بشأنه في السابق ولّد تغيرًا فعليًا وإيجابيًا في رأي عدد كبير من السعوديين تجاه إسرائيل، ففي الواقع، يبدو أنّ معظم الباحثين السعوديين الذين تحدثت معهم، وخصوصًا جيل الشباب، لديهم اليوم رأيًا مغايرًا قليلًا تجاه إسرائيل، إذْ ينظرون إليها من خلال منظورٍ براغماتيٍّ نسبيًا عوضًا عن منظورٍ إيديولوجيٍّ أوْ إسلاميٍّ، بحسب تعبيره.
وتابع بولوك: يبدو في الآونة الأخيرة أنّ عقارب الساعة عادت إلى الوراء مجددًا باتجاه بعض التقدير العلنيّ للمصالح المُشتركة مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، أرجعت خانة بارزة نُشرت في 5 أيلول/سبتمبر بقلم الناقد الرائد عبد الرحمن الراشد باللغتين العربية والإنكليزية في وسائل إعلام سعودية بارزة الفضلَ لإسرائيل في ما يتعلق بالمساهمة في احتواء إيران ليس في سوريّة فحسب، بل في العراق أيضًا. وخلال الحج إلى مكة في آب/أغسطس، أصدرت السلطة الدينية السعودية الرئيسية الممثلة بالمفتي الكبير محمد الشيخ تصريحًا بارزًا بالفعل انتقد فيه إيران على خلفية عرقلتها الحجاج المسلمين، مع الإشارة إلى أن إسرائيل لم تضع عواقب مماثلة في طريقهم. ولم تتسبب تخفيضات المساعدات الأمريكية الأخيرة للأونروا والوكالات الفلسطينية الأخرى سوى باحتجاج سعودي بسيط، في تناقضٍ فادحٍ مع الخطابات الرسمية الغاضبة الصادرة عن مصر والأردن.
وللمفاجأة، أضاف، يؤكّد استطلاع مؤسسة “زغبي” الأخير، الذي غالبًا ما تكون عيّناته التمثيلية مواليةً للفلسطينيين، هذه النتيجة، إذْ يُظهِر أنّ معظم السعوديين يدعمون تحالفًا فعليًا مع إسرائيل ضدّ إيران والإرهاب، بعد عقد اتفاقٍ فلسطينيّ-إسرائيليّ. ولكن في غضون ذلك، يشير استطلاعي الأخير إلى أن أقليةً من السعوديين فقط، تمثل حوالي 20 في المائة، تدعم إقامة علاقات علنية مع إسرائيل قبل معالجة القضية الفلسطينية.
ومضى قائلاً إنّه في لقاءاتٍ خاصة، أخبرني مدراء تنفيذيون إعلاميون ومفكرون عامون سعوديون آخرون أن السلوكيات المناهضة لإسرائيل الراسخة والمتغيرة بشدة ستستغرق بعض الوقت، بما أنّ التعاطف الشعبي الكبير مع الفلسطينيين ما زال قائمًا. ويصح ذلك على الأرجح أيضًا لدى الكثيرين في المؤسسة الدينيّة التقليديّة، فقد نقلت شخصيّة إعلاميّة سعوديّة شائعةً مفادها أنّه منذ وقت ليس ببعيد، أمضى وفد ضخم من كبار الشيوخ أربع ساعات مع الملك سلمان، متوسلين إليه على الأقل أنْ يُبطئ وتيرة التغيير، وأضاف أنّه لسخرية القدر، بات بعض الذين كانوا يعتبرون الملك السعودي مجرّد رئيسٍ صوريٍّ ورجل يُكافِح المرض، باتوا يرونه فجأةً رادعًا قويًا لاندفاع نجله المبتدئ نحو الإصلاحات.
كما تناول الباحِث التغيرات في السلوكيات تجاه اليهود، وقال إنّه يُمكِن دعم هذا الرأي من خلال النظر إلى وسائل الإعلام السعودية السائدة، حيث بات اليوم غياب الأفكار المجازية المعادية للسامية القديمة واضحًا بشدّةٍ. وبشكلٍ مماثلٍ، أوضح، أصبح المسؤول الجديد عن “رابطة العالم الإسلاميّ” التي تتخذ جدة مقرًا لها، الشيخ محمد العيسى، في العام الماضي بالذات أكثر صراحةً في هذا السياق، من خلال رسائل باللغتين العربية والإنكليزية، لم يكتفِ فيها باستنكار المحرقة وناكريها في اليوم الحاضر، ولكنه أيضًا روّج لرؤية عن الإسلام المتسامح تجاه الأديان الأخرى، بما فيها اليهودية.
ولفت الباحِث بولوك إلى أنّه انطلاقًا من الموارد المحدودة المتوافرة لدينا، يبدو أنّ هذه التحوّلات في وجهات النظر السعودية تجاه إسرائيل واليهود حقيقيةً جدًا، حتى ولو لم تكن شاملةً. فقد يكون لديها تأثيرات طويلة الأمد على السياسة السعودية، ولكن ما من إشارة بأنّها ستؤدي إلى أيّ تحولاتٍ جذريّةٍ في الرأي العام في أي وقت قريب، وسيعتمد أثرها النهائي على كيفية تفاعلها مع عوامل أخرى متعددة تؤثر على استقرار المملكة وقدراتها ونواياها: انطلاقًا من التفضيلات الشخصية وصولًا إلى سياسات القصر السعودي فالتطورات الاقتصادية أو الأمنية أو الدولية وخصوصًا الدبلوماسية العربية المشتركة.
وبالرغم من ذلك، إن التغيرات الجارية في المواقف حاليًا، ليس على رأس المجتمع السعودي فحسب ولكن أيضًا في وسطه، توفر أرضيةً لتوقّع استمرار المملكة العربية السعودية بأداء دورٍ معتدلٍ (ولو كان بمعظمه خلف الكواليس) وناشط في الشؤون العربيّة-الإسرائيليّة وتلك المشتركة بين الأديان. وبصورةٍ خاصّةٍ، أفاد الوسيط الأمريكي في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في مقابلة لم يتم تسليط الضوء عليها بما يكفي الأسبوع الماضي، بأنه لم يتوقع “موافقة” عربية واسعة عند إطلاق خطة السلام العربية-الإسرائيلية لإدارة ترامب في نهاية المطاف، إلّا أنّه يرى آفاقًا معقولة للقبول وحتى “الدعم” العربي. وقال إنّ الدول العربية المُحيطة ستؤدي حتمًا دورًا إيجابيًا في هذا السيناريو، ولو كان ثانويًا.
وبالنظر إلى الخلفية المبيّنة أعلاه، خلُص بولوك إلى القول، يبدو سيناريو من هذا القبيل على الأقل نتيجةً محتملةً على المدى المتوسط، فوجهات النظر تجاه اليهود وإسرائيل ليست سوى واحدة من المسائل الراهنة المتعددة في السعودية، وتُعتبر التغييرات في هذا المجال مهمة، إلّا أنّها بعيدة كلّ البعد عن أنْ تكون تغييراتٍ مطلقةٍ، وفق قوله.