السؤالان الخاطئ والصحيح في تعامل الأردن مع قضية “جمال خاشقجي”: لماذا ذهبت المملكة إلى الرياض؟ وأين كان الإعلام ومؤسساته؟..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1142
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أزمة “حرية تعبير” و”نأي بالنفس″ تطل برأسها من عمان مع طلائع “معركة نفسية” مع الإسرائيليين حول الباقورة والغمر
برلين- رأي اليوم- فرح مرقه
 لمن لا يعرف سياسة الأردن ومليكه، ليس من السهل شرح وتفسير المفارقة التي جعلت من المملكة الاردنية ممثلة بعاهل البلاد عبد الله الثاني يذهب لمؤتمر الاستثمار السعودي ويجلس إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان، في وقت كان فيه الملك أحد رجالات الصف الأول انتصارا لحرية الصحافة بعد حادث صحيفة شارلي ايبدو في باريس قبل سنوات
بالنسبة لعمان، لا يتعلق الأمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي، ورغم محاولات عديدة من الأمير بن سلمان للتضييق على عمان، إلا ان الأردن قرر تسجيل هذا الموقف في الوقت الذي لم تكن مصر ولا رئيسها من تحرك بهذا الاتجاه. الخطوة بحد ذاتها سياسية وبامتياز بالنسبة للعاصمة الأردنية خصوصاً بعد زيارة وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوتشين لعمان من جهة والاهم بعد اتخاذ الملك ذاته قراراً في انهاء ملحقي الباقورة والغمر من معاهدة وادي عربة، الامر الذي يجعل توقع التضييق الإسرائيلي على عمان كبير، وبالتالي لعل الحكمة تتطلب تحييد او حتى خطب الود الجنوبي رغم كل الجفاء والبرود.
الامير محمد بن سلمان شخصيا نازع ملك الأردن على الوصاية الهاشمية على القدس، وفق ما نقلته مصادر فلسطينية واردنية متطابقة سابقاً، كما كان جزءا من صفقة القرن التي وضعت عمان بعض عصيّها في عجلاتها وحرفت مسارها، هذا تحديداً يجعل الموقف الملكي أكثر حكمة ولأسباب “ملكية خاصة” وفق ما يقرأ مراقبون المشهد، ولكن الرحلة الملكية لا تنفي ان ازمة خاشقجي كشفت عن خلل آخر كبير في الأردن ولا علاقة له بالمستوى السياسي الرسمي فقط.
قبل المؤتمر كله، يمكن القول ان عمان خلت تماماً على المستويين الرسمي والإعلامي من أي محاولة للتساؤل حتى عن مصير صحفي مختفٍ (قبل اعلان قتله)، رغم ان خاشقجي كان ذو مواقف معلنة عديدة مع الأردن وفلسطين. هذا الصمت الرسمي والذي لم تتخلله أي وقفة نقابية للاعلام الأردني من جهة، مقابل بيان خجول من مركز حماية وحرية الصحفيين الذي كان بالسابق يقوم على حملات ضخمة في هذا السياق، أثبت أن عمان تدخل في مرحلة صعبة من اختلاط الرسمي بالشعبي وبصورة قد لا تكون محمودة، وفق قراءة إعلامية استمعت اليها “رأي اليوم”.
في حالة نقابة الصحفيين والتي يفترض انها اكثر المعنيين بالوقوف إلى جانب الحقيقة والتي يقود اليوم الطلب في جلبها الاعلام الغربي، لم يكن هناك أي تصريح او تفسير او توضيح، الامر الذي يبرره بالضرورة امران: الأول النفوذ السعودي في عمان، والثاني ان النقابة لا تزال تتعامل مع نفسها كمؤسسة رسمية تابعة للدولة، الشق الثاني هو ما يتذمر منه الكثير من اعلاميي الأردن ومنذ سنوات.
الاعلام المستقل، قرر بدوره ان ينقل فقط بعض التفاصيل والاخبار التي لا تخدش العلاقة الأردنية- السعودية، خصوصا مع حالة من الترقب لتداعيات قانون الجرائم الالكترونية وسوابق احكام بالسجن للاضرار بالعلاقة بدولة شقيقة وهنا لم تغب عن العقل الجمعي حادثة سجن الشيخ زكي بني ارشيد قبل أعوام. هذه الحادثة والعديد من المساءلات السابقة منعت عمان على المستوى الإعلامي من المضي في التساؤل والضغط مع اعلام العالم للوصول لحقيقة اختفاء ثم قتل صحافي وكاتب في قنصلية دولة شقيقة، وهي ذات الأسباب التي جعلت المستوى الرسمي في الأردن يكتفي ببيانين خجولين يصفقان للإجراءات في السعودية.
الأهم والأخطر، ان الدأب المؤسسي خلال العامين الماضيين على تفكيك مركز حماية وحرية الصحافيين في الأردن والذي كان رائداً في مجاله على مستوى العالم العربي كله، من الواضح انه آتى أكُله باسكات صوت المنظمة أو حتى تخفيض صوتها في الدفاع عن الاعلام والإعلاميين أينما كانوا، هذا بحد ذاته تطور خطير في عمان يجب تتبعه ومعالجته، حيث يمكن مراقبة اللون الواحد والرواية الواحدة في الاعلام الأردني بعد سنوات من تمتع عمان بسقف أعلى وبألوان متعددة.
حادثة خاشقجي، والتي قد يكون المستوى الرسمي الأردني في حرج شديد فيها لكون الأطراف المشتبكة مع الحادث (تركيا، السعودية والولايات المتحدة) تربطهم علاقات معقدة مع عمان، الا ان المستوى الشعبي في المملكة يدل على ان الأردن بدأ ينأى بنفسه شعبيا عن العالم وهنا العديد من الأسئلة قابلة للطرح وللأسف الإجابات قد لا تكون مبشّرة رغم كل التحفيز الملكي خلال الأيام الماضية للاعلام بعقد لقاءات واسعة مع الإعلاميين والصحافيين من كل المؤسسات.
في هذا الصدد، يمكن التوقف مطولا عن قانون الجرائم الالكترونية الموجود اليوم في مجلس النواب والذي يتم الحديث عن سحبه من قبل حكومة الدكتور عمر الرزاز، كمسمار حقيقي في نعش ما تبقى من الوان واصوات في الأردن، رغم ان الحكومة المذكورة تحوي على الأقل 3 شخصيات من المستفيدين من حرية الاعلام بالإضافة لشخص الرئيس الدكتور الرزاز، هم وزيرة الاعلام جمانة غنيمات ووزير الثقافة والشباب الدكتور محمد أبو رمان ووزير تكنولوجيا المعلومات مثنى الغرايبة. هؤلاء اليوم يقع على كاهلهم عبء إعادة الحرية للاعلام الأردني وافساح المجال امام الكلمة وليس العكس، خصوصاً في وقت تواجه فيه العاصمة الأردنية طلائع أزمات جديدة مع الإسرائيليين سيكون رأس حربتها الاعلام والحجّة والاقناع.