اغتيال خاشقجي.. كيف يدمر الجيل الجديد من الديكتاتوريين الشرق الأوسط؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2034
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 في 2 أكتوبر/تشرين الأول، سار الكاتب السعودي البارز "جمال خاشقجي" إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، ولم يخرج مرة أخرى.
وكان مستشار الحكومة الناقد، الذي ذهب إلى المنفى الاختياري العام الماضي، قد توجه إلى تركيا لوضع اللمسات الأخيرة على أوراق لازمة لزواجه من خطيبته التركية.
وبمجرد دخول القنصلية، طبقا للسلطات التركية، قام فريق سعودي كان في انتظاره بقتله وأخذ جثته بعيدا.
ويعد اختفاء "خاشقجي"، واحتمال قتله، شوكة في الطريق لعلاقة الغرب مع الشرق الأوسط الجديد، التي كانت تتشكل وسط أنقاض الربيع العربي.
وحتى لو ظهر أن "خاشقجي" لا يزال على قيد الحياة، وهو ما يبدو أقل احتمالا يوما بعد يوم، فإن اختفاءه القسري سيشير إلى توسع خطير في جهود ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، المكثفة بالفعل لإسكات المنتقدين في الداخل والخارج.
وإذا ثبت قيام فريق سعودي بقتل "خاشقجي"، فإن التداعيات ستكون أسوأ بكثير.

جيل جديد من السلطويين
وبعد 7 أعوام من الثورات التي اجتاحت العالم العربي، بات من الممكن الآن رؤية ما الذي يخرج من حطام هذه الثورات التي تم إخمادها، إنه جيل جديد من "صدام حسين" و"معمر القذافي"، على استعداد لفرض رؤيتهم السلطوية باسم "الإصلاح"، بمباركة الغرب.
وربما كانت السياسات الخارجية الأوروبية والأمريكية مضطرة عادة للتعامل مع الأنظمة القاتلة، لكن الإفلات من العقاب عن مقتل "خاشقجي" قد يفضي إلى عصر مرعب وأكثر وحشية.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الاستخبارات الأمريكية اعترضت اتصالات بين مسؤولين سعوديين يناقشون خطة "للقبض" على "خاشقجي" قبل اختفائه، ما يثير الاحتمال المزعج بأن حكومة الولايات المتحدة قد تكون على علم بالمؤامرة ولم تحذر "خاشقجي".
وأثارت الفضيحة اتهامات غاضبة بأن تشجيع إدارة "ترامب" لولي العهد شجع أسوأ ميوله، ما أدى إلى مقتل "خاشقجي".
وقد يكون هذا صحيحا، ولكن لفهم صعود الاستبداد الجديد، نحتاج إلى النظر إلى خطيئة الربيع العربي الأصلية.
وكانت انتفاضات عام 2011 صدمة حقيقية للديكتاتوريات طويلة الأمد، والعلاقات مع الغرب التي ساعدت على بقائهم في كراسي السلطة.
ولم يتم تحديد مسار للتعاطي مع الحدث، ولمدة عامين على الأقل، كانت النتيجة معلقة، ولكن كل شيء انهار عام 2013.
في مصر، انتهى الأمر بانهيار الحكومة التي يقودها "الإخوان المسلمون"، بمساعدة من جهاز الدولة غير الموالي، الذي عمل كل ما في وسعه لضمان فشل الحكومة، عبر انقلاب يوليو/تموز الذي قاده وزير الدفاع آنذاك "عبدالفتاح السيسي".
وفي الشهر التالي في سوريا، أطلقت القوات الموالية للرئيس "بشار الأسد" صواريخ محملة بغاز السارين على إحدى ضواحي دمشق التي يسيطر عليها المتمردون، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1400 رجل وامرأة وطفل، وفي كلتا الحالتين، تفاعلت إدارة "أوباما" ببرود شديد.
وبرفضه تسمية تحرك "السيسي" في مصر كانقلاب عسكري، من أجل تجنب قطع علاقة مفيدة منذ عقود، قبل كبار مستشاري "أوباما" بظهور حكم عسكري جديد في الشرق الأوسط كأمر واقع.
وفي كتاب جديد عن الانتفاضة المصرية وتداعياتها، يصور "ديفيد كيركباتريك"، مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة في ذلك الوقت، يصور الإدارة الأمريكية كمحرض للثورة المضادة، وبعد أسابيع من الانقلاب، كان وزير الخارجية "جون كيري" يشجع الجيش ويشيد بالانقلاب كتحرك "لاستعادة الديمقراطية".
وبدلا من أن ينتقد وزير الدفاع "تشاك هاجل"، "السيسي" بسبب ارتكاب المذابح في صفوف المعارضة، فقد أعلن أنه يعرف ما هو الأفضل لبلاده.
وفي هذا الوقت، كانت الرسائل تتواصل من المسؤولين من السعودية والإمارات العربية المتحدة، بأنه قد حان الوقت "للقضاء" على "الإخوان".
وقد فعل "السيسي" ذلك بالضبط، حيث قام بارتكاب مذابح في 14 أغسطس/آب 2013 في القاهرة خلفت أكثر من 900 قتيل بين المتظاهرين، وهو أسوأ حادث من نوعه في التاريخ الحديث.
وفي ذلك الشهر نفسه، ظهر كذب عزم "أوباما" على العمل العسكري ردا على استخدام "بشار الأسد" للأسلحة الكيماوية في سوريا.
وما أعقب ذلك كان أعواما تم استخدام الأسلحة الكيميائية فيها بشكل أكبر، خاصة غاز الكلور.
وفي الوقت نفسه، قدمت الإدارة عن عمد دعما سريا لمتمردين سوريين كان كافيا لضمان استمرار المأزق الدموي.
وقد أعلن "أوباما" ​​أن "الأسد" زعيم غير شرعي يجب أن يغادر، في حين كانت السياسة الأمريكية تضمن أن ذلك لن يحدث أبدا.

الفرصة الضائعة
وكان عام 2011 يمثل فرصة تاريخية للولايات المتحدة لإعادة تعريف العلاقات مع العالم العربي، تلك العلاقات التي كانت قائمة على عقود من الدعم للديكتاتوريات.
وكان عام 2013 الفرصة الأخيرة لتجنب إعادة بناء نفس الأمراض المستعصية التي أدت إلى الثورات في المقام الأول، لكن إدارة "أوباما" فشلت في كلا الاختبارين.
وعندما أطلق "محمد بن سلمان" الحملة العسكرية الكارثية للسعوديين في اليمن عام 2015، وهي أول مؤشر على جرأة ولي العهد الخطرة، قدمت إدارة "أوباما" دعمها.
ولم تختلف إدارة "ترامب" بشكل أساسي سوى أنها أظهرت المزيد من الحماس للأنظمة الأكثر استبدادا، مع تراخ أكبر تجاه ملفات حقوق الإنسان، لا سيما من خلال "غاريد كوشنر"، صهر الرئيس، الذي يقال إنه شكّل علاقة وثيقة مع "بن سلمان".
ومنذ ذلك الحين، لم يثر احتجاز ولي العهد القصير لرئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ولا حملته المنسقة ضد ناشطات حقوق المرأة الكثير من الفزع الأمريكي الرسمي.
حتى إنه تم تجاهل الممارسات الطويلة التي اتبعها السعوديون في خطف المعارضين في الخارج وإعادتهم قسرا إلى البلاد، كما حدث للناشطة "لجين الهذلول" في الإمارات، في مارس/آذار.
وقد تكهن مراقبون مطلعون في الأيام الأخيرة بأن "خاشقجي" ربما يكون قد تم قتله خلال محاولة اختطاف مماثلة.
ويبدو أن ما حدث لـ"خاشقجي"، وهو كاتب مقيم في الولايات المتحدة، وصحفي في "واشنطن بوست"، مع أكثر من مليون متابع على "تويتر"، ودائرة مؤثرة من الأصدقاء، قد بدأ بالفعل في تبديد أي شعور متبق بالأمان لدى المعارضين العرب في جميع أنحاء العالم.
ولقد شعرت مجموعة عالمية من الصحفيين والمحللين وناشطي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم بالصدمة والغضب والرعب، ما أثار ردود فعل غير عادية من الحزبين.
ويوم الإثنين الماضي، بعد ما يقرب من أسبوع من اختفاء "خاشقجي"، خرج كل من الرئيس "ترامب"، ونائب الرئيس "بنس"، ووزير الخارجية "بومبيو" أخيرا، وأعربوا عن "القلق".
ويوم الثلاثاء، في خطاب رئيسي حول السياسة الخارجية التقدمية، طالب السيناتور "بيرني ساندرز" بالمساءلة عن اختفاء "خاشقجي"، وخص بالذكر المملكة العربية السعودية كعضو بارز في "التحرك العالمي نحو الاستبداد، والأوليغارشية، والكلبتوقراطية"، ولاحقا هدد "ترامب" السعودية بالعقاب حال ثبت تورطها في إخفاء أو قتل "خاشقجي".
ولقد استجاب السعوديون بمزيد من التعتيم، الذي أصبح نموذجا للسلطات الاستبدادية الجديدة في المنطقة، حيث أظهروا إنكارا حادا، وانتقدوا ما أسموه بنظريات المؤامرة، وأطلقوا الوعود الكاذبة بإجراء تحقيقات لمعرفة أين ذهب "خاشقجي" حقا.
ولقد فشلوا حتى الآن في تقديم أي دليل على أن "خاشقجي" قد غادر القنصلية على الإطلاق، في حين أن الصحفيين قاموا بالإبلاغ عن بعض الأدلة التي تدين الرياض، مثل إبلاغ السعوديين للموظفين الأتراك بعدم الحضور يوم اختفاء "خاشقجي"، وتخفيف المراقبة في القنصلية، ووصول ومغادرة طائرات خاصة ذكرت السلطات التركية أنها حملت فريقا من السعوديين المتهمين بقتل "خاشقجي".
وإذا تم السماح للسعوديين بلعب هذه اللعبة، والسماح باختفاء "خاشقجي" دون أي عواقب، فسنكون قد دخلنا عالما جديدا خطيرا، يعدك فيه النظام بأن "يديه قد تصل إليك أينما كنت".
ومرة أخرى، يعود الخيار لنا في الغرب لنحدد مستقبل هذا العالم.

المصدر | إيفان هيل - سلات