"قل كلمتك ..وامش".. مواقف خاشقجي التي دفع حياته ثمنا لها
"قل كلمتك.. وامش".. هكذا رفع الكاتب السعودي الشهير "جمال خاشقجي" هذا الشعار عبر حسابه على "تويتر" قبل أن يتوقف ذلك الحساب عن التغريد، إثر تعرض صاحبه للاختطاف والاغتيال داخل القنصلية السعودية بإسطنبول.
ومن اللافت أن تكون آخر تغريدة لـ"خاشقجي" معبرة عن مواقفه من قضايا الأمة التي طالما حرص على إظهار دعمه لها.
فلسطين والتطبيع مع (إسرائيل)
"أغادر لندن وفلسطين في البال".. بتلك الكلمات كتب "خاشقجي"، تغريدته الأخيرة التي حظيت بمشاركة واسعة بعد ترجيح الأمن التركي لمقتله داخل قنصلية بلاده بإسطنبول.
وأضاف "خاشقجي" في تغريدته الأخيرة: "أغادر لندن وفلسطين في البال، حضرت مؤتمرا وتعرفت على باحثين وناشطين مؤمنين بعدالة قضيتها من أطراف الأرض، رغم قوة اللوبي الإسرائيلي الذي حاصر أي تعاطف معها إلا أن صوتها لا يزال عاليا هنا، في عالمنا يحاولون تغييب فلسطين لكسر الغضب فينا ولكنها حاضرة في ضمير كل مواطن، وإن صمت".
وكان "خاشقجي" من أشد المنتقدين لمساعي بعض المسؤولين العرب وخاصة الخليجيين للتطبيع مع (إسرائيل)، فيما سخر من هؤلاء المسؤولين قائلا: "أكاد أرى نتنياهو يستلقي ضاحكا وهو يتابع خليجيين يتجادلون أيهما (طَبَع) أولا".
الدور العربي
وحرص الكاتب السعودي على أن يكون الدور العربي حاضرا في القضايا الإقليمية والدولية وخاصة فيما يخص الأمن القومي العربي.
وفي هذا السياق، استنكر "خاشقجي" صمت السعودية والإمارات حيال الأوضاع في إدلب شمالي سوريا، معتبرا أن "إدلب ترمز للتصدع العربي الكبير وغياب الرؤية.. عرب يخشون التمدد الإيراني ولكن يخشون الحرية والديمقراطية أكثر".
فيما أشاد بدور تركيا في تلك القضية قائلا: "وحدها تركيا تدافع عن سلامة وحرية بضعة مليون سوري عربي في إدلب (شمال غربي سوريا) في وجه روسيا وإيران، والعرب بين غائب وكائد".
وحدة المملكة والربيع العربي
ورغم الاتهامات التي وجهها خصوم "خاشقجي" له بالعمل على بث الفتنة داخل المملكة، فقد أكدت مواقف "خاشقجي" عكس ذلك، فتزامنا مع احتفال المملكة باليوم الوطني الأخير، نشر الكاتب السعودي تغريدة دعا فيها إلى "عدم إفساد حلم الآباء بالوحدة عبر خطاب تفريقي دخيل".
وقال "خاشقجي" في تغريدته: "توحيد المملكة هو أول خطوة في تحقيق فكرة الوحدة العربية.. هكذا خط الآباء المؤسسون من حجازيين ونجديين وعرب مهاجرين التحقوا بالمؤسس مؤمنين به زعيما يستطيع تحقيق وحدة ناضلوا من أجلها".
وأوضح "خاشقجي" أنه كان يتمنى أن "تحتضن السعودية الربيع العربي، وتتعامل معه كظاهرة حقيقية وليس كمؤامرة"، مؤكدا أن "مواجهة ذلك التحول هو سبب الفوضى التي تشهدها المنطقة حاليا".
افتعال الأزمات
وعارض "خاشقجي" سياسة افتعال الأزمات والانتصارات الزائفة التي انتهجتها المملكة بعد صعود ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".
ففي تعليقه على أزمة بلاده الأخيرة مع كندا قال "خاشقجي": "حان وقت اتخاذ القرارات السياسية المهمة خارج السوشال ميديا وبعيدا عن تأثيراتها"، مضيفا: "غردت قبل سنة: انتصارات السوشال ميديا تبقى في السوشال ميديا".
وفيما يخص الأزمة الخليجية، دعا "خاشقجي" مرارا إلى حلها داخليا وعدم الانتظار لتدخل أمريكي في هذا الشأن، ففي تعليقه على أنباء سابقة بخصوص قمة خليجية أمريكية في هذا الصدد قال "خاشقجي"إن "مصادر هنا بواشنطن تتحدث عن القمة الخليجية الأمريكية.. الأفضل حل الأزمة خليجيا.. بيدي لا بيد عمرو".
واعتبر"خاشقجي" أن هناك سببا آخر للإبقاء على الأزمة الخليجية مع قطر، هو إشغال الناس فيما لا يفيدهم بعيدا عن القضايا الحقيقية".
قدوم "ترامب"
أبدى "خاشقجي" عدم حماسته لوصول "دونالد ترامب" إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، معتبرا أن تصريحاته ومواقفه تنذر بمرحلة توتر على الصعيد الإقليمي والدولي.
وخلال العامين الماضيين، كرر "خاشقجي" انتقاده لإدارة "ترامب" وسياسة بلاده تجاه الابتزاز الأمريكي المتواصل.
وتساءل "خاشقجي" عما جرى لأمريكا بعد التصريحات المثيرة للجدل التي يطلقها مقربون من "ترامب".
نظام "السيسي"
ولم يتوان "خاشقجي" عن إعلان معارضته لنظام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" فيما دعا دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، إلى التوقف عن دعم "السيسي" ماليا وسياسيا.
واعتبر أن أكبر مساعدة يمكن تقديمها لمصر هو تركها تتلمس طريقها نحو حكم راشد بدون تدخلات 2013، وذلك في تعليق له قبل انتخابات الرئاسة التي جرت في مارس/آذار الماضي.
واعتبر "خاشقجي" أن "ما يجري في مصر مؤلم، السكوت عليه غبن، والدفاع عنه سقوط"، وذلك في إطار تعليقه على تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية الذي تحدثت عن عمليات التعذيب الممنهجة التي يمارسها النظام المصري ضد المعارضين السياسيين.
معتقلو الرأي
وكان صوت "خاشقجي" حاضرا بقوة في الدفاع عن معتقلي الرأي في السعودية، وانتقد الإفراج عن الأمراء بتسويات مالية، في الوقت الذي يقبع فيه العشرات من المفكرين والدعاة خلف أسوار السجون.
وغرد "خاشقجي" متسائلا: "إذا كان الأمير يستطيع أن يدفع مليارا ليحصل على حريته، فما الذي سيدفعه معتقل الرأي ليحصل على حريته؟ ما الذي سندفعه جميعا لنحصل على حريتنا؟".
واتهم "خاشقجي" إعلام بلاده بشيطنة كل من له صوت معارض، داعيا إلى إصلاحات أعمق من قيادة المرأة للسيارة والسماح بالموسيقى والغناء.
يشار إلى أن "خاشقجي" كان من أكثر المشيدين بالأمر الملكي الذي صدر، بشأن السماح للمرأة بقيادة السيارات داخل المملكة، حيث كتب على صفحته في "تويتر": "قرار شجاع من ملك شجاع، تأخر عقودا بدون سبب، وستكون له تحولات هامة اقتصادية ويعزز دور المرأة الإيجابي في الحياة".
حرب اليمن
وفيما يخص الحرب في اليمن، فقد حاول "خاشقجي" خلال أيامه الأخيرة إقناع السعودية بضرورة إنهائها، قائلا إن "استمرار الحرب في اليمن يهدر كرامة المملكة ويطعن في شرعيتها كمهد للإسلام، كما أنه لا يجعل المملكة أكثر أمنا، ناهيك عن التكاليف الباهظة المرتبطة بالحرب".
واعتبر أن الاستمرار في الحرب يعني تحول قائد هذه الحرب والمسؤول عنها إلى "بشار الأسد" الجديد، في إشارة إلى حجم الجرائم التي يتم ارتكابها.
وأشار إلى أن "السعودية يمكنها استخدام نفوذها وفعاليتها داخل الدوائر الغربية وباستخدام المؤسسات والآليات الدولية لحل النزاع في اليمن، ولكن للأسف يتم إغلاق هذه النافذة التي يمكن أن تقود للحل بسرعة".
واعتبر أن قاعدة "هزيمة الحوثيين مع ضمان عدم استفادة الإصلاح من ذلك "مستحيلة التطبيق"، مشيرا إلى أن النتيجة إطالة أمد الحرب دون طائل.
"الإخوان" والليبراليون
ولطالما حاول أعداء "خاشقجي" أن يلصقوه بالإخوان باعتبار ذلك تهمة العصر، ما دفع "خاشقجي" للتغريد قائلا: "غرد عن الحرية.. أنت إخوان. عن الحقوق.. أنت اخوان. عن مواطنك المعتقل.. إخوان. عن المشاركة والكرامة.. إخوان. ترفض الاستبداد.. طبعا إخوان. عن غزة وسوريا.. إخوان بالتأكيد".
وأضاف: "يا كارهو الإخوان: لقد جمعتم كل المكارم فيهم، فعملتم لهم أفضل دعاية".
وبالرغم أن البعض يضع "خاشقجي" في خانة الكتاب الليبراليين، إلا أنه عارض كثيرا المواقف المتطرفة من قبل بعض المحسوبين على التيار الليبرالي تجاه الإسلاميين.
وقال "خاشقجي" إن "حداثي بورقيبي يحتج أن تكون امرأة (شيخ) لمدينة تونس، وتشارك في موكب 27 رمضان التقليدي.. أراهن أن أول رئيسة عربية ستصل بأصوات الإسلاميين وليس هولاء الليبراليون المزيفون".
وكرر "خاشقجي"، اعترافه بفضل "الإخوان المسلمون" عليه، نافيا في الوقت ذاته انتمائه للتنظيم.
وقال في تغريدة له: "أقول دوما إنني غير منتمي للتنظيم وكي أكون دقيقا لم أعد منتميا منذ التسعينات، ودعوت لحله بالمملكة لعدم الحاجة له، ولكن لا أنفي فضلهم علي فنعم الإخوة هم، ونعم التربية تربيتهم".
الروهينغا
ولم يغب صوت "خاشقجي" في الدفاع عن قضايا الأقليات المسلمة وخاصة "الروهينغا" الذين يتعرضون لإبادة جماعية، فيما تروج بعض وسائل الإعلام الخليجية لرواية النظام في بورما.
وقال "خاشقجي" في تغريدة له: "هذا البرود تجاه قضية الروهينغا مستغرب، وتبني بعض الصحف رواية النظام البورمي العنصري مستهجن، المملكة هي القائد للعالم الإسلامي وهذه قضيتها".
وبمقتل "خاشقجي" فقدت قضايا الأمة العربية والإسلامية صوتا حرا مدافعا عنها، وضميرا حيا تجلى في تغريداته وكتاباته، فقد "قال كلمته ومشى" كما كان يرفع هذا الشعار دائما.