بين النموذج الإيراني والإماراتي.. النووي السعودي على مفترق طرق

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 4275
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 لا يكاد برنامج إنتاج الطاقة النووية في المملكة العربية السعودية يخطو خطواته الأولى، لكنه أثار بالفعل الكثير من الجدل. وفي خضم مواجهة إقليمية بين السعودية وإيران، وتعليقات استفزازية من القادة السعوديين، يشعر بعض المراقبين بالقلق من أن البرنامج ليس أكثر من ذريعة لتطوير أسلحة نووية. غير أن آخرين يشيرون إلى ما يعتبرونه دوافع سلمية مشروعة للبرنامج، ويشيرون إلى أن المملكة بصفتها عضوا في معاهدة الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية، فإنها تتمتع بكامل حقوقها في متابعة برنامج للطاقة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، وإعادة معالجة الوقود المستنفد، وهي التكنولوجيات التي يمكن استخدامها لإنتاج وقود يمكن استخدامه في المفاعلات النووية.
وفي الوقت الذي تتفاوض فيه الولايات المتحدة والسعودية على اتفاق تعاون في مجال الطاقة النووية، يسعى صانعو السياسة الأمريكيون إلى التوصل إلى اتفاق يقلل من مخاطر سعي المملكة للحصول على الأسلحة، في الوقت الذي تخوض فيه الشركات الأمريكية منافسة مريرة ضد المنافسين الأجانب، مثل روسيا والصين، حول الحصول على العقود النووية المربحة. ومع تقييم المجتمع الدولي لأهداف البرنامج السعودي، فمن المرجح أن يتم الحكم على نوايا المملكة من خلال الإشارة إلى نموذجين آخرين للطاقة النووية في الشرق الأوسط، هما إيران والإمارات العربية المتحدة.

النموذج الإيراني
ويصنف برنامج إيران النووي، على نطاق واسع، على أنه ذريعة لبرنامج للأسلحة النووية. ورغم أن قدرات إيران في مجال التخصيب وإعادة المعالجة لم تنتهك معاهدة عدم الانتشار في حد ذاتها، فإن حقيقة أنها أخفتها لأعوام عديدة اعتُبرت بمثابة انتهاك للضمانات الواجب أن تقدمها إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي. علاوة على ذلك، لا يوجد سبب منطقي اقتصادي أو تقني معقول لإيران لامتلاك مثل هذه القدرات في هذا الوقت أو في المستقبل المنظور.
وتقول إيران إنها تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم لتغذية محطاتها النووية بالطاقة. ومع ذلك، ونظرا للفائض الضخم لطاقة التخصيب، وارتفاع أسعار الوقود النووي، فإنه من غير العملي من الناحية الاقتصادية تشغيل محطة تخصيب طاقة نووية تنتج أقل من 25 ألف ميغاواط من الكهرباء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي نقص في الإمدادات يمكن تعويضه من قبل بنك الوقود الدولي، الذي تديره الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كازاخستان.
وفي حين تدعي إيران أنها لا تريد الاعتماد على الغرباء للحفاظ على برنامجها، إلا أنها في الواقع منفتحة على مثل هذه الترتيبات. ووفقا لاتفاقية الموردين الموقعة بين إيران وروسيا، يتم تشغيل مفاعل الطاقة النووية الوحيد في إيران في "بوشهر" بالوقود الذي توفره روسيا. ومن المشكوك فيه في ضوء الشكوك المحيطة ببرنامج إيران أن أي مورد مستقبلي سيوافق على شروط أكثر تراخيا. بالإضافة إلى ذلك، بموجب صفقة التوريد، ستستعيد روسيا الوقود المستنفد من "بوشهر"، وهي خطوة تهدف إلى ضمان عدم تحويله إلى برنامج للأسلحة النووية.
وقد نفت إيران بشدة امتلاكها لبرنامج للأسلحة النووية. ومع ذلك، لطالما أثارت وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم تساؤلات حول أنشطة التسلح الإيراني الظاهرة. ويضيف الكشف الأخير من قبل (إسرائيل)، عن خطط سابقة لإيران لإنتاج الأسلحة النووية، وقودا إلى هذه الشكوك قديمة العهد.

المثال الإماراتي
وعلى النقيض من ذلك، عندما اتخذت الإمارات قرارا عام 2006 بالشروع في برنامج خاص بها للطاقة النووية، تزامنا مع مخاوف الوكالة بشأن برنامج إيران النووي، فقد اتخذت كل خطوة ممكنة من أجل ضمان أن يتأكد المجتمع الدولي أنها سوف تستخدم برنامجها النووي فقط لأغراض سلمية. ولتحقيق هذه الغاية، اتخذت الإمارات خطوات لإثبات حسن نواياها وتقييد قدراتها. وفي أبريل/نيسان 2008، أصدرت الإمارات ورقة بيضاء شاملة حول أهداف برنامجها ودوافعه.
ومن ناحية القدرات، أوضحت الوثيقة خطط الإمارات لتلقي الوقود النووي من "موردين أجانب موثوقين ومسؤولين"، بدلا من تطوير قدراتها المحلية الخاصة بالتخصيب وإعادة المعالجة. وفي مايو/أيار 2009، وقعت الإمارات والولايات المتحدة اتفاقية تعاون نووي تحظر بشكل صريح على الإمارات القيام بأنشطة التخصيب وإعادة المعالجة داخل أراضيها. ولتعزيز هذا الالتزام، اعتمدت الإمارات، في أكتوبر 2009، تشريعا محليا للتخلي بشكل دائم عن امتلاك اليورانيوم المخصب وقدرات إعادة معالجة البلوتونيوم.
كما اتخذت الإمارات خطوات إضافية لحشد الدعم الدولي الواسع الذي تتمتع به لبرنامجها النووي. وشمل ذلك التركيز على الشفافية، عن طريق نشر ورقة الاستراتيجية، وتوضيح دوافع البرنامج، وكيف يمكن تحقيقه بطريقة قابلة للاستمرار اقتصاديا وتتناسب مع احتياجاتها وقدراتها، مع إشراك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت مبكر، وتأسيس مجلس استشاري دولي مكون شخصيات رفيعة المستوى في صنع السياسة النووية الدولية، مثل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية "هانز بليكس"، ونشر تقارير وكالة الطاقة الذرية والتقارير التنظيمية والاستشارية على الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية. كما أجرت الإمارات توعية لشرح البرنامج للمساهمين المحليين والدوليين، وعلاوة على ذلك، أنشأت الإمارات هيئة تنظيمية مستقلة لضمان أن يلتزم البرنامج النووي بأعلى المعايير الدولية للسلامة النووية والأمن وعدم الانتشار.
ولا يعني هذا أن برنامج الإمارات لم يعان من انتكاسات وتحديات، بل حدث له ذلك. ومع ذلك، يرجع السبب في معظمها إلى قلة القدرات والخبرات في البرنامج، وليس بسبب الشكوك حول نوايا الإمارات.
ويقع البرنامج النووي السعودي على مفترق طرق، يحتاج فيه قادته إلى تحديد النموذج الذي يجب اتباعه. ومن المبكر الاعتماد على تفسير بعض التصريحات التي تلقي بظلال خطيرة على نوايا الرياض الحقيقية. وتشمل هذه التصريحات بيانات لقادة المملكة حول الرغبة في مواصلة التخصيب، ونوايا لتطوير أسلحة نووية إذا فعلت إيران ذلك، وبناء قناة على طول حدودها مع قطر لاستخدامها كموقع للنفايات النووية. ولإثبات نواياها السلمية، ينبغي على الرياض التوقيع على البروتوكول الإضافي، وهو اتفاق يوفر للوكالة الدولية للطاقة الذرية مزيدا من المراقبة وحق الوصول، والموافقة على الحصول على وقود نووي من موردين أجانب لدورة حياة المفاعل بكاملها، وعودة الوقود المستهلك من المفاعل إلى المورد. وإذا اختارت الابتعاد الابتعاد عن نموذج الإمارات وتمسكت بقدرات التخصيب وإعادة المعالجة، يجب عليها أن تبرهن أن برنامجها يبرر الحصول على هذه التقنيات من الناحيتين الاقتصادية والفنية.

المصدر | معهد الشرق الأوسط